رغم أن وسائل الإعلام العربية والدولية لا تغطي التغلغل الروسي المتصاعد في ليبيا، إلا أن ذلك لا ينفي أن الروس بدأوا يغزون ليبيا فعلياً كما يؤكد أشرف الشح مستشار المجلس الأعلى للدولة في ليبيا. وقد اعترف الشح على قناة الجزيرة بأن حكومة الوفاق ألقت القبض على عناصر روس تابعين لشركة المرتزقة الروسية سيئة الصيت «فاغنر». وقد اعترفوا بمدى التغلغل والدور الروسي القذر في البلاد. وزادت سمعة هذه الشركة الشيطانية سوءاً قبل أيام عندما قطع مرتزقتها رأس شاب سوري ثم لعبوا كرة قدم، وهو فعل لم يقدم عليه حتى الدواعش. وقد أصبحت «فاغنر» المرادف الروسي لشركة «بلاك ووتر» الأمريكية صاحبة المهمات القذرة. لكن بينما الشركة الأمريكية شركة خاصة تستأجرها الدول، فإن الشركة الروسية تتبع للرئيس الروسي مباشرة، أي أنها من صناعة الكرملين نفسه. ويبدو أن تلك الشركة بدأت تنشط في ليبيا بشكل رهيب تمهيداً لغزو روسي كامل الأوصاف كما يؤكد الليبيون.
وعلى الرغم أن الروس يقدمون أنفسهم في كل مكان يتدخلون فيه على أنهم ينظفون الساحات بعد التخريب الأمريكي، ويحاولون الظهور بمظهر المصلح بين الفصائل المتصارعة إن كان في سوريا أو ليبيا أو غيرهما، إلا أنهم في واقع الأمر قوة استعمارية امبريالية صاعدة بدأت تنافس بقية ضباع العالم على احتلال الدول ونهب خيراتها وتحويلها إلى محميات روسية كما فعل بوتين في سوريا. وهناك لوحة على مدخل مطار حميميم السوري كتب عليها «لا حدود لروسيا العظمى» وعليها توقيع بوتين نفسه. ولا شك أن مهمة الروس في ليبيا لا تختلف مطلقاً عن مهمتهم في سوريا، فكما استغلوا الكارثة السورية لاحتلال سوريا والهيمنة على ثرواتها، ها هم يخططون للأمر نفسه في ليبيا بمساعدة الجنرال الليبي خليفة حفتر الذي تحول إلى صورة طبق الأصل عن بشار الأسد، فحفتر مستعد أن يبيع ليبيا والليبيين ويدمر البلد ويقتل العباد مقابل الوصول إلى رئاسة ليبيا تماماً كما فعل نظيره في الشام، فقد باع سوريا للروس والإيرانيين والصينيين مقابل الكرسي.
وقد وجدت موسكو في الجنرال حفتر الشريك الذي يمكن التعويل عليه والذي كانت تفتقده في ليبيا ما بعد القذافي. وتؤكد الزيارتان اللتان قام بهما للعاصمة الروسية في حزيران/ يونيو وتشرين الثاني/نوفمبر 2016، ثم ظهوره على متن حاملة الطائرات أميرال كوزنيتسوف ـ التي كانت تعبر قبالة المياه الليبية في كانون الثاني/يناير 2017ـ الاهتمام الذي يوليه الكرملين لرجل له ميل سياسي عسكري محبب جدا لدى موسكو. كما أخذ موقف الكرملين منذ أيار/مايو منحى أكثر نشاطاً حيث قامت روسيا بطبع أحد عشر مليار دينار ليبي لصالح حكومة طبرق مما أثار احتجاجات البنك الليبي المركزي المتواجد بطرابلس حيث تقيم حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من طرف المجتمع الدولي.
هل تخوض روسيا حروب أمريكا بالوكالة وهي ليست سوى بلطجي مستأجر؟ أم على الليبيين أن يخشوا من الغزو الروسي الذي وصفه مسؤول ليبي بأنه بلا قيم وأن الوحشية الأمريكية على بشاعتها لا تنافس الدب الروسي في الهمجية والبربرية؟
ولا يقتصر التدخل الروسي النشط في ليبيا على مرتزقة فاغنر التي كشف عنها تقرير بلومبرغ بوصول تقريبا 300 مرتزق برئاسة يفغيني بريجوزين، المقرّب من الرئيس الروسي، إلى قاعدة أمامية في ليبيا لدعم قائد مُسمى الجيش الليبي، وإدارة حربه والذي تعثرت قواته في ضواحي العاصمة منذ نيسان/أبريل 2019، بل تفاقمت مظاهر التوّرط فيما ذكرته صحيفة «ذي تليغراف» البريطانية بتزويد القوّات المهاجمة بالذخائر والقذائف والدبابات والطائرات المسيرة. والأخطر بث عناصر مرتبطة بالمخابرات العسكرية الروسية للعمل بإدارة الهجوم من قاعدة الرجمة في شرق ليبيا. وذكرت نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير نشرته في عددها ليوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر، أن «نحو 200 مقاتل روسي وصلوا إلى ليبيا خلال الأسابيع الماضية لمساندة (حفتر)، في إطار حملة من جانب الكرملين لتأكيد النفوذ بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا». وقد أثبتت الدلائل أن مشاركة مرتزقة «فاغنر» في القتال ضد حكومة الوفاق يتجاوز مسألة تدريب قوات حفتر وتزويدها بأسلحة متوسطة وثقيلة، فهؤلاء المرتزقة أصبحوا يلعبون أدواراً أكبر في قيادة العمليات ضد حكومة الوفاق، وقد أكدت الوفاق عثورَها على وثائق وخطط عسكرية مكتوبة باللغة الروسية بخط اليد، إضافة إلى ظهور صور شخصية وهواتف نقالة وبطاقات ائتمان لمرتزقة من شركة «فاغنر» الأمنية الروسية. ومن أشكال الدعم الروسي المختلفة كذلك لحفتر، دعمه إعلاميًا، إذ دشن مالك «فاغنر» حملة أطلق عليها اسم «الشركة» تنفذ خطة إعلامية للتعامل مع الملف الليبي، تقوم تلك الخطة على الاعتماد على دعاية مدفوعة الأجر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تهدف إلى زيادة شعبية قوات حفتر، وكذلك تقديم خدمات الاستشارات السياسية لحفتر.
ويلعب مرتزقة «فاغنر» كذراع خلفي لروسيا، ويشاركون في القتال وفي تهريب البشر وبيع النفط وتجارة المخدرات والعمل مع التنظيمات الإرهابية، ويشكل هؤلاء خطورة على النفط الليبي والهجرة غير الشرعية وتنامي «داعش» في ليبيا، وقد يكون حفتر وعدهم بالنفط الليبي والموارد الطبيعة واقامة قاعدة عسكرية روسية على الأراضي الليبية.
هل ينجح الغزو الروسي في ليبيا كما نجح في سوريا حتى الآن، أم أن الوضع مختلف في ليبيا، وأن الرهان الروسي على حفتر رهان فاشل، لأن الرجل بلغ من العمر عتياً وشارف على الثمانين من العمر؟ وبالمقابل، لا يمكن للروس تنصيب سيف الإسلام القذافي رئيساً لليبيا، لأن عليه عقوبات دولية. ويتساءل الليبيون: هل يجرؤ خليفة حفتر في ليبيا على الاستعانة بالروس وبمرتزقة فاغنر لولا الموافقة الأمريكية؟ وهل روسيا تخوض حروب أمريكا بالوكالة وهي ليست سوى بلطجي مستأجر؟ أم على الليبيين أن يخشوا من الغزو الروسي الذي وصفه مسؤول ليبي بأنه بلا قيم وأن الوحشية الأمريكية على بشاعتها لا تنافس الدب الروسي في الهمجية والبربرية؟
القدس العربي