نفوذ تركي متعاظم في الجزائر.. ماذا وراء ترميم المساجد والمعالم الأثرية

نفوذ تركي متعاظم في الجزائر.. ماذا وراء ترميم المساجد والمعالم الأثرية

الجزائر – تراهن تركيا على ورقة المعالم الأثرية والقصور والمساجد العتيقة لاستعادة أمجاد العثمانيين في الجزائر، واستثمار تساهل السلطات مع هذه الأنشطة لتوسيع دائرة النفوذ التركي في البلاد.

وافتتحت السلطات الجزائرية، مسجدا جديدا بمدينة وهران في غرب البلاد، بتمويل وهندسة تركية، ليكون بذلك ثاني المساجد في المدينة، التي يتم تشييدها وتمويلها بأموال تركية، في إطار مخطط ظاهره ديني، وباطنه سياسي وأيديولوجي، يستهدف دعم النفوذ التركي عبر بوابة المؤسسات الدينية.

وإذ اضطلعت مؤسسة تركية للحديد والصلب، بتمويل المسجد المذكور، في إطار سياسة تعزيز التعاون، وتعميق الأواصر الروحية بين الشعبين، ليكون شاهدا على محطة تؤسس لإحياء أمجاد الامبراطورية العثمانية في الجزائر، التي استوطنت البلاد لثلاثة قرون (1500- 1800)، فإن رجال أعمال ومستثمرين أتراكا سبق لهم تشييد وتمويل مسجد آخر في نفس المدينة خلال السنوات الماضية، وقدم كهدية للسلطات المحلية.

وحصلت السلطات التركية، عبر اتفاقيات التعاون المبرمة مع نظيرتها الجزائرية، على مخطط لترميم وتفعيل الآثار والمعالم العثمانية في البلاد، في خطوة لإحياء رسائل الامتداد التاريخي والسياسي في الجزائر والمنطقة عموما، ويشمل المخطط خارطة من المعالم الأثرية والقصور العمرانية والمساجد.

وكان مسجد كتشاوة بالعاصمة الجزائرية، قد أعيد افتتاحه خلال شهر فبراير الماضي، بعد ترميمه وإصلاح الأجزاء المتهالكة فيه جراء العوامل الطبيعية والبشرية. وأشرفت على عملية الترميم أمينة أردوغان زوجة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على هامش زيارة الرئيس التركي للجزائر، والتي أثارت حينها جدلا واسعا بين مرحبين ورافضين.

ويتضمن المخطط إعادة الاعتبار أيضا لمسجد أحمد باي بمدينة قسنطينة في شرق البلاد، فضلا عن ترميم عدد من المعالم والمدن العثمانية في الجزائر، أو المساهمة في ذلك، كما هو الشأن بالنسبة لحي القصبة العتيق بوسط العاصمة الجزائرية.

ويكشف موظف جزائري في إحدى الشركات التركية العاملة في الجزائر لـ”العرب” عن أن رجال الأعمال والمستثمرين الأتراك، استغلوا فترة الانفتاح الجزائري على الخارج، في توسيع نشاطهم في مختلف المجالات، وأن التمدد التركي في هذا المجال يتجاوز دافع الربح المادي، وهو ما يتجلى في إسهاماته في أنشطة دينية واجتماعية .

وقال الموظف إن هناك رجال أعمال يتخفّون وراء أنشطة اقتصادية وتجارية ومشاريع بناء وتشييد ويمولون جمعيات أهلية وتظاهرات وأعيادا دينية ويساهمون في تشييد مساجد، من أجل ربح ثقة الشارع الجزائري، واستقطاب بعض المسؤولين في المؤسسات.

ويذكر مصدر مطلع لـ”العرب”، أنه “رغم الارتباك الحاصل في الجالية التركية بالجزائر، بسبب الصراع بين الموالين للنظام التركي، وبين أنصار الداعية فتح الله غولن، وسعي الأول لدى السلطات الجزائرية لترحيل هؤلاء إلى إسطنبول بعد محاولة الانقلاب على أردوغان، إلا أن مساعي الانتشار والتغلغل لم تتوقف، ويحاول البعض التمدد إلى دول الجوار والقارة السمراء انطلاقا من الجزائر”.

ونجحت أنقرة في تحقيق نتائج سريعة من خلال هذا التمدد الناعم، خاصة في الحصول على معلومات ضافية على أنصار الداعية فتح الله غولن وأنشطتهم ومدارسهم. لكن الأخطر في هذا التمدد أن جزءا من الجزائريين بات يحلم باستعادة الخلافة تحت تأثير المسلسلات التاريخية التركية التي تمجد السلاطين وانتصاراتهم وتضفي أجواء غرائبية على حياتهم الخاصة.

واستطاعت تركيا أن تجني بواكير التغلغل الديني والأيديولوجي، من خلال صناعة وعاء من الأنصار والموالين لأردوغان في الجزائر، ظهر بشكل جلي في حملة المناصرة التي أطلقها هؤلاء في وجه الرافضين لزيارته للجزائر في فبراير الماضي، وتمكن هؤلاء من تحقيق توازن لافت في المعركة الافتراضية على شبكات التواصل الاجتماعي.

ويضاف هؤلاء الأنصار إلى الأذرع السياسية الممثلة في الأحزاب الإسلامية ذات المرجعية الإخوانية، وعلى رأسها حركة مجتمع السلم “حمس″، وبعض الجمعيات الأهلية والناشطين السياسيين، الذين لا يتوانون في التعبير عن الانبهار بالتجربة التركية.

لكن مراقبين محليين يحذرون من أن تساهل السلطات مع التمدد التركي قد يجعلها تستفيق على تجربة شبيهة بتلك التي حصلت مع إيران التي استثمرت علاقتها السياسية مع السلطات لتقوم بحملة تبشير واستقطاب لفائدة المذهب الشيعي في تناف كامل مع الهوية الدينية للجزائريين.

ويشير هؤلاء إلى ظاهرة المال المشبوه التي ترتبط بالوجود التركي في ظل زيادة ملحوظة لزيارات شخصيات محسوبة على الإسلام السياسي إلى تركيا، ما يفسر عادة بالأنشطة التجارية أو حضور مؤتمرات فكرية، لكنه يثير مخاوف من أجندات مشبوهة لتركيا في الجزائر تتجاوز تدعيم الشعور بالحنين إلى الخلافة العثمانية إلى ما هو أخطر.

العرب