وزارة الصحة العراقية عفوا ” الا صحة ” تعجل موت المواطنين

وزارة الصحة العراقية عفوا ” الا صحة ” تعجل موت المواطنين

شذى خليل *
في ظل التطور العلمي والطبي الهائل الذي يعيشه العالم، يشهد العراق تراجعا واضحا في القطاع الصحي ، الذي يعد من القطــاعات المهمة التي لها مساس بحياة المواطن البسيط ، وبالأخص ان البلد يمر بظروفٍ عصـــيـــبةٍ وموجـــاتِ عنفٍ منذ 2003 .
وتعاني اغلب مستشفيات البلاد الفساد المالي والاداري مما انعكس على تردي الاوضاع على جميع المستويات من ناحية النظافة والخدمة المقدمة للمريض ، وساعد على انتشار العديد من الاوبئة والامراض التي اختفت من العراق والعالم منذ عقود ، لكنها عاودت الظهور في بلادنا مثل: الملاريا ، الطاعون ، الكوليرا .
ويعاني العراق ايضا ضعف البنية التحتية للمراكز الصحية والمستشفيات الحكومية، وغياب الرقابة والنظافة التي ادت الى المزيد من الامراض وسوء الخدمات الصحية التي يشتكي منها المواطن العراقي البسيط كل يوم.
كما تعاني اغلب مستشفيات العراق ضعف الرعاية والاهتمام بالمرضى حتى الاطفال منهم ونقص الادوية الحاد، بالإضافة الى فرض رسوم على المراجع مقابل الخدمة الرديئة شبه المعدومة.

وكشفت تقارير الرقابة المالية ، عن عام 2017 ، استمرار التلوث في المستشفيات ، بالأخص في صالات العمليات في اغلب المستشفيات مثل: ابن بلدي ، والواسطي ، والامام علي، وابن النفيس ، والزعفرانية ، والشيخ زايد.
واشارت التقارير الى ان مركز ابن البيطار التخصصي ،يعاني ضعف اجراءات الوقاية من الاشعاع ، في قسم الاشعة ، ونقص صالات عمليات القسطرة.
وقالت التقارير ان مستشفى الكوت في محافظة واسط ، يفتقر الى اللجان المتخصصة لتقرير الاحتياج من مادة الاوكسجين ، ومشيرة الى شراء المستشفى المادة الطبية من معمل اهلي بـسعر 10 ملايين دولار، من دون تقديم اي عروض وهذا مخالف للتعليمات.
اما التقارير الخاصة بمستشفيات البصرة ، فاشارت الى طفح المجاري على صالة الولادة أكثر من مرة ، مما ادى الى تلوثها وزاد خطورة انتشار الامراض.
وبينت تقارير الرقابة المالية ان مستشفى النعمان التعليمي عانى عام 2017 قلة الملاك التمريضي ونقص اعداد اطباء الاختصاص، وعدم تفعيل نظام الاحالة، وعدم تخصيص كرسي اسنان في استشارية الاسنان.
واوضحت ان مستشفيات واسط تعاني نقص الأدوية وغياب الرقابة مما يرهق المرضى ماديا وجسديا ونفسيا .
كما بينت ان مستشفيات الحكومية والخاصة والمراكز الصحية ، لا توجد فيها وحدة معالجة كاملة ومركزية للتخلص من المخلفات ، الذي يشكل خطرا على البيئة بما يحويه، من ملوثات بيولوجية ( بكتيريا ، فايروسات ) والمتغيرات الكيميائية
ويعد التلوث البيولوجي من الملوثات الخطرة على الانسان نتيجة وجود كائنات حية مرئية أو غير مرئية نباتية أو حيوانية كالبكتيريا والفطريات وغيرها في الوسط البيئي كالماء أو الهواء أو التربة، التي تسبب الأمراض التي تنتقل بالطعام الذي يأكله الإنسان أو الماء الذي يشربه أو الهواء الذي يستنشقه.

ويحدث التلوث البيولوجي للمياه بسبب عدم معالجتها كيميائياً- قبل عملية إلقائها في موارد المياه العذبة ، أو انتشار القمامة المنزلية في الشوارع دون مراعاة للقواعد الصحية في جمعها ونقلها والتخلص منها بطريقة علمية، أو بسبب ترك الحيوانات النافقة في العراء أو إلقائها في موارد المياه.

ويعد الفساد الاداري من ابرز المشاكل التي تواجه القطاع الصحي في العراق ، حيث ينــهش المؤســســات الطبية ، نتيــجةً لضــعفِ الرقابة الحــــكومية والتّــــستر عل الفساد، وخاصة الادوية التي تشــكلُ خطراً صــحياً ، فان لم تَمُتْ بالانفجارات والعبوات الناسفة، فإنك ستموت بالأدوية والحقن القاتلة”، هذه الكلمات قالها مواطن بسيط، توفي ابنه إثر حقنة منتهية الصلاحية في أحد مستشفيات العاصمة العراقية بغداد، معبراً عن الحال التي وصل إليها الطب في بلاده.
واكدت دراســاتٍ عراقيةٍ وعالمــية، تزايد حالات الامراض الخطرة كـالأورامِ والتشــوهات والإسقاطــات والعــقم بسبب استخدام أســلحة الدمار المحظورة في مختلف مناطق العراق، والمــعادن الثــقيلة والتلــوث البــيئي، واتباع سياســة دوائية فاشــلة وفقدان الرقابة والتــفـتيش على الدواء والغذاء وتدهور صناعة الأدوية.
كما اكدت ان الطامــة الكــبرى في القطاع الطبي هي تحـــول العمــل المــهني الطبي الى معاير الانتماء الطائــفي والمحاصــصة، وسياسة الإقصاء والتهميش للأطباء ” والاعتماد على كوادر غير مهنية، علمياً في إدارة المستشفيات والمراكز الصحية، وهجرة الكفاءات الطبية الكبيرة المتميزة والعقول المستنيرة ذات الخبرة الكبيرة؛ بسبب الحربِ والاقتتال الطائفي ، او بسبب تهجيرها واستهدافها جسدياً وابتزازها معنوياً ومادياً، لإقصائها ونزوحها.
رسوم جديدة يتحملها المواطن الفقير في بلد الخيرات …
ويقول مواطنون انه بعد أكثر من 35 عاماً من مجانية الرعاية الصحية التي تتكفل الدولة بتأمينها لهم، تحصل المستشفيات الحكومية اليوم رسوما بدل الخدمات الصحية من المرضى ، مما سبب انتشار العيادات الخاصة وغير المرخصة، وحتى انتحال صفة طبيب، من اجل اكسب المادي والتحايل على القانون.
ويضيفون ان ضعف رقابة وزارة الصحة وخاصة على بعض الاطباء الذين “انسلخوا عن إنسانيتهم ” جعلهم لا يعـطون الدواء المنــاسب في الجــلسة الأولى ” وتجرّدوا لجمع المال على حساب المريض العراقي الفقير، اذ وصلت قيمة المعاينة الطبية لدى بعضهم الى أكثر من ستين ألف دينار عراقي ( 53 دولارا)، وهذا رقم كبير بالنسبة لصعوبة الحياة التي يعيشها البلاد، فيما وصل سعر الدواء الى أكثر من مئة وخمسين الف ديناراً عراقي( 120دولار تقريباً ) ويكون حصراً من صيدلياتهم او صيدليات متفق عليها مسبقا، لأنهم يكتبون الوصفة الطبية برموز خاصة بها.
ومع ما يشهد الوضع العراقي من صعوبات امنية واقتصادية تتطلب وجود خطة مبنية على رؤية دقيقة في اتخاذ القرارات خاصة تلك التي تتعلق بمصير الناس ومستقبلهم وخاصة الجانب الصحي والعلاجي.
واشار النائب عن كتلة الأحرار النيابية عواد العوادي، في ايلول 2017 الى كشف القضاء العراقي وهيئة النزاهة العديد من ملفات الفساد بوزارة الصحة .
كما اشار العوادي الى القبض على “اكبر العصابات” التي سرقت أموال وزارة الصحة، و احالة مسؤولين كبار في الوزارة الى المحاكم ومن ضمنهم شقيق وزيرة الصحة وآمر حمايتها وموظفو مكتبها، بتهمة الاستيلاء على أكثر من 30 مليار دينار، وصدور أوامر قبض بحق موظفين قسم منهم في التوقيف والقسم الآخر هرب خارج العراق والقسم الآخر يحاول الهروب.
ودعا العوادي رئيس الوزراء لمحاسبة وزيرة الصحة وجميع الموظفين المتورطين بسرقة وتزوير السجلات والاستيلاء على أكثر من 30 مليار دينار وقد اعترف أكثر من شخص أمام نزاهة الرصافة بالتزوير والسرقة”، داعيا القضاء العراقي لـ”قول كلمة الحق وعدم إعطاء الفرصة للمتورطين بالهروب لأن معظمهم هرب الى خارج العراق، وعليهم أوامر قبض من نزاهة الحلة لم تنفذ منذ 2016 ولا نعرف السبب.
وفي السياق نفسه اكد عضو لجنة النزاهة البرلمانية عقيل الزبيدي انه منذ شباط 2016 ، ولجنته بدأت في تدقيق ملفات الفساد في وزارة الصحة، مؤكداً أن اللجنة ماضية في فتح ملفات الفساد في الوزارات والهيئات كافة، مشيرا الى ان الابتزاز واستغلال ضعف وجهل المواطن كبير جداً، خصوصاً في الأمراض النسائية، ويشير الى انه في حالة حدوث أي خطأ نتيجة الإهمال الطبي، نجد أن المواطن المتضرر يتحاشى إقامة دعوة قضائية نتيجة جهله بالقوانين الفاعلة. مشددا، إن الكثير من الأخطاء الطبيّة تتم تسويتها من خلال مجالس تحقيقية أقصى عقوباتها التوبيخ الإداري، الذي يختفي من إضبارة الطبيب بعد حين، مستغربةً غياب دور وزارة الصحة ونقابة الأطباء عما ما يحصل في مستشفيات المحافظة.

طبيب في احد مراكز الصحة الأولية يقول ان من أهم العوامل التي من المفترض أن توفرها المراكز الصحية في الأقضية والنواحي، تقديم الخدمات الطبيّة البسيطة والمتوسطة التي لا تستوجب أخصائياً، مضيفاَ: ثم تُحوّل الحالات التي تتطلب خدمات خارج طاقة المركز الصحي بإحالة رسمية عن طريق الإسعاف الفوري. متابعاً: في هذه الحالة يُخفف الزخم على المستشفيات العامة، وتقلّ متاعب المواطن وخسائره المادية.
ويضيف ان تلك المراكز معظمها يفتقر للأجهزة اللازمة كالأشعة والأجهزة المختبرية فيما تعاني نقصاً حاداً في الأدوية، مما جعل المواطن يتجه للمستشفيات العامّة التي هي الأخرى تواجه المشاكل ذاتها.
ويدعو الى تحسين خدمات المستشفيات الحكومية بتفعيل المستوصفات الموجودة في جميع المحافظة بتوفير الإمكانات والمعدّات والأجهزة الطبيّة التشخيصية اللازمة لها لاستقبال المرضى وفحصهم ومعاينتهم فيها بحيث لا تحوّل الى المستشفيات إلاّ الحالات الصعبة التي تكون بحاجة ماسّة للرقود.
كما يدعو الى مستشفيات جديدة تتناسب مع عدد السكان من أجل تخفيف الزحام الموجود على المستشفيات القائمة منذ عقود عدّة، ما يزيد من امكانية الاهتمام بالمرضى المحتاجين للرعاية والعناية الصحيّة أكثر مما هو عليه اليوم.

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية