تتردد أصداء المظاهرات العراقية على مواقع التواصل بشكل لا يقل ضراوة عما يجري على الأرض في ساحات الاحتجاج، التي تشهد صدامات وأعمال عنف وتجمهرا مستمرا، منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر.
في موقع فيسبوك -المفضل لدى العراقيين- تتجلى منذ انطلاق الاحتجاجات ظاهرة الاتهامات والوعيد المتبادل بين المؤيدين للاحتجاجات ومعارضيها، وصلت الحال إلى فرز معسكرين واضحين يعرفان بالذيول والجوكر، هما الأكثر اكتساحا على منصة التواصل الاجتماعي، بسجال وجدال وقوده الأحداث اليومية والتطورات المرافقة للاعتصامات المستمرة.
معسكران متصارعان
منذ الأيام الأولى لانطلاق الاحتجاجات مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تناقل العشرات على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة صور مصممة تظهر شخصية الجوكر السينمائية متواجدة أثناء التظاهرات المطالبة بإسقاط الحكومة.
واعتبر كثيرون الصور معبرة، وتحمل رسائل من الوضع الذي تشهده البلاد، واستبدل المئات صورهم الشخصية على حساباتهم في موقع فيسبوك بصورة للجوكر؛ تعبيرا عن التضامن مع الحالة الراهنة، لكن معارضين للمظاهرات عدوها صفة للتخريب وأعمال الشغب.
تقول الصحفية سنار حسن إن “القناع الباسم لتلك الشخصية تتكدس خلفه طبقات متراكمة من المشاعر والانفعالات، يصعب التنبؤ بها”، مشيرة إلى أن “التوق للتدمير الذي تمتلئ به شخصية الجوكر تعبر عن المحتجين الغاضبين من السلطة، خاصة بعد وعود بتعيينات وإصلاحات وخدمات اتضحت أنها كاذبة واستهزاء بقدرات الشباب على التغيير الشامل”.
وأضافت سنار أن “اتهام المحتجين بالتعدي على الممتلكات العامة والعمالة للخارج كان مبرر السلطة لقتل المتظاهرين بالرصاص الحي، في وقت كانت فيه المظاهرات سلمية بامتياز”، مبينة أن “الجوكر يعبر عن كل أولئك الذين قمعوا وقتلوا وتعرضوا للظلم، وقد أسهمت أحزاب السلطة في تحويل الشباب إلى هيئة الجوكر الذي يتوق لتدميرهم”.
اعلان
يرتبط مصطلح “الجوكرية” عند بعض وسائل الإعلام المحلية بأعمال الحرق والصدامات مع القوى الأمنية، وفي حين يتهم ناشطون بموقع فيسبوك المتظاهرين بالتسبب في تلك الأعمال، ووصفهم بذلك الوصف. ويرد المتظاهرون بأن “الذيول” يعممون صفة التخريب على الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح، ويتخذون من تصرفات بعض “المندسين” حجة لمهاجمة المحتجين جميعا، فضلًا عن تبرير عمليات القتل والاختطاف من قبل مسلحين تابعين لجهات خارجية.
يقول الناشط مؤيد المالكي إن “حركة المظاهرات كانت في بدايتها تنادي بإصلاح البنى التحتية وتوفير فرص العمل وغيرها من المطالب الحقة، لكن صعود فئة تريد حرق الأخضر واليابس حرف حركة الاحتجاجات إلى مسارات غير وطنية، بينها الإطاحة بالنظام الحالي الذي جاء عبر عملية انتخابية”.
مصطلح “الجوكرية” لا يشمل المتظاهرين السلميين، بل يصف أعمال التخريب، مثل افتعال الحرائق وأعمال السرقة وتحطيم الممتلكات العامة والتعدي على القوات الأمنية، حسب قول المالكي.
مبدأ التفريق
ما يزال الآلاف على مواقع التواصل منقسمين، ويتبادلون اتهامات تتركز أغلبها على تهمة الولاء الخارجي بعيدًا عن مصالح البلد، ولكلا الفريقين حجج يسوقها ضد الطرف الآخر.
ويرى المحلل السياسي رافع شاكر أن الطبقة السياسية وطوال الأعوام الماضية اتخذت مبدأ التفريق بين الشعب العراقي، وتعيش على الصراع المجتمعي لتحقيق مكاسبها وأهدافها السياسية.
وأضاف أن الأحزاب الحاكمة وفي السنوات القليلة الماضية افتعلت الصراع الطائفي تحت مسمى “السنة والشيعة”، الذي خلف انقسامًا حادا في بنية المجتمع، وحصد آلاف الأرواح، لتحقيق أهداف كثيرة.
اعلان
ويقول شاكر: وبعدما أدركت القوى السياسية المتناحرة أنها خسرت ورقة مهمة لتحقيق مآربها، تسببت في عدة ثنائيات أخرى لتدعم بقاءها لوقت أطول في السلطة، وتسببت جيوشهم الإلكترونية في ظهور تسميات جديدة رافقت حركة الاحتجاجات التي طالب خلالها الشباب العراقي بحياة كريمة من دون بطالة وحروب، لتظهر ثنائية “الجوكرية والذيول” ويتحول العراقيون إلى فريقين: أحدهما يتهم الآخر بعدم الولاء للوطن.
واستأنفت الحركة الاحتجاجية فعالياتها بعد خفض التصعيد بين طهران وواشنطن، الذي أثر بشكل مباشر على ساحات الاعتصام، خاصة أن مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي بغارة أميركية كان على الأراضي العراقية، في حين جاء الرد الإيراني باستهداف التواجد الأميركي في الأنبار وأربيل على أراضي البلاد أيضا، وهو أمر رفضه المتظاهرون باعتباره خرقًا لسيادة العراق.
الجزيرة