دعت صحيفة “أوبزيرفر” الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو التحلي بالحكمة والحذر بعد سقوط الطائرة الأوكرانية، رحلة 752 في الأجواء الإيرانية وقتل فيها 176 شخصا.
وقالت الصحيفة إن الحادث يعتبر “تراجيديا” ويجب ألا تسيطر الإتهامات المتبادلة على فداحة الثمن الإنساني. فقد عانت الكثير من العائلات في إيران وكندا وبريطانيا ودول أخرى من ضربات فادحة. فإضافة للحيوات التي فقدت تضررت عائلات وللأبد.
وتقول الصحيفة إن اعتراف الحكومة الإيرانية بالمسؤولية يعتبر أمر مرحب به، وكان عليها الإعتراف مبكرا، فمسارعة طهران بعد ساعات من تحطم الطائرة نسبة سقوطها لعطل فني أثار الكثير من الشكوك. وبعد 24 ساعة ظهر شريط فيديو يعطي دليلا واضحا عن إصابة الطائرة بصاروخ أرض- جو. لكن المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإيرانية ودبلوماسييها واصلوا الإنكار. إلا أن قرار الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي يجب تقديره وتعبيره عن “حزنه العميق” “للخطأ الكارثي” ونسبته إلى خطأ بشري تلطخ بتأخر حكومة بلاده الإعتراف بالمسؤولية وأن تصريحاته جاءت لأنه لم يعد هناك أي مفر إلا الإعتراف.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومة الإيرانية حاولت التستر على الحادث بدون جدوى لأن الذنب الإيراني واضح. في وقت كان فيه المحققون الدوليون بطريقهم إلى إيران للتحقيق.
وترى الصحيفة أن تداعيات هذه التراجيديا ستكون بعيدة، ليس فيما يتعلق بمصداقية الحكومية في الداخل وموقف النظام. ولكن يجب تأكيد الظروف أدت إلى الحادث المأساوي، ولماذا تم السماح للطائرة الأوكرانية الإقلاع بعد ساعات من الهجمات الصاروخية التي قامت بها إيران ضد قاعدتين عسكريتين في العراق، حيث كانت تتوقع ردا عنيفا من الولايات المتحدة. وكيف فشل القادة التفريق بين إشارة من الرادار لطائرة مدنية وصاروخ أطلقه العدو؟
كل هذا مع الأخطاء الكارثية الأخرى تقترح غيابا للقدرة العسكرية والفنية من جانب الحرس الثوري الإسلامي والتي أطلق من قاعدته خارج طهران الصاروخ القاتل. ولكن قلة في إيران تجرأت على مواجهة الحرس الثوري الذي يتمتع برعاية المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، ولديه مصالح مالية وتجارية ويعمل بشكل مستقل عن القوات الإيرانية المسلحة ووزارة الخارجية.
وكان الجنرال قاسم سليماني، الذي أدى اغتيال الولايات المتحدة له إلى الأزمة الأخيرة، أحد قادة الحرس الثوري المؤثرين وقائد فيلق القدس فيه. وأدى مقتله لتوحيد كل قطاعات الشعب الإيراني خلف النظام في مشاهد من الحزن والغضب العام. ولكن الوحدة هذه تمزقت وأمر خامنئي بالتحقيق في الحرس الثوري ومن المسؤول عن الكارثة، وهو أمر نادر.
وهناك عقوبات تنتظر المسؤولين عنها. وفي الوقت نفسه استخدم الإيرانيون وسائل التواصل الإجتماعي للتعبير عن غضبهم، وعبروا عن خجلهم والحس بالخيانة وأكاذيب النظام التي ملوا منها.
وأضر الحادث بحس الحصانة للحرس الثوري الذي هاجم المتظاهرين في الأشهر الأخيرة، الذين خرجوا للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية والإقتصادية واحتجوا على زيادة أسعار الوقود والفساد المستشري وعجز الحكومة والمحاباة.
وبالنسبة للمتظاهرين المعارضين للحكومة الذين قتلوا على يد الحرس الثوري فغياب المحاسبة على المستويات العليا أمر عادي، والحكومة التي اعترفت أمام العالم بالمسؤولية تواجه يوم الحساب من الشعب الإيراني.
ولو أدى اعترافها بالخطأ إلى نوع من الإنفتاح والصراحة حول أخطائها الأخرى، فهذا سيكون تطور إيجابي في لحظة من الحزن الكبير التي ترافقت مع مقتل سليماني وربما قادت الحرس الثوري لإعادة النظر بسياساته التخريبية في العراق وسوريا ولبنان وأماكن أخرى. وهذا سيكون تطور مرحب به.
وفي كل الأحوال فقد توسعت إيران أكبر من مداها السياسي والإستراتيجي والعسكري، وهي تعاني من ضغوط بشرية واقتصادية، وربما كانت هذه لحظة مهمة لكي تتوقف وتعيد النظر فيما تريد تحقيقه.
وعلى الولايات المتحدة تشجيع محاولات إيران إعادة التفكير بدلا من محاولة استغلال الكارثة لزيادة حرب الإستنزاف.
ولكن الصحيفة تعرف أن هذا ولسوء الحظ ليس هو أسلوب الصقور الأمريكيين مثل بومبيو الذي أصبح المستشار الأهم لترامب. وبومبيو الذي لديه طموحات رئاسية، يبدو كمن يقود حملة إنجيلية لتدمير النظام الذي يقوده الملالي في إيران مهما كان الثمن الذي يدفعه الأبرياء هناك. ويجب على ترامب ومن حوله إظهار الإحترام للموتى.
وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن الكارثة هي سبب للنزعة الهجومية الإيرانية. وهذه المواقف التي سيتم تكرارها في الأيام المقبلة ستؤدي لتشويش الموضوع. والقضية واضحة وهي أن إيران هي التي أطلقت الصاروخ على الطائرة فهي مسؤولة بالكامل عن المأساة.
وقد اعترفت إيران بالمسؤولية خلافا للكارثة الإيرانية عام 1988 عندما أطلقت الولايات المتحدة صاروخا من الخليج العربي على رحلة الخطوط الجوية الإيرانية رقم 655 وقتلت 290 شخصا كانوا على متنها.
وعلينا ألا ننسى أن الولايات المتحدة قامت بدون داعي وبلا ذرة من المسؤولية بتصعيد المواجهة مع إيران وخلقت أجواء من الخوف جعلت من حدوث حوادث كهذه أمرا محتملا. وبلا شك فقد خلقت الولايات المتحدة هذا الجنون الذي فتح المجال لحدوث الكوارث. وعلى ترامب مثل القادة الإيرانيين فحص ضميره والتفكير مرتين.
القدس العربي