قالت صحيفة نيويورك تايمز إن العراق بين شقي الرحى في ظل احتدام التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، الذي بلغ ذروته إثر اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني في هجوم بطائرة مسيرة أميركية الأسبوع الماضي بالقرب من مطار بغداد الدولي.
وأضافت -في تقرير أليسا روبن مديرة مكتبها في بغداد- أن البرلمان العراقي صوّت بعد حادثة مقتل سليماني لصالح إجلاء القوات الأميركية، وهي الخطوة التي “يرى بعض المسؤولين العراقيين أنها ستكون وبالا على العراق”.
وأورد التقرير على لسان كبير المستشارين عبد الحسين الحنين أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب -في مكالمة هاتفية في رأس السنة الجديدة- أن حكومته لن تستطيع تغيير الجغرافيا ولا التاريخ “فذلك قدر العراق”.
وأوضح عبد المهدي لترامب أن العراق يقع بين دولة صديقة تبعد عنه زهاء خمسة آلاف ميل (ثمانية آلاف كيلومتر) -في إشارة إلى الولايات المتحدة- ودولة أخرى بالجوار منذ خمسة آلاف عام هي إيران.
ونقلت الصحيفة عن عبد الحسين الحنين -الذي يعمل مستشارا لرئيس الوزراء- قوله إن عبد المهدي يعتقد أن القوات الأميركية إذا ما غادرت البلاد فإن إيران لن يكون لديها هواجس أمنية ومن ثم ستترك العراق وشأنه.
غير أن مسؤولين عراقيين بارزين ودبلوماسيين وباحثين رسموا سيناريو مخالفا، إذ يقولون إن العراق قد يُجبر على الارتماء في أحضان إيران مما سيحرمه من الدولارات الأميركية ويعزله عن الغرب، على حد تعبير نيويورك تايمز.
على أن ما يدعو للقلق حتى بالنسبة لإيران -بحسب تقرير الصحيفة- أن ثمة خطرا من عودة تنظيم الدولة الإسلامية مجددا إذا لم يشارك الأميركيون في محاربته.
ويقول مسؤول عراقي آخر ودبلوماسي غربي كبير -لم تكشف الصحيفة عن هويتيهما- إنه في حالة جلاء الأميركيين فإن الجنود الأوروبيين وقوات التحالف الأخرى سيحذون حذوهم لأنهم يعتمدون على دعمهم اللوجستي والفني.
عبد المهدي لترامب: العراق يقع بين دولة صديقة تبعد عنه آلاف الكيلومترات وأخرى بالجوار منذ خمسة آلاف عام (رويترز)
عبد المهدي لترامب: العراق يقع بين دولة صديقة تبعد عنه آلاف الكيلومترات وأخرى بالجوار منذ خمسة آلاف عام (رويترز)
عقوبات
ولن تكون العقوبات الاقتصادية التي توعد ترامب بفرضها على بغداد -في حال جلاء قواته- عقابا للعراق وحده بل ستطال تأثيراتها إيران أيضا نظرا لأن اقتصادي البلدين “متشابكان بشكل وثيق”.
وفي حال إجبار القوات الأميركية على الانسحاب، فإن العراق -وفقا لنيويورك تايمز- يغامر بحرمانه من المصدر الرئيسي الذي يغذيه بالدولارات لاحتمال تجميد حسابه لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في نيويورك.
وتشير الصحيفة إلى أن إيرادات العراق من مبيعات النفط مودعة في ذلك البنك، ودرجت الحكومة على السحب منها لدفع رواتب الموظفين وسداد التزاماتها التعاقدية الأخرى.
وقد تلجأ الولايات المتحدة أيضا لإلغاء الإعفاءات التي تتيح للعراق شراء الغاز الإيراني الذي تعتمد عليه الدولة في تشغيل مولدات الكهرباء بالجنوب، وفي توفير ما لا يقل عن 35% من إمدادات الطاقة اللازمة لعموم البلاد.
وربما يسعى العراق لإيجاد مصدر آخر للعملة الصعبة، إلا أن الصعوبة بمكان العثور عليه خلال مدة وجيزة، كما تزعم الصحيفة الأميركية.
اعلان
أما الخيار الآخر أمام الحكومة العراقية والمتمثل في احتمال تدبرها أمور الدولة بقدر قليل من الطاقة الكهربائية، فإنه قد يذكي أوار الاضطرابات بالجنوب حالما ترتفع درجات الحرارة مما سينجم عنه نقص في إمدادات الكهرباء على نحو ما حدث عام 2018.
ويبدو عبد المهدي مستعدا حتى الآن لمواجهة تلك التداعيات المحتملة. وإذا كانت لديه أي نوايا لحلول توفيقية، فإنه ظل يحتفظ بها لنفسه ربما خوف المناخ السياسي المعادي لأميركا السائد في بلاده.
الجزيرة