عن “جوال” ديما صادق

عن “جوال” ديما صادق

لطالما أثارت شخصية الإعلامية ديما صادق جدلاً ونتجت من آرائها الجريئة ردود فعل قوية لدى معارضيها، ما تسبب لها بكثير من المشاكل. لكن ما حصل أخيراً يفوق ما شهدناه سابقاً من جدال. وصفها كثر بالشخصية الاستفزازية وتعرضت خلال سنوات لحروب عدة. وفيما شكلت خلال الثورة ظاهرة، تضاربت الآراء حولها وحول طريقة تعبيرها. وبلغ الهجوم الذي يشن عليها ذروته مع سرقة هاتفها أثناء مشاركتها في تظاهرة في محلة الرينغ، إضافة إلى اتهامها بالانشقاق عن الطائفة الشيعية وبالعمالة والخيانة والكفر. حملات تكفيرية وحروب نفسية وضغوط تتعرض لها ديما، تقابلها بمزيد من الجرأة رافضة التراجع مهما كانت النتائج.

وفي أحدث فصل من فصول استهداف “حزب الله” اللبناني للإعلامية، ديما صادق، قام إمام المسجد في مدينة النبطية، محمد برجاوي، المقرّب من الحزب، بالتحريض على قتلها، مبرراً سرقة هاتفها ومتهماً إياها بـ”الخيانة والعمالة والوقاحة”.
وحاول الرجل في كلامه الدفاع عن سرقة هاتف صادق بل وتبرير السرقة، معتبراً أن الادعاء بأن السرقة حرام لتحريم سرقة الهاتف هو “نوع من لي ذراع المؤمن”، حيث إنه وصف ديما صادق بالخائنة والعميلة والمتسببة بالقتل.

“أنا ديما صادق أريد أن أفجر وأعهر وأغدر وأخون وأتعامل مع العدو وأتسبب بالقتل وأفعل الأفاعيل، لكن أنت لأنك مؤمن يمنع عليك أن تسرقني أو تفضحني، مهما كنت شاذة ومنحرفة. هذه قمة الوقاحة… الشريعة تقول إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فساداً في الأرض أن تقطّع أيديهم وأرجلهم أو ينفوا من الأرض”. بهذه العبارات توجه الشيخ محمود البرجاوي، في خطبة الجمعة، إلى المصلين في بلدة النبطية الفوقا.

كلام صادم قيل في خطبة الجمعة يفترض أن تكون منبرًا لبث الإيمان والهداية لا الترويج لثقافة قطع أعضاء من يخالفون الرأي. لحظة مقيتة استعاد فيها أحد الشيوخ أدبيات “داعشية” موظفاً إياها في معرض خصومة في الموقف لا تستأهل بلوغ هذا المنحدر الأخلاقي من عمامة تلعب أدواراً كبيرة في التأثير الاجتماعي في منظومتنا الثقافية.

ويأتي هذا الخطاب بعد كشف هوية السارق وتسجيل ديما شريط فيديو تتوجه فيه إلى حاج تسأله عما إذا كانت السرقة وانتهاك الخصوصيات حلالاً. وقالت إن حزب الله برر مشاركته في الحرب السورية برفضه سبي النساء، فكيف يحلّل الحاج لنفسه انتهاك خصوصيات امرأة؟

برجاوي ليس الوحيد الذي يطالب بقتل ديما، أو تقطيع أوصالها من خلاف. ليس الوحيد الذي يتهمها بأنها عميلة للعدو. ليس الوحيد الذي يتهمها بالعهر والفجور. إنه واحد من آلاف الذين يستيقظون في كل صباح ومهمتهم الوحيدة أن يشتموا ديما صادق ويعيبوا عليها وجودها. لكن فيديو السيد برجاوي دفع المخيلة الجماعية إلى حفل دم مرعب تقطع فيه أوصال الساحرة الشريرة وتوقد فيها النار. ذكرنا بالانتاجات السينمائية لتنظيم داعش، وإن كانت المؤثرات المضافة إلى الفيديو من موسيقى تصويرية وصدى صوت بدائية حد التخلف مقارنة بانتاجات التنظيم المخيف. حفل مخيف لن يوافق عليه حتى الجالسون في مسجد النبطية الفوقا. اللبنانيون لا يعيشون في كهوف أسامة بن لادن، لكن لغة بعضهم عادت إلى هناك.

وصولاً إلى إقامة الحد عليها، تُشتم ديما صادق على مدار الساعة. ليس أنها تخطت خطوطاً حمراء. ليس أنها شتمت سياسياً. ليس أنها تبرأت من الطائفة الشيعية أو من قائدها الأعلى. ليس أنها قللت من احترام قائد الطائفة الأعلى. ليس أنها قالت يوماً ما يمكن تصنيفه بأنه عنصري أو طائفي. قالت رأيها كما هو، وبسبب رأيها، كامرأة أولاً، وكجنوبية مرتدة ثانياً، رُجِمت وتُرجم.

ماذا فعلت ديما صادق كي تستحق كل هذا؟ لم تفعل شيئاً غير رأيها الذي يشاركها فيه كثيرون ممن يشبهونها. لكنها أكثر من يزعجهم على ما يبدو. لذا يخوضون حربهم ضدها وحدها، متسلحين بالظن بأنها امرأة وأنها ضعيفة. لكنها ليست ضعيفة على ما يبدو. والدليل هو هذه الهستيريا بتلفونها الذي استولى عليه الحاج، أقوى حاج في الجمهورية اللبنانية كما سمته.

ولاقى كلام برجاوي تنديداً كبيراً من قبل الإعلاميين اللبنانيين على صفحات التواصل الاجتماعي. وقالت مجموعة “إعلاميون من أجل الحرية” إن كلام الشيخ البرجاوي هو كلام خطير يحمل تهديدات بالقتل لديما صادق “إن كلام الشيخ برجاوي هو إخبار وجرم مشهود، وهو تهديد للسلم الأهلي، وأي تلكؤ من السلطات المختصة في اتخاذ الإجراءات المناسبة، سيكون ضربة قاصمة للدولة والمؤسسات، وفي هذا الإطار نحمل الدولة مسؤولية حماية الإعلامية صادق، التي نعتبر أن حياتها باتت مهددة”.

وفي منشور على صفحته في “فايسبوك”، قال السيد جعفر فضل الله: “رجل الدين كأي مختصّ، قد يكون سطحيًا في مقاربته، وقد تعوزه الحكمة في مواقفه، وقد ينقصه الرشد في كلماته، وقد يكون فظًا في أسلوبه… أكثر من ذلك: قد ينحرف في سلوكه، وقد يكون منافقًا أو عميلًا…ولذلك تقييم رجل الدين بشخصه لا بإسلامه أو مسيحيته، وكلامه يمثله هو. نقطة أول السطر”.

وفِي السياق، غرّد النائب سامي الجميّل قائلاً: “بدلاً من قمع الأصوات الصادقة واعتقال الشباب السلمي الذي يحلم ببلد حضاري، احموا مجتمعنا ممن يهدد علنا بالقتل وقطع أعضاء الجسد بسبب حرية الرأي؟ تتكلمون عن قضاء مستقل؟ فرجونا!”.

 إن حادثة سرقة هاتف الإعلامية ديما صادق التي حصلت مباشرة أثناء النقل المباشر ووثقتها القنوات التلفزيونية التي كشفت هوية السارق كاملة وعنوان سكنه وعمله، ولم تجرِ أي جهة أمنية اتصالاً به لسؤاله عن مصير الهاتف، لافتة إلى أن صادق لمحت بفيديو لاحق لها إلى أن الهاتف بات في عهدة مسؤول الأمن والارتباط في حزب الله “الحاج” وفيق صفا، في دلالة واضحة على من يحمي المرتكبين ومن يمنع أي إجراءات قانونية بحقهم.

تعبّر ديما، عن حيرتها وتساؤلها عن أسباب الهجوم عليها، فهي ليست الوحيدة التي تعبّر عن آرائها بجرأة وتحد، بل إن كثيرين من إعلاميين وإعلاميات يفعلون مثلها، لكنهم لا يواجهون المصير نفسه ولا يواجهون التحديات التي تواجهها هي.

ورداً على كلام الشيخ البرجاوي، تؤكد ديما أنها عاجزة عن التعبير عن رأيها تجاه هذا الموقف والخطاب الذي يعبّر عن نفسه ولا يستدعي أي تعليق بل تكفي ردود الفعل عليه لتعكس حقيقته ومستواه. “لا عاقل لا يدين هكذا كلام، لا لأنه موجّه ضدي بل لما تضمنه. شخصياً، ليس لي إلا أن أنساه وهو لا يعنيني. وصل بهم الأمر إلى هنا بعد أن تعرضت للسرقة، وعندما سافرت مع أسرتي لفقت الاتهامات الكاذبة بحقي وقيل إنني طلبت لجوءاً سياسياً، واتهمت بالعمالة وبغيرها من الأخبار الملفقة”.

وعلى الرغم من التحديات والحروب التي شُنت وتُشن ضدها، وصولاً إلى هدر دمها، تصر ديما على التمسك بحرية الرأي رافضة وسائل القمع التي تستخدم ضدها. تقول “مهما كانت الظروف، وأياً كانت التحديات التي أواجهها، أنا على قناعة بما أفعل وأملك الحرية التامة بالتعبير عن آرائي. أدرك أنني موجودة في بلد تتزايد فيه معدلات القمع، لكن هذا لا يردعني”.

وحدة الدراسات العربية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية