بدأت أسعار النفط العام الجديد والعقد الجديد بارتفاع مفاجئ، إثر تصاعد التوتر العسكري بين أميركا وإيران، قبل أن تعاود الهبوط إلى نطاقها السابق ما بين 55 و65 دولاراً للبرميل، ويظل سعر النفط، حتى مع الارتفاع المفاجئ لفترة قصيرة، أقل من متوسط سعر البرميل خلال العقد الماضي 2010 – 2019 البالغ 79 دولاراً للبرميل.
بدأ العقد المنصرم والأزمة المالية العالمية تعصف بالاقتصاد العالمي، وانكمش الاقتصاد العالمي في 2010 بأكثر من 5 في المئة، بعدما تراجع استهلاك النفط في 2009 بنحو 2 في المئة.
ولم تأخذ الأسعار بالتحسّن إلا بعدما تدخلت الحكومات بسياسات التيسير النقدي، خصوصاً ما قامت به الصين من تحفيز اقتصادي، لترتفع الأسعار إلى مستوى 125 دولاراً بحلول النصف الأول من 2014.
ومع نفاد تأثير المحفزات الاقتصادية في الدول الرئيسة المستهلكة الطاقة وزيادة المعروض النفطي في السوق العالمية، إضافة إلى استعادة قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة عافيته بتطوير التكنولوجيا وتقليل تكلفة الإنتاج لمواجهة انخفاض الأسعار هوت أسعار النفط بأكثر من النصف في صيف 2014.
ومرَّت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بمنحنى تراجع، سواء في قدرتها على التحكم بسوق النفط العالمية أو بالحفاظ على حصتها من إنتاج وتصدير السلعة الأهم التي تعد دينامو الاقتصاد العالمي.
ولم تبدأ السوق في التوازن إلا مع اتفاق أوبك مع عشر دول من المنتجين والمصدرين من خارجها، في مقدمتها روسيا، على ضبط السوق فيما أصبح يعرف بـ(أوبك +).
ومنذ بدأت ترتيبات خفض الإنتاج لدى أوبك وشركائها في 2016 أخذت أسعار النفط في التحسّن، لكن بمنحى متقلب ارتفاعاً وهبوطاً لتُنهي العام الماضي والعقد كله في مستوى أقل من متوسط مستوى الأسعار في العقد الثاني من الألفية الثالثة.
وتعرَّضت شركات النفط الكبرى في العقد المنصرم لضغوط تمثَّلت في زيادة حملات مواجهة التغير المناخي التي تستهدف استخدام النفط ومشتقاته مصدراً رئيساً للتلوث الكربوني، وكذلك زيادة التوجه نحو مصدر طاقة متجددة، ما أخذ قدراً معقولاً من الاستثمارات في قطاع الطاقة بعيداً عن النفط.
أضف إلى ذلك استمرار ضعف النمو الاقتصادي العالمي وتوقعات الركود المستمرة ما جعل الزيادة في الطلب على النفط أقل من مستوياتها المعتادة في فترات ما بعد الأزمات الاقتصادية، كما شهدت أهم منطقة منتجة ومصدرة النفط في العالم (منطقة الخليج) توترات جيوسياسية أسهمت في اضطراب سوق النفط وأسعاره عالمياً.
العقد المقبل
أغلب تلك التحديات التي واجهها قطاع النفط في العقد المنصرم مستمرة، وتزداد في العقد الثالث الذي بدأ هذا العام، فالعوامل الجيوسياسية التي أوقفت نفط ليبيا وفنزويلا وإيران ما زالت تتفاعل، ويخشى أن يضاف إليها جديد في أماكن أخرى.
ومشكلة التغير المناخي تكتسب زخماً مع التغيرات المناخية التي تشهدها الأرض من حرائق أستراليا إلى ذوبان الجليد القطبي، مروراً بتقلبات الطقس التي تشهدها مناطق العالم المختلفة، وتستعد شركات الطاقة الكبرى والدول المنتجة والمستهلكة النفط على السواء لمواجهة حملات أنصار البيئة في مختلف أنحاء العالم.
ويظل التحدي الأساسي المتعلق بمعادلة العرض والطلب في سوق الطاقة العالمية، وهو ضعف النمو الاقتصادي العالمي واحتمالات الركود ضاغطاً على سوق النفط، ومع أنه من الصعب توقّع تحرّك الأسعار في خلال عام، ما بالك خلال عقد، فإن أغلب المحللين يتوقعون أن لا يحمل عام 2020 الكثير مما هو إيجابي لقطاع النفط.
في مذكرةٍ حديثة أصدرتها بلاتس أناليتكس، وحدة الطاقة في ستاندرد أند بورز غلوبال، صورة أولية عن توقعات العقد الجديد فيما يخص قطاع النفط.
تقول المذكرة، “ونحن ندخل العقد الجديد يشعر قطاع الطاقة أنه يتجه نحو القاع. فكل سلع الطاقة تتنافس على حصة من طلب محدود. في الوقت نفسه، فإن النمو المستمر في الطاقة المتجددة وزيادة كفاءة الاستخدام وانتشار السيارات الكهربائية والهيدروجينية سيحدّ من الطلب على مصادر الطاقة الأحفورية (النفط والغاز)”.
وتتوقع تحليلات سابقة بأن الانتشار الواسع للسيارات الكهربائية ينال بشكلٍ كبيرٍ من حصة الوقود في قطاع النقل بحلول عام 2030، أي نهاية القرن. مع ذلك سيظل إنتاج النفط والغاز محور اهتمام الأسواق في السنوات المقبلة، وسيظل الوقود الأحفوري شريان حياة الاقتصاد العالمي للعقد الجديد وما بعده.
وسيعتمد مستقبل أوبك على استمرار تحالفها مع روسيا والمنتجين الآخرين من خارجها لضبط توازن العرض والطلب والحفاظ على حصتها من السوق العالمية، وكذلك ستظل منطقة الشرق الأوسط بؤرة اهتمام عالمي فيما يتعلق بسوق النفط، وكذلك ستستمر الأوضاع فيها عاملاً مؤثراً في توازن السوق والأسعار.
أميركا والنفط
بحسب تحليل بلاتس أناليتكس فإن الولايات المتحدة هي “اللاعب الرئيس في سوق النفط هذا العام”، رغم أن إنتاج النفط الصخري قد يصل إلى قمته سريعاً ويبدأ في التراجع، وتتوقع المذكرة أن ينمو الإنتاج الأميركي في عام 2020 بنحو 1.3 مليون برميل يومياً.
ولا تبدو تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي يكرر فيها أن أميركا “ليست بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط دقيقة تماماً”، فحسب مذكرة بلاتس أناليتكس حول زيادة الإنتاج الأميركي فإنه “سيجعل الإنتاج المحلي يتجاوز الاستهلاك المحلي للمرة الأولى خلال عقود. لكن الولايات المتحدة ستظل مستورداً للنفط في 2020 مع زيادة الصادرات من النفط الصخري بمعدل 1.5 مليون برميل يومياً”.
وفي تحليل لوكالة بلومبرغ بعنوان “ترمب على خطأ. أميركا تحتاج إلى نفط الشرق الأوسط” كتب محلل شؤون النفط في الوكالة جوليان لي، أن كثيراً من المصافي الأميركية جرى الاستثمار فيها بكثافة في الماضي لتقوم بتكرير نفط ثقيل، كالذي ينتج في الشرق الأوسط.
ومع أن واردات النفط الأميركية من المنطقة لم تعد كما كانت في السابق، فإن الأسعار وتكلفة التكرير تجعل الولايات المتحدة بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط لسنوات مقبلة، وحسب بلومبرغ، فإن ما أظهرته الأرقام في نهاية العام الماضي من تحوّل أميركا إلى مصدر للمرة الأولى يعود أساساً إلى “تصدير المشتقات وليس الخام”.
صحيح، أن أميركا لا تستورد من الشرق الأوسط سوى نحو 5 في المئة من إجمالي استهلاكها من النفط عند 16.5 مليون برميل يومياً من الخام والمكثفات، إلا أنه في ظل غياب نفط فنزويلا، وتراجع الإنتاج في المكسيك قد تزيد هذه النسبة.
أحمد مصطفى
اندبندت العربي