اليمن في قبضة خامنئي

اليمن في قبضة خامنئي

111111

المتتبع لاحداث اليمن مؤخراَ، يتذكر حديثا اجراه غسان شربل رئيس تحرير صحيفة الحياة اللبنانية مع الرئيس اليمني عبد ربه هادي في أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي الاخير في آذار/مارس 2014 بدولة الكويت حيث اشار الرئيس في معرض اجابته عن الاوضاع داخل اليمن الى أن “التدخل الايراني قائم سواء بدعم الحراك الانفصالي في الجنوب او بعض الجماعات الدينية في شمال اليمن” مؤكدا أنه “طلب من ايران رفع اليد عن بلاده وبناء علاقات جيدة ووقف الدعم لتيارات المسلحة “.

كيف سقطت الدولة اليمنية فجاة في يد الحوثيين بهذا الشكل؟

تمكن الحوثيون من استغلال ضعف الرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة وأجهزتها العسكرية والأمنية بسبب المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد، وتمكنوا خلال السنوات الثلاث الماضية من بسط نفوذهم على مناطق جديدة في شمال البلاد أبرزها عمران الجوف وحجة، حتى وصلوا في منتصف آب/ أغسطس الماضي إلى ضواحي العاصمة صنعاء وعمقها.

وبدأ الحوثيون حركتهم الاحتجاجية بإقامة مخيمات اعتصام وصل عدها إلى 10 مخيمات تضم آلاف المسلحين في محيط العاصمة صنعاء مدججين بمختلف أنواع الأسلحة، منذ 17 أغسطس الماضي، تحت لافتة مطالب شعبية لإقالة الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة كفاءات، وإلغاء قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني.

لقد اسقط الحوثيون الدولة اليمنية واستولوا على كل مؤسساتها في صنعاء من دون أي مقاومة تذكر، حيث انسحبت امامهم القوات المسلحة والاجهزة الامنية وتركتهم يفعلون ما يشاؤون دون أي تدخل على الاطلاق. صحيح ان الدولة اليمنية ومؤسساتها ضعيفة وتعاني مشاكل كثيرة، لكن لا يمكن ان يصل الأمر الى حد هذا الانهيار الكامل والشامل امام هذه المجموعة المتمردة.

هذا الذي حدث يشير الى اننا ازاء سيناريو اعد مسبقا وتم الاتفاق عليه.

وفي محاولة لفهم ما حدث نطالع هنا اراء للمحللين السياسيين والعسكريين حول ما حصل، فبعضهم عد ما جرى في اليمن في المقام الأول قرار ايراني باسقاط الدولة اليمنية والوصول بها الى ما وصلت اليه في الايام القليلة الماضية. وهناك من رأى ان ايران ارادت الانتقام من السعودية بالذات بعد التطورات الأخيرة المتعلقة بالمشاركة السعودية الفاعلة في “تحالف” الحرب على الارهاب والتقارب السعودي الأمريكي في هذا الاطار، وارادت ان تثبت انها هي اللاعب الأول في المنطقة. بينما رأى اخرون انها تندرج في اطار التفاهمات الايرانية الأمريكية الجديدة، او بمعنى اصح التواطؤ الأمريكي الايراني الجديد، في اطار المشروع الأكبر لاعادة رسم خريطة المنطقة والسعي لتقسيم الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية.

وبعبارة اخرى فان ايران تمكنت من تحقيق عدد من الاهداف:

  • تشجيع الحوثيين بزعامة عبد الملك الحوثي، على الإعلان عن قيام كيان لهم في شمال اليمن والانطلاق منه لتشكيل دول تمثلهم.
  • تقديم الدعم المادي والعسكري للحوثيين، ما يمكنهم من السيطرة على الارض ومواجهة القوات المسلحة اليمنية.
  • سعي النظام الايراني لأحكام السيطرة على الممرات المائية في البحر الاحمر وتحديدا مضيق باب المندب، لقيام الحوثيين بانشاء ميناء لهم على البحر الاحمر، وهو احد مطالبهم الرئيسة .
  • تعزيز الروابط بين “حزب الله” اللبناني والحوثيين، وتمكين “حزب الله” من التسلل داخل اليمن، وتدريب مقاتلي الحوثي، وتقديم المشورة لهم بحسب ما افادت به تسريبات اعلامية يمنية خلال الاسابيع الماضية من العام الحالي.

هذا الدعم والاسناد ادى الى اضعاف حركة الدولة وشلها بالتزامن مع الحراك الشعبي في جنوب اليمن، والتقاء المصالح بين الحوثيين وزعماء الجنوب ورغبتهما في الانفصال، مما شجع الحوثيين خلال اليومين الماضيين على التقدم باتجاه العاصمة صنعاء والسيطرة على جميع مرافق الدولة الحكومية والامنية ومؤسساتها وبذلك احكم الحوثين سيطرتهم على نصف اليمن.

مما حدا بممثل الامم المتحدة جمال بن عمر اجراء مشاورات مع الرئيس اليمني للإسراع بإنقاذ اليمن، وتوقيع اتفاق بين الحكومة والحوثيين، فضلا عن القيام بإصلاحات كبيرة وتحقيق التوازن بين الشمال والجنوب والحوثيين.

وبهذا الصدد اكد الدكتور عبد الله النفيسي، أن جماعة الحوثي المسلحة تشكل تهديداً للأمن الإقليمي لدول الجزيرة والخليج العربي، وقال النفيسي: يجب ألا تنسينا “حرب أوباما” ما يهدد حدودنا الجنوبية مع اليمن وأن الحوثي يشكل تهديداً لأمننا الإقليمي وأن إيران أُمه الرؤوم . وحذر النفيسي من تحول اليمن إلى مضخة إيرانية لتهديد دول مجلس التعاون الخليجي، مؤكداً أن الخطوة التالية لجماعة الحوثي المسلحة بعد اليمن ستكون المملكة العربية السعودية.

الانقلاب الناعم

يصف العديد من المحللين  ما جرى باليمن بالانقلاب الناعم، الذي قاده من داخل الجيش اليمني الرئيس المخلوع على عبدالله صالح ورجاله فى المؤسسة العسكرية. كما أن العديد من القادة الأمنيين والعسكريين بمن فيهم رئيس الوزراء ووزير الداخلية والموقع الرسمي للجيش اليمني كانوا يدعون قواتهم منذ وقت مبكر للزحف و التعاون مع الحوثيين في شوارع صنعاء، ولذلك كان الرئيس عبد رب النبي منصور يؤكد أن ما حدث مؤامرة أبعد من حدود اليمن.

ولا شك ان اليمن بلد معقد اجتماعيا ويصعب على مجموعة مثل مليشيات الحوثي أن تديره، فهو مجتمع صعب السيطرة عليه من قبل سلطة مركزية خاصة إذا كانت طائفية مثل الحوثي دون إجماع قبلي أو شبه إجماع. ولهذا فان أخطر ما يمكن أن تخلفه أحداث اليمن أمران..الأول هو اتساع الحاضنة الاجتماعية لتنظيم القاعدة في البلاد، ما يمكنها من التمدد والسيطرة على مساحات واسعة من اليمن وحتى العاصمة على طريقة داعش في العراق وسوريا، لأن الإحساس بالخيانة والإحباط وعدم القدرة على رد الحوثيين قد تدفع قطاعات متزايدة من الشعب اليمني للبحث عن قوة عنيفة ومتطرفة مقابلة تواجه تطرف الحوثيين وعنفهم، وهذا ما يجعل البلاد على حافة فوضى شاملة أسوأ من التي يشهدها العراق وسوريا.

والأمر الاخر أن حالة الاحتقان والغضب الشديدة التي تنتشر في دول الخليج العربي على نطاق واسع حاليا، وتظهر بوضوح من خلال رصد ومتابعة ردود الأفعال الشعبية عبر شبكات التواصل الاجتماعي والانترنت تعطي إحساسا بالقلق الشديد بأن المنطقة قد تكون مقبلة على انفجارات اجتماعية وسياسية بالغة العنف، قد تغير الكثير من أوضاعها بالكامل.

ايران واعادة تشكيل التوازنات في المنطقة

يسيطر مضيق باب المندب على طريق الملاحة الدولية التي تربط بين البحار والمحيطات الشرقية اي الطريق بين الشرق والغرب، كونه ذاك الاتصال المائي للقوافل البحرية التجارية القادمة من المحيطات القريبة. من جهة أخرى، تبرز أهمية هذا الامتداد البحري الواقع جنوب غربي آسيا ليشكل أحد أذرع المحيط الهندي والذي يتخطى في دوره الحدود الذاتية، التي سعت دول الخليج العربي في فترة من الفترات الى السيطرة عليها من أجل تحصين السياسة التجارية العالمية الساكنة على أبواب البحر الأحمر والدول المتشاطئة، وبسبب موقع مضيق باب المندب جغرافياً وأهميته اقتصاديا واعتماده على الاتصال الطبيعي للبحر الأحمر والبحر المتوسط والمحيط الهندي وشرقي أفريقيا.

وعليه فإنّ سيطرة الحوثيين على باب المندب، اوجد طوقاً بديلاً يحاصر دول الخليج اقتصادياً وعسكرياً، حيث يقدّرعدد السفن وناقلات النفط التي تمر عبره بالاتجاهين، بأكثر من 21000 قطعة بحرية سنوياً، إضافةً الى السفن المحملة بـ3.3 مليون برميل من النفط.

وتأكيداً لما تقدم فان اليمن تحوّل منذ فترة الى ساحة من ساحات الحرب الطائفية بين الشيعة والسنة والى جبهة من جبهات الحرب الباردة بين طهران والرياض. غداة الاتفاق الذي تم برعاية موفد الأمم المتحدة لانهاء الازمة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين الشيعة المدعومة من طهران: العاصمة صنعاء تشهد أجواء انقلابية :نتيجة انتفاضة الحوثيين الشيعة التي انطلقت من الشمال اليمني ليس بعيدا عن الحدود مع العربية السعودية وتحديدا من معقل جماعة الحوثي: محافظة صعدة، التي سرعان ما تحوّلت الى شبه انقلاب عسكري شيعي مدعوم بشكل او باخر من طهران في اطار الحرب الطائفية الشيعية السنية، وأيضا في سياق الحرب الباردة بين طهران والرياض: النتيجة اليوم صنعاء في قبضة الاجندة الإيرانية. العاصمة اليمنية تحت السيطرة الكاملة سياسيا وعسكريا للحوثيين ولا وجود للجيش النظامي فيها، حسب بعض التحليلات جاءت سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وسط نوع من التحالف التكتيكي بينهم والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الذي يتطلع الى العودة الى الساحة اليمنية بشكل او باخر.

الهدف الإيراني : ليس اليمن بل السعودية

الدكتور علي نوري زاده مدير مركز الدراسات الإيرانية العربية في لندن في حديث خاص لمحرر الشؤون الشرق أوسطية يوسي نيشر يعتقد بان الهدف الإيراني ليس اليمن بل العربية السعودية ، ويرى ان طهران لديها استراتيجية واضحة ومحددة هدفها الوصول عبر الحوثيين الشيعة في اليمن الى الحدود السعودية، والتوغل في المملكة عاجلاً ام اجلاً. ومن هنا وبحسب زاده فانه ليس من المستبعد ان نرى الحرس الثوري الإيراني يدريب أبناء السعودية من الطائفة الشيعية لاثارة الاضطرابات والانقلاب في السعودية. فاليمن جسر العبور الى السعودية ولكن لا اعتقد ان العالم سيبقى مكتوف الايدي وينتظر وصول رجال فيلق القدس الإيراني الى الحدود اليمنية السعودية.

لقاء السعودية وايران

لقاء وزيري خارجية إيران والسعودية في نيويورك لمدة ساعة، هو الأول من نوعه منذ وصول الرئيس حسن روحاني إلى السلطة في آب 2013 وإعرابه عن استعداده زيارة المملكة السعودية والبدء بخطوات تقارب معها، فهل اجتماع ظريف ـ الفيصل مجرد صدفة؟ أو أنّ للأمر أبعاداً أخرى؟ هل بالإمكان الفصل بين توقيت سيطرة الحوثيين على صنعاء والحراك القائم في المنطقة والعالم في شأن الحرب الكونية الجديدة للرئيس أوباما على تنظيم “داعش”؟

تحمل تصريحات الجانبين الإيراني والسعودي في طيّاتها بوادر تحوّل في مقاربة الملفّات الخلافية المتعدّدة بين البلدين، أو البدء بمحاولة مراجعة سياسات الاشتباك في أكثر من ساحة في المنطقة. فوزير الخارجية الإيراني قال حرفيّاً: “باعتقادي ووزير الخارجية السعودي أنّ هذا اللقاء سيشكّل فصلاً جديداً في العلاقات بين البلدين”. فيما ردّ سعود الفيصل بالقول: “إيران والسعودية بلدان نافذان في المنطقة والتعاون بينهما سيؤدّي إلى تأثيرات لا يمكن إنكارها في إرساء الأمن والسلام إقليمياً وعالمياً… آمل أن نجتمع المرّة المقبلة في السعودية”.

هذه التصريحات تفتح الباب أمام سيناريوات متعدّدة يأتي في مقدّمها اندفاع الرياض تحت ضغط الوضع الجديد في اليمن إلى إبرام تهدئة من نوعٍ ما في ساحات اشتباك أخرى مع طهران. بدءاً من العراق مروراً بلبنان وليس انتهاءً بسوريا.

وفي العراق، تتحرّك المرجعية الدينية الشيعية لتحديد هامش مناورة الإدارة الأميركية في حربها ضد تنظيم “داعش”، ووضع نقاط محدّدة لتقاطع المصالح الأميركية العراقية الإيرانية.

واليوم حلفاء طهران على مضيق باب المندب شركاء أساسيون في حكم اليمن من صنعاء لا من صعدة. تطورٌ تدرك الرياض أبعاده في حديقتها الخلفية إن صحَّ التعبير، فاليمن صار بين تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة المعادي بالمطلق للسعودية، وبين الحوثيين الذين واجهوا الجيش السعودي قبل سنين. فهل يضمن الحكم الجديد في اليمن الهدوء مع الرياض مقابل بعض الهدوء في دمشق؟ أو بالحد الأدنى التنسيق المباشر مع حلفها فيما يخصّ ملفّ الضربات الجويّة الأمريكية داخل الأراضي السوريّة؟

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية