التحالفات مع ” التنين الصيني ” يضعف الهيمنة الامريكية

تعمل دول العالم على تغيير استراتيجياتها التنموية وتحريك الإصلاح والإبداع وتعجيل التحول الاقتصادي وإيجاد مجالات جديدة للتنمية، وفي الوقت نفسه، ما زال العالم يمر بفترة تعديلات عميقة للاقتصاد في حين تكون العناصر الجيوسياسية أكثر حضورا ؛ وتتعاقب التوترات المحلية وتزداد التحديات الأمنية غير التقليدية والتحديات العالمية بشكل مستمر، اذ ما زالت الفجوة كبيرة بين الجنوب والشمال من حيث مستوى التنمية.

تقع الدول العربية في منطقة الالتقاء بين قارتي آسيا وإفريقيا تتميز بطابع تعددي تنوعي ديني وحضاري بارز، ينتمي كل من الصين والدول العربية إلى العالم النامي، وتمتلك الاثنتان
كمجموعة سُدس مساحة اليابسة وما يقرب من رُبع سكان العالم وثُمن حجم الاقتصاد العالمي. ورغم أن الجانبين الصيني والعربي يتباينان من حيث الموارد والإمكانيات ومستوى التنمية، غير أن كلاھما يمر بمرحلة مھمة في المسيرة التنموية.

وسط ظروف إقليمية ودولية معقدة ، جاءت دورة الثامن للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي في بيجين، ليعزز العلاقات التجارية الاستثمارية بين تلك الدول.
اذ ارتفع حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية عندما تأسس المنتدى 2004، من حوالي 36مليار دولار ،الى اكثر من 190 مليار دولار في نهاية 2017 ، و تعد الصين ثاني اكبر اقتصاد في العالم ،وثاني شركاء العرب التجاريين بسبب موقعها في قلب الطريق التجاري ، وبعد المبادرة التي اطلقها الرئيس الصيني “شي جين بينغ” قبل حوالي أربعة أعوام ” طريق الحرير” والتي تشمل تمويل مرافئ وطرق وسكك للحديد في مختلف أنحاء العالم، مما أثارت اهتماماً لدى العديد من الدول ومخاوف لدى البعض الاخر.
ووضعت بكين 900 مليار دولار لتنفيذ رؤيتها الطموحة للمشروع، الذي سيجلب “العصر الذهبي للعولمة،” بحسب الرئيس الصيني شي جين ينغ، اذ يهدف مشروع طريق الحرير الذي يعد الأكبر في العالم لربط العالم عبر عدة مسارات وطرق برية وبحرية، مشروع التنمية الأكثر طموحاً على الإطلاق، حيث يقدم الصين كدولة محبة للسلام وتهدف إلى تحويل العالم إلى قوارب محملة بالكنوز وليس السفن الحربية أو السلاح .
وقال شي “إن مبادرة الحزام والطريق متجذرة في طريق الحرير القديم ولكنها مفتوحة أيضا لجميع الدول الأخرى”، ووعد بضخ 125 مليار دولار ضمن خطة طريق الحرير.
و يمتد المشروع الكبير الذي يمتد لأكثر من 65 بلدا، وعبر أربع قارات، مع إمكانية رفع مستويات معيشة 70% من سكان العالم”.
لكن هناك مخاوف من بعض الدول من المشروع مثل الهند ؛ اذ انها ترفض المشرع ، و تنتقده بشكل لاذع ، وأعلنت أنها ستقاطع الإجراءات ، تعتقد أن هذا المشروع “ليس أكثر من مجرد مؤسسة استعمارية ستخلف ديونا وتكسر المجتمعات المحلية في أعقابها”.
اما أمريكا فانه أيضا يشك أن بكين تستخدم مشروعها “المربح للجانبين” كحيلة لإغراء الدول الأقل قوة كي تدور في فلكها الاقتصادي وتعزيز قدرتها. وبشكل خاص، ويعرب الدبلوماسيون الغربيون عن مخاوفهم ، بشأن النوايا الحقيقية للصين ومدى رغبتها في السماح بمشاركة الشركات غير الصينية في مشاريع الحزام والطريق.

لكن بينغ اكد إن “الصين ترحّب بفرص المشاركة في تنمية مرافئ وبناء شبكات للسكك الحديد في دول عربية”، كجزء من “شبكة لوجستية تربط بين آسيا الوسطى وشرق أفريقيا والمحيط الهندي بالبحر المتوسط”.
وان الشراكة بالمشاريع يحقق التوازن التجاري بين الصين والدول العربية، ووفق بكين فإن الصين ستستورد سلعاً بقيمة أكثر من 8 تريليونات دولار، وتستثمر بما يربو على 750 مليار دولار في الخارج في غضون السنوات الخمس المقبلة.
واساس المشاريع هي لدعم الاستثمارات ذات النفع المشترك، اذ تعاونت الصين مع السودان وجيبوتي المشرفة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر .
ترى بعض الدول العربية انها بحاجة الى شريك وحليف مهم مثل الصين وتتمتع بميزات لها ثقلها الاقتصادي ، ومستقبل واعد في الاستثمارات الاستراتيجية اذ تعد :
• ثاني اكبر اقتصاد في العالم .
• اول دولة في استيراد النفط والطاقة في العالم.
• الدولة الأكثر تصديرا في العالم .
• تملك حق الفيتو .
• لها قدرات اقتصادية واستثمارية ومن المرجح في السنوات الأربعة القادمة تصبح الاقتصاد الأول عالميا.
• انها عضو دائم في مجلس الامن ،وتاريخا مع الدول العربية لا يحوي أي سيطرة أطماع او أحقاد في المنطقة العربية .
• الصين لا ترغب بالبعد العسكري ببسط نفوذها مثل الولايات المتحد فهي تختلف كونها لا تملك اسطول عسكري، ليس لديها حاملة طائرات سوى واحدة اشترتها من أوكرانيا مستعملة ،دولة الحزب الواحد ولا تمتلك قواعد عسكرية ميزانيتها ¼ ميزانية الولايات المتحدة الامريكية .
• قوة اقتصادية صاعدة ، النموذج الاقتصادي “الحزام والطريق” ذو الفائدة العالمية، وينمو الاقتصاد الصيني نحو 7% سنويا .
الصين معروفة في مسيرتها الاقتصادية المثيرة واللافتة التي انطلقت منذ سبعينيات القرن الماضي، استطاعت الصين أن تتحول من دولة نامية فقيرة الى ثاني أكبر اقتصاد عالمي بنمو يزيد على المعدلات التي تحققها أنجح الأنظمة الاقتصادية للبلدان الرأسمالية ولتسهم بشكل فاعل في مساعدة عشرات الدول الافريقية والآسيوية واللاتينية على الخروج من دائرة الفقر من دون الضغط أو الهيمنة على الفضاء السياسي أو محاولة الابتزاز والتأثير كما يفعل غيرها من القوى الاقتصادية العظمى.

تفاصيل الاتفاقية بين الصين والكويت

عقدت الكويت مع الصين في 10/7/2018 اتفاقيات تاريخية في مختلف المجالات التجارية والاستراتيجية، في الوقت الذي تشن فيه الولايات المتحدة الامريكية حربا تجارية ضد الصين ، يرى المحللون الاقتصاديون ان الصين ستحصل على اسواق استهلاكية ومصادر طاقة جديدة ، والاهم الاطلالة الاستراتيجية على الممرات والمضايق وصولا للبحر الأبيض المتوسط وصولا الى اوربا.
الصين ستأخذ دورا اكبر في النظام العالمي من خلال امتدادها التجاري على مساحات كانت حكرا على الدول الغربية .
تتجه الصين والكويت ؛ الى إقامة شراكة استراتيجية ضخمة باستثمار 450 مليار دولار في جزيرتي فيلكا وبوبيان الكويتية ، وستستثمر الصين الجزيرتين مدة 99 عام ، واشترطت الكويت على الصين إيداع وديعة قدرها 50 مليار دولار كقيمة متجددة لحساب الحكومة الكويتية ، كما ستدفع الصين 40 مليار دولار لمدينة الحرير الكويتية لجعلها المركز المالي في العالم العربي وبذلك تكون الكويت قد غيرت قواعد اللعبة في المنطقة العربية باتفاقها التاريخي مع الصين.
مما يشكل صفعة عربية لكل مساعي الهيمنة والابتزاز وتعزيز النفوذ التي تقوم بها الإدارة الأميركية المغامرة وشركاؤها على الأرض العربية.

كانت الولايات المتحدة الأميركية في مقدمة القوى والمغذي الرئيس لمخاوف الدول الخليجية من تنامي النفوذ الإيراني بعد ،احتلال العراق وتفكيك مؤسساته السياسية والاقتصادية والأمنية وإحلال الفوضى والدمار في أكثر بلدان الشرق أمنا وعلمانية واستعدادا للنهوض.
الوجود الروسي والأوروبي في العالم العربي لا يقل سوءا عن الوجود الأميركي؛ فالجميع يستخدم الفضاء العربي كمجال لاستعراض القوة وتجريب الأسلحة وإشاعة الفوضى من دون أي اعتبار للعوامل الإنسانية والأخلاق والمسؤوليات التي تعارفت عليها الأمم وحرصت على مراعاتها في أوقات الحرب والسلم.
اليوم ومع ظهور قيادات سياسية غربية مغامرة وذات طموحات يصعب فهمها والتنبؤ بسلوكها، وبالتزامن مع تنامي الحديث عن حلول وصفقات وتحالفات جديدة في أجواء وسياقات غير معروفة، أصبح القلق والخوف من المستقبل إحدى أهم الأولويات قيادات وشعوب المنطقة، التي ظلت أحد مجالات النفوذ الغربي الذي بقي يتزايد مع كل خطوة إيرانية نحو امتلاك السلاح النووي أو التفاوض على إخضاعه للرقابة الدولية لن تبقى رهينة للمخاوف والتهديدات الحقيقية والمصطنعة.
على الخريطة العالمية، كانت الصين وما تزال إحدى أهم القوى العالمية التي يمكن الوثوق بها، فقد ظلت طوال تاريخها الحديث ومن بين أكثر دول العالم التزاما بروح عدم الانحياز بالرغم من طابعها الاشتراكي، فمنذ انعقاد مؤتمر باندونغ في العام 1955 ظلت الصين منتمية الى العالم الثالث وملتزمة بدعم قضايا وحقوق الشعوب وبعيدة عن كل الأطماع الاستعمارية وشهوات الهيمنة التي أفسدت ثقة الشعوب الفقيرة بكل القوى التي حاولت المساعدة.

ما هو طريق الحرير: وهو لقب أطلق على مجموعة الطرق المترابطة التي كانت تسلكها القوافل والسفن بين الصين وأوروبا بطول 10 آلاف كيلومتر، والتي تعود بداياتها لحكم سلالة Han في الصين نحو 200 سنة قبل الميلاد، وقد أطلق عليها هذا الاسم عام 1877 من قبل جغرافي ألماني لأن الحرير الصيني كان يمثل النسبة الأكبر من التجارة عبرها.

وكان لطريق الحرير تأثير كبير في ازدهار كثير من الحضارات القديمة، مثل الصينية والمصرية والهندية والرومانية، وهو يمتد من المراكز التجارية في شمال الصين، حيث ينقسم إلى فرعين. يمرّ الفرع الشمالي عبر شرق أوروبا وشبه جزيرة القرم حتى البحر الأسود وصولاً إلى البندقية، و الفرع الجنوبي فيمرّ عبر العراق وتركيا إلى البحر الأبيض المتوسط أو عبر سوريا إلى مصر وشمال إفريقيا.

وقد توقف طريق الحرير كخط ملاحي للحرير مع حكم العثمانيين في القسطنطينية.
وعاد في بداية التسعينيات بمحاولات لإنشاء طريق الحرير الجديد من بينها ما عرف بالجسر البري الأوروبي الآسيوي، الذي يصل بين الصين وكازاخستان ومنغوليا وروسيا ويصل إلى ألمانيا بسكك حديدية.
أعلن الرئيس الصيني في سبتمبر 2013، وضمن زيارة الى كازاخستان عن خطة لتأسيس طريق حرير جديد يصل الصين بأوروبا عرف بـ One Belt, One Roadيصل بين 65 دولة باستثمارات متوقعة تتراوح بين 4 و8 تريليونات دولار، لتعزيز التجارة بين آسيا وأوروبا وإفريقيا .