ارتفاع معدلات الطلاق، وشرعنة زواج القاصرات ازمة تهدد العراق.

ارتفاع معدلات الطلاق، وشرعنة زواج القاصرات ازمة تهدد العراق.

 

    الزواج ميثاق غليظ، تقوم عليه أعمدة الأسرة، وينتج عنه أيضاً أطفال، وكل ذلك يحتاج إلى قدر من المسؤولية والوعي، والاستعداد النفسي والصحي للقيام بهذه الأدوار، ولكن كيان الاسرة في العراق يتعرض لخطر انتشار الطلاق الذي يدمر المجتمع.
اظهرت احصائية لمجلس القضاء الأعلى العراقي، ارتفاع حالات الطلاق إلى أكثر من 4 آلاف حالة من اصل 10 الاف حالة زواج ،خلال شهر تشرين الاول2017، وتصاعدت حالات الطلاق بشكل كبير خلال السنوات العشر الأخيرة، ما دفع قضاة وخبراء في علم الاجتماع إلى التحذير من خطورة تلك الظاهرة على تماسك المجتمع، وأرجعوا أسبابها إلى تأثيرات اجتماعية واقتصادية وظهور تنظيم “داعش”.
واكد باحثون، ان هذه الارقام تعني 145 حالة طلاق يوميا وست حالات كل ساعة مما يعني حالة طلاق كل 10 دقائق.
ولوحظ في السنوات الاخيرة زيادة كبيرة جدا في نسبة حالات الطلاق في المجتمع العراقي فاقت التوقعات وشكلت بمجملها ظاهرة خطرة تنذر بكارثة اجتماعية على المستوى القريب والمستقبلي على حدٍ سواء وفق مراقبين للشأن الاجتماعي في العراق لما تتبعه من تداعيات في تفكك الأسر و رسم مستقبل مجهول لضحاياه.
الفقر يتصدر الأسباب المؤدية لارتفاع نسب الطلاق
تفاقمت نسبة الفقر في البلاد، حيث تجاوزت حاجز الـ30٪، خلال 2016، بعد أن كانت في العامين السابقين 23٪، وقد ارتفعت نسبة الفقر بعد أحداث احتلال تنظيم الدولة “داعش” لمناطق واسعة في العراق صيف عام 2014، بسبب نزوح 2.5 مليون شخص من محافظات شمالي وغربي البلاد، فيما تجاوز الفقر 30٪ عام 2016، بعدما كانت 19٪ نهاية 2013، وفقاً لبيان “وزارة التخطيط والتعاون الانمائي” العراقية.
وبينت دراسات انه كلما ارتفعت نسبة الفقر في المجتمعات تزايدت معها حالات الطلاق ، فثمة علاقة طردية بينهما، فعندما لا يستطيع المواطن الفقير توفير متطلبات أسرته الأساسية والإنفاق عليها، يكون الطلاق حلا يلجأ إليه الكثير للتخفيف من حدة الفقر، كما هي الحال في العراق الذي تزايدت فيه نسب الطلاق بسبب الفقر بشكل مخيف، في الفترة التي أعقبت احتلال البلاد.
و يتأثر المجتمع سلبا بحالات الطلاق فيؤدي الى زعزعة الأمن و زيادة الانحراف؛ مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الجرائم، وانتشار الأمراض النفسية، والتشرد ، والانحراف، وتدني التحصيل العلمي، وبالتالي تنخفض الطبقة العاملة الكفؤة مما ينعكس على المستوى الاقتصادي للأفراد و للمجتمع وبالتالي تتفكك المجتمعات وتنهار.
واظهرت احصائية لمجلس القضاء الأعلى العراقي ، قرابة 700 ألف حالة طلاق في العشر سنوات بالعراق .
قضايا الطلاق في المجتمع العراقي أصبحت أكثر ما يلفت الانتباه ، وباتت تثير المشاكل بين الأسر، وخاصةً في المحافظات الوسطى والجنوبية، وتعددت الأسباب والخسارة واحدة ، حيث ارتفعت النسبة حتى وصلت إلى حالة مرعبة، تهدد النسيج الاجتماعي ، وتنذر بتفكك الروابط الاجتماعية.
ويتفق أهل الاختصاص على أن السبب الاقتصادي يتصدر الأسباب الأولى لارتفاع نسب الطلاق، ثم العوامل الاجتماعية والسياسية والثقافية، والاهم ضعف التوعية الدينية والمجتمعية فضلاً عن غياب كبير لدور الصحافة والإعلام، والجهات المعنية بتثقيف المجتمع بمخاطر هذه الظاهرة.
وهناك أسباب رئيسة تقف في مقدمة الأسباب التي أدت إلى ازدياد حالات الطلاق في المجتمع، ومنها التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي فضلاً عن المسلسلات المدبلجة وغيرها من الدراما التي تدعو إلى حرية مفرطة للمرأة ومزاجية للرجل في التعامل مع الأسرة والزوجة، ومنها الخيانة وعدم الخجل من أية علاقة غير شرعية، بالإضافة الى الازمات التي تعصف بالبلاد، مما خلفت أعدادًا كبيرة من المطلقات والمطلقين، وهؤلاء لهم تأثير سلبي على المجتمع، وهذا مؤشر يدل على تفكك الأواصر بين أركان المجتمع ، حيث يترتب ذلك على قلة الوعي الاجتماعي والديني ، بالإضافة إلى أن المجتمع العراقي واجه صعوبات وهزات عنيفة ، أثرت سلبًا على المواطن البسيط، وراحت تزداد شهرًا بعد شهر، وعامًا بعد آخر، ولاسيما في السنوات الأخيرة .
ان المخاطر المترتبة على ازدياد حالات الطلاق تدعو لمعالجة مجتمعية ودينية وتوعوية في الصحافة والإعلام من مخاطره على الأسرة العراقية. وفي الشكل  يوضح  اخر الاحصاءات لعدد الزواج والطلاق في محافظات العراق..

 

زواج القاصرات في العراق ..
ان الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها العراق جعلت ظاهرة زواج القاصرات تنتشر في المدن الكبيرة بعدما كانت مقتصرة على الريف”، الذي يعني فعليا السماح بزواج القاصرات في سن اقل من 10 سنوات.
وسجل العراق واحدة من أكبر موجات النزوح في المنطقة العربية، خاصة في محافظات الأنبار وديالى ونينوى وصلاح الدين وحزام بغداد ومناطق جنوب وغرب كركوك، حيث تعرضت تلك المناطق لسيطرة تنظيم (داعش) الارهابي، مما اضطر نحو أربعة ملايين مدني إلى ترك منازلهم والنزوح صوب إقليم كردستان ومحافظات أخرى، وتعيش غالبيتهم تحت ظروف إنسانية صعبة وسط قلة الموارد ما اضطر الكثير منهم إلى امتهان أعمال مختلفة،
وحسب قانون الأحوال الشخصية في العراق، رقم 188 لعام ، 1959 ينحصر سن بلوغ الفتاة بين 17 – 18 سنة، ويتم الزواج بموافقة ولي الأمر المسؤول عن الفتاة وموافقة المرأة، حيث تمهل المحكمة الأطراف سبعة أيام يتم بعدها الزواج، وتكون المحكمة بمثابة ولي الفتاة في سن البلوغ إذا كانت راغبة بالزواج دون حضور ولي أمرها.
إلا أن القانون بات في حكم المعطل كعشرات القوانين الأخرى عقب الغزو الأميركي للبلاد واتساع رقعة الفوضى والعنف.
قال رئيس منظمة العراق لحقوق الإنسان، عمر عبد اللطيف إن “المنظمة سجلت رسمياً زواج نحو 500 قاصر في بغداد وعدد من المحافظات، وبدأت حملة للتثقيف للحد من ظاهرة زواج القاصرات التي زادت بعد موجات النزوح خلال العام الحالي”.
وأضاف ان “المحاكم الحكومية والشرعية لا تقيد حالات الزواج، بل يقوم بها رجال دين يقومون بعقد القران بورقة يوقع عليها شهود دون المرور بالمحاكم الشرعية”.
ويتصاعد الجدل في الشارع العراقي بشأن مساعي البرلمان لإجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية يتيح زواج القاصرات وهو ما يلقى رفضاً واسع النطاق من قبل الجماعات والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان.
وهذه هي المحاولة الثالث لتمرير قانون يجيز زواج القاصرات منذ عام 2003، بعد فشل المحاولتين السابقتين.
ويحذر قاضي محكمة الأحوال الشخصية في بغداد أحمد الساعدي من تمرير التعديلات في البرلمان، كون “التعديلات المطروحة التي تحمل خطورة كبيرة كونها لم تراع أن البلد متعدد القوميات والطوائف والأديان”.
وأشار الساعدي الى ان على العراق التزامات دولية فيما يتعلق بملف حقوق الانسان مشيرا الى ان العراق وقع سابقاً على اتفاقيات دولية أصبحت ضمن قانونه الوطني وتجب مراعاة تلك القوانين”.
واكد الساعدي أن من أخطر التعديلات في القوانين زواج القاصرات”.
ومن بين التعديلات الأخرى التي يسعى البرلمان العراقي لإدخالها على قانون الأحوال الشخصية، هي السماح للزوج بتعدد الزوجات دون إذن الزوجة، وله الحق في الحصول على حضانة الطفل بعمر السنتين، ويجبر الزوجة على السكن مع أهل زوجها.
واعتبرت الناشطة الحقوقية، والعضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان (مستقلة مرتبطة بالبرلمان)، بشرى العبيدي أن التعديلات المقترحة “تتجاوز على السلطة القضائية بحكم أنها تجيز تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية بالرجوع إلى مذهب الشخص في بعض الأحكام مما يعني ان البت في بعض القضايا يكون عن طريق السلطة التنفيذية ممثلة بالوقفين السني والشيعي وبالتالي إلغاء دور القضاء”.
وأضافت العبيدي ان “المعترضين سيطعنون بالتعديلات أمام المحكمة الاتحادية العليا (أعلى محكمة في البلاد) في حال تمرير البرلمان لها لمخالفتها للدستور”.
وشنت العبيدي انتقادات لاذعة على المدافعين عن تمرير القانون مخاطبة إياهم قائلة: “أنتم و داعش سواء، وإذا ما أقر المقترح فإنه يوفر غطاءً قانونياً لبعض أفعال عناصر داعش وبإمكان أي محامي تبرئتهم”.
ولم تستبعد العبيدي اللجوء إلى مراجع الدين ودار الافتاء العراقية، كأحد الخيارات، لإيقاف تمرير مقترحات تعديل القانون.
وأثار تصويت البرلمان العراقي من حيث المبدأ على تعديل قانون الأحوال الشخصية في البلاد ردود فعل غاضبة في الشارع العراقي، واعتبره كثيرون نكبة في مجال حقوق المرأة، تعزز حالة الانقسام الطائفي والمذهبي، كما تصادر كرامة النساء وتستعبدهن تحت مسمى “زواج القاصرات”.
واوضحت عضو لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية، النائبة ريزان شيخ دلير، أن تعديل قانون الأحوال الشخصية يشجع على زواج القاصرات، وهو “نكسة للمرأة العراقية”،حسب قولها، مشيرة الى أن “تطبيق هذا القانون يذكرنا بتصرفات تنظيم داعش مع الفتيات عندما أجبر صغيرات السن على الزواج من عناصره في أثناء وجوده في الموصل وسورية”.
ورأت ان ما جرى من إقرار القانون والمضي في تطبيقه لاحقاً يعد”إذلالاً وتعنيفاً للنساء في وقت يسمح فيه القانون بزواج الفتيات القاصرات”.
وقالت الناشطة في مجال شؤون المرأة زينب الوائلي، انّ هذا القانون يسمح بتزويج الفتيات القاصرات اذا بلغت 9 سنوات، وهذه كارثة كبرى بحق المرأة التي ستتحول إلى سلعة تباع وتشترى، ولا بد من تدخل أممي لمنعها.
و جوبه مشروع القانون باعتراضات واسعة انتهت بتدخل الأمم المتحدة وتقديم توصية للحكومة العراقية بسحب مقترح القانون، كما تدخلت بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” في الجدل المتصاعد بشأن التعديلات الجديدة.
ودعت “يونامي” الحكومة العراقية، في بيان، إلى مراعاة حقوق المرأة ضمن التعديلات المقترحة على القانون. (الأناضول)
أما عضوة البرلمان ماجدة التميمي فتتساءل “ماذا تفهم هذه الطفلة لتتسلم مسؤولية عائلة؟ داعية الى أن تدريسها وتعليمها، مؤكدة أنها سترفض القانون وتصوت ضده، بالاضافة الى غالبية أعضاء مجلس النواب.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي سيلا من الانتقادات الحادة بدأ أغلبها برسوم كاريكاتورية تتأرجح بين السخط والسخرية من عمر التسع سنوات لتزويج الفتاة.

يذكر ان العراق سيحلُّ في طليعة الدول في قائمة الزواج المبكِّر بحسب إحصائيات الأمم المتحدة التي تتوقَّع أن تبلغ حالات زواج القاصرات نحو 50 مليون حالة في العالم بحلول عام 2020، وأن هذا العدد سيصبح 100 مليون بحلول عام 2030، في حال استمرت الأمور على ما هي عليه.

 

شذى خليل

الوحدة الاقتصادية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية