أضرم محتجون النار في مدخل ضريح بمدينة النجف المقدسة في جنوب العراق. وردّت قوات الأمن، السبت 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم وذلك في تطور يهدد بمزيد من سفك الدماء.
وتداول عراقيّون بكثافة تسجيل فيديو قيل إنه يظهر اشتعال النار في مدخل ضريح الشخصية السياسية الدينية محمد باقر الحكيم مؤسس المجلس الأعلى الإسلامي، بينما يهلل المحتجون ويصورونه بهواتفهم المحمولة.
جاء الحادث خلال واحد من أشد الأسابيع دموية في الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي اندلعت في مطلع أكتوبر (تشرين الأول).
وتصاعدت الاضطرابات بعدما أحرق محتجون القنصلية الإيرانية في مدينة النجف في جنوب البلاد، الأربعاء 27 أكتوبر. وقد اندلعت في مدينة الناصرية اشتباكات دامية يوم الخميس بعد ساعات من إحراق القنصلية في النجف.
وشهدت المدينة بعضاً من أسوأ أحداث العنف في العراق منذ بدأت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في بغداد.
وتجددت التظاهرات في الناصرية على الرغم من القمع الدموي الذي نفّذته قوات الأمن الذي أسفر عن مقتل أكثر من 40 متظاهراً خلال اليومين الماضيين في المدينة.
وفي ختام يوم شهد إصابة 25 شخصاً، بحسب مصادر طبية، أعلنت السلطات المحلية أنّ الأحد، وهو أول أيام الأسبوع في العراق، سيكون يوم عطلة لموظفي القطاع العام.
وأحرق متظاهرون اطارات السبت وسجلت مواجهات جديدة اسفرت عن 25 جريحاً على الاقل، بحسب اطباء.
وشهدت كربلاء، ثاني اهم مدينة مقدسة لدى الشيعة احتجاجات تخللها اطلاق قنابل غازية استمر حتى مطلع صباح السبت.
وفي الديوانية، خرج الآلاف إلى الشوارع مبكراً للمطالبة بـ”إسقاط النظام”.
السيستاني والصدر
وبدا واضحاً للمرة الأولى، دعم المرجع السيستاني (89 عاماً) للاحتجاجات الغاضبة التي تدعو إلى “إقالة الحكومة” وتغيير الطبقة السياسية التي تسيطر على العراق منذ 16 عاماً، مع اتهامها بالفساد وهدر ثروات هذا البلد.
وقال السيستاني في خطبة الجمعة التي تلاها ممثله السيد أحمد الصافي في كربلاء، إن “مجلس النواب الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة مدعوّ إلى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء أبنائه، وتفادي انزلاقه إلى دوامة العنف والفوضى والخراب”.
ودعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي أيد الاحتجاجات لكنه لم يدعمها بشكل كامل، إلى استمرار التظاهرات، لكنه رفض اللجوء للعنف.
وطالب، عبر تويتر، بأن “يكون ترشيح رئيس الوزراء من خلال استفتاء شعبي على خمسة مرشحين”، مضيفا أن المحتجين يجب أن يواصلوا الضغط لتحقيق مطالبهم”.
الاستجابة لمطالب المتظاهرين
وعلى الرغم من وعد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الجمعة 29 أكتوبر، بالاستقالة والسعي لوقف العنف وتهدئة غضب الناس، استمر التحركات الاحتجاجية لا سيما في بغداد والناصرية بجنوب العراق حيث حاصر المحتجون مركزاً للشرطة.
وذكرت الشرطة أنه جرى الإبلاغ عن عدد قليل من الإصابات مقارنة باليومين السابقين عندما قتل عشرات بالعاصمة وبجنوب البلاد في اشتباكات مع قوات الأمن.
وأعلن عبد المهدي عزمه على الاستقالة بعد ساعات من دعوة المرجعية الدينية العليا لشيعة العراق الحكومة إلى التنحي لإنهاء الاضطرابات الدامية المستمرة على مدى أسابيع.
وذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، السبت، أن مجلس الوزراء وافق على استقالة عبد المهدي لكن لا يزال يتعين أن يسحب البرلمان دعمه له في جلسة تعقد غدا الأحد لتكون الاستقالة رسمية.
وورد في البيان “أكد رئيس مجلس الوزراء… أن الحكومة بذلت كل ما في وسعها للاستجابة لمطالب المتظاهرين وتقديم حزم الإصلاحات… داعياً مجلس النواب إلى إيجاد الحلول المناسبة في جلسته المقبلة”.
وقال رئيس الوزراء في اجتماع الحكومة الذي أذاعه التلفزيون إن حكومته، بمن فيها هو، ستظل في السلطة بعد تصويت البرلمان حتى اختيار حكومة جديدة.
أضاف “هذا أمر يجب أن نرى جانبه الإيجابي… نحن لم نعد حكومات دكتاتورية أو انقلابية، حكومات تستقيل وزراء يستقيلون ويأتي غيرهم، وهكذا أسلوب تداول السلطة في البلدان الديمقراطية”.
وكشف عن أن الرئيس برهم صالح سيرشح رئيساً جديداً للوزراء ليطرح على البرلمان للموافقة عليه.
ورحب المحتجون العراقيون بالاستقالة لكنهم يقولون إنها ليست كافية ويطالبون بإصلاح نظام سياسي يرون أنه فاسد ويبقيهم في حالة فقر ويحجب عنهم أي فرص.
الضحايا والفاعلون والعدالة
ويندد العراقيون بفشل السياسيين في إدارة البلاد وما ترتب على ذلك من سوء الخدمات وفساد وارتفاع معدلات البطالة في العراق الذي يعد بين أغنى دول العالم بالنفط، فيما يرزح خمس السكان تحت خط الفقر. وتعاني البنى التحتية من الترهل ولم يتم بتاتاً تطويرها في وقت يشير البعض إلى أن ضعفي إجمالي الناتج الداخلي انتهى خلال السنوات الـ16 الماضية في جيوب سياسيين ومستثمرين مشبوهين.
ومن المقرر أن يجتمع البرلمان الأحد في وقت لم يشهد العراق منذ اطاحة الرئيس صدام حسين في 2003، رحيل رئيس حكومة قبل انتهاء ولايته.
ويخشى كثيرون من العراقيين استمرار تصاعد العنف مع تشييع الأسر قتلاها ومع بطء تحرك الحكومة صوب تنفيذ إصلاحات.
ومن المتوقع أن يستمر الجدل السياسي لأسابيع قبل اختيار رئيس وزراء خلفاً لعبد المهدي وتشكيل حكومة جديدة.
ويعد الحراك الشعبي الحالي الأكبر الذي شهدته العراق منذ عقود والأكثر دموية، إذ قتل أكثر من 420 شخصاً وجُرح 15 ألف في بغداد والجنوب ذي الأغلبية الشيعية، وفقاً لإحصاء لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأثارت حالات القتل المتزايدة انتقادات دولية حيث قالت الأمم المتحدة إن الوفيات “لا يمكن السكوت عنها”.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها “تدين بشدة الاستخدام المفرط وغير المتناسب للقوة ضد المحتجين”.
وقالت المفوضية العليا لحقوق الإنسان شبه الرسمية في العراق، في بيان السبت، إنه يتعين تقديم المسؤولين عن قتل المحتجين للعدالة وإنها ستجمع أدلة لمحاسبتهم.
وحثت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على منع سقوط مزيد من القتلى. ودعت في بيان إلى الامتناع عن استخدام الأسلحة النارية والذخيرة الحية.
اندبندت العربي