بغداد – يعكس توسّع دائرة الفقر في العراق حالة مزمنة في الفشل الحكومي المتواصل منذ أكثر من عقدين في معالجة الملف الاجتماعي وتحسين ظروف عيش السكان والحدّ من البطالة والارتقاء بمستوى الخدمات العمومية، وذلك على الرغم من الإمكانيات المالية الكبيرة المتوفّرة للحكومات المتعاقبة خلال مرحلة ما بعد الغزو الأميركي للبلد والمتأتية من العوائد المجزية للنفط.
وينزع وجود أكثر من عشرة ملايين عراقي تحت خطّ الفقر، بحسب المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، عن الحكومة الحالية برئاسة محمّد شياع السوداني إمكانية التمايز عن سابقاتها في معالجة الملف الاجتماعي، وذلك على الرغم من إظهارها قدرا كبيرا من الجدية في العمل على تحريك عجلة التنمية شبه المتوقفة في البلد وتحسين الخدمات والحدّ من البطالة، وهي مسائل سبق أن مثّلت قادحا لشرارة الغضب الشعبي في وجه حكومات سابقة وخصوصا حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبدالمهدي الذي أجبر على التنحّي تحت ضغط انتفاضة شعبية عارمة.
وتتمتّع الحكومة الحالية بإمكانيات مادية جيّدة بسبب شبه استقرار أسعار النفط في مستويات مرتفعة نسبيا، كما تعتبر حكومة مستقّرة وذات أساس سياسي متين بفعل اتساع دائرة التأييد الذي تحظى به وشمولها أبرز القوى المتحكمة في المشهد العام بالبلاد وفي مقدّمها الأحزاب والفصائل الشيعية المنضوية ضمن الإطار التنسيقي المشكّل للحكومة.
لكن حيث توجد نقاط قوّة الحكومة توجد إلى جوارها نقاط ضعفها. فوفرة عوائد النفط في العراق تزيد مطامع الشخصيات والقوى النافذة في موارد الدولة وتحويلها لمصلحتها الشخصية والحزبية وتذكي الصراعات على الثروة الوطنية. كما أنّ استقرار قوى بعينها في السلطة جعل لها جذورا ممتدة عميقا في الدولة بجميع مؤسساتها وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ما يوفّر لها الحصانة ضد المحاسبة ويطلق يدها في نهب أموال الدولة وثرواتها التي يفترض أن تذهب لإرساء التنمية وتحسين الخدمات والارتقاء بظروف عيش السكّان.
وكان الفساد المستشري في مفاصل الدولة العراقية منذ عقدين سببا رئيسيا في تردي الظروف الاجتماعية لسكان العراق البالغ عددهم حوالي ثلاثة وأربعين مليون نسمة يعيشون في بلد تتجاوز مساحته 435 ألف كيلومتر مربع منها جزء كبير صالح للزراعة ويحتوي أديمه على مخزون ضخم من النفط الذي ينتج البلد منه يوميا حوالي 4.6 مليون برميل يصدر منها أكثر من 3.4 مليون، فضلا عن امتلاكه مقدرات سياحية كبيرة بفعل ثراء مخزونه الحضاري وكثرة آثاره وتنوعها، فضلا عن تنوع تضاريسه.
ولا تستطيع حكومة السوداني رغم ما تعلنه من حملات متعاقبة على الفساد إحداث خرق نوعي في مكافحة الظاهرة نظرا لكونها مرتهنة للقوى التي وقفت أصلا وراء انتشارها في البلاد، ولذلك تظلّ مضطرّة إلى التعايش معها، رغم ما لها من تأثيرات على عملها وما تشكّله من عائق أمام تنفيذ مخطتها لدفع التنمية وتحسين الخدمات والحدّ من الفقر والبطالة.
وقال حازم الرديني نائب رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق في بيان إنه “على الرغم مما تقوم به الحكومة من جهود كبيرة في الإعمار بقطاعي الطرق والسكن وغيرهما، إلاّ أن هناك ملفات كبيرة تظلّ تمس حياة المواطن العراقي اليومية ومنها مسألة الفقر وقلة فرص العمل بالقطاع الخاص”.
وبيّن أنه “يوجد بحسب بيانات وزارة التخطيط نحو خمسة وعشرين في المئة من سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر وهو ما يشكل أكثر من عشرة ملايين من سكان العراق الذين وصل عددهم إلى ثلاثة وأربعين مليون نسمة”. وأضاف “رغم أن وزارة العمل تقوم عبر دائرة الرعاية الاجتماعية بتوزيع رواتب شهرية لمليوني أسرة إلا أن هناك أكثر من مليون أسرة تستحق راتب الرعاية، غير أن موازنة العام 2024 جاءت خالية من أي تخصيصات جديدة لشبكة الحماية الاجتماية”.
وتابع الرديني “هناك أكثر من مليون و650 ألف عاطل عن العمل مسجل، وبالتالي نطالب الحكومة بالعمل جديا على تقليل نسب الفقر والبطالة بوضع خطة إستراتيجية لخمس سنوات مقبلة تركز فيها على دعم الصناعة الوطنية والزراعة وتقليل استيراد المحاصيل الزراعية والمواد الصناعية”.
وشدد على ضرورة “مراقبة العمالة الأجنبية التي غزت السوق العراقية وقللت فرص العمل للعراقيين والتي قاربت المليون عامل بينما عدد المسجلين رسميا ولديهم إجازات عمل بحدود 40 ألفا فقط بحسب بيانات وزارة العمل، وكذلك إعادة العمل بإعداديات الزراعة والصناعة والتجارة بعد المرحلة المتوسطة والتي اندثرت بعد العام 2003”.
ولا يمثّل الفقر والبطالة في العراق فقط مشكلة ذات طابع اجتماعي بل لهما تبعات أمنية مؤثرّة على الاستقرار الهش في البلاد. ويقول متابعون للشأن العراقي إنّ أحزمة الفقر التي تشكّلت حول المدن الكبرى وعلى رأسها العاصمة بغداد أصبحت بؤرا لشتى مظاهر الانحراف والجريمة، بل تحوّلت إلى حواضن للتطرّف بمختلف مظاهره تجد فيها جماعاته المختلفة بيئة مناسبة لاصطياد أتباع لها بين صفوف الفئات الأكثر هشاشة مادية والأقل ثقافة وتعليما.
العرب