ما هو موقف الحكومة البريطانية من التوتر الحاصل بالشرق الأوسط والمواجهة الأمريكية- الإيرانية؟ هل سيواصل رئيس الوزراء بوريس جونسون سياسة الدعم للرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟ أم أنه سيحاول رسم نهج يعلم موقف بريطانيا المتميز في مرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الاوروبي (البريكسيت)؟
يرى أليكس موراليس بمقال نشره موقع “بلومبيرغ” أن بريطانيا ستحاول البحث عن طرق لتخفيف التوتر الحالي ووضع لندن في موقع الوسيط بين إيران والاتحاد الأوروبي وأمريكا. ويقول إن موقف جونسون من المعاهدة النووية مع إيران يشير لمنعطف تواجهه بريطانيا في علاقاتها الدولية وهو إما الالتزام بالموقف الأوروبي الذي لا يزال يدعم الاتفاقية التي وقعت عام 2015 أو حرف نظره نحو أمريكا.
بريطانيا ستحاول البحث عن طرق لتخفيف التوتر الحالي ووضع لندن في موقع الوسيط بين إيران والاتحاد الأوروبي وأمريكا
ففي يوم الأحد انضمت بريطانيا إلى فرنسا وألمانيا بتأكيد التزامها في الاتفاقية النووية التي وقعتها الدول الغربية مع الجمهورية الإسلامية ووقعت عليها روسيا والصين. وجاء هذا الموقف بعد اعتقال السلطات الإيرانية السفير البريطاني في طهران لفترة وجيزة، مما دعا وزير الخارجية دومينك راب لإصدار بيان شديد اللهجة.
وجاء فيه أن “الحكومة البريطانية تقف على مفترق طرق” فهي “إما تواصل السير نحو وضعية الدولة المنبوذة بما فيها من عزلة سياسية واقتصادية وإما أن تتخذ الخطوات لتخفيف التوتر”. وما لم يقله الوزير هو أن بريطانيا نفسها تقف على منعطف طرق، فالطريقة التي سيتعامل فيها جونسون مع الملف الإيراني وبرنامجها النووي تشير إلى المدى الذي سيذهب إليه في التقرب من الرئيس ترامب حيث ستترك بريطانيا الاتحاد الأوروبي وتغير مواقفها القديمة.
وخرج ترامب من الاتفاقية النووية في عام 2018 وأعاد فرض العقوبات التي كانت مفروضة عليها قبل الاتفاق، فيما واصلت أوروبا التزامها بالاتفاقية النووية. ويقول موارليس إن بريطانيا ملتزمة في الوقت الحالي بالاتفاقية مع ألمانيا وفرنسا. وظلت بريطانيا تؤكد أن الاتفاقية لا تزال فعالة رغم العقوبات المشددة التي مارستها واشنطن ضد طهران ووصلت ذروتها في 3 كانون الثاني (يناير) باغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في بغداد.
وأكد جونسون على هذه النقطة في اجتماع مجلس العموم يوم الأربعاء وفي البيان المشترك يوم الأحد والذي وقعت عليه المجموعة الثلاثية المعروفة بـ”إي 3″. وجاء فيه: “لقد عبرنا بوضوح عن قلقنا وحزننا من قرار الولايات المتحدة الخروج من الخطة الشاملة المشتركة للعمل وإعادتها فرض العقوبات على إيران”. وقالت الدول الثلاث: “رسالتنا واضحة: لا نزال ملتزمين بالاتفاقية والحفاظ عليها ونحث إيران على الالتزام بكل الإجراءات المتناسقة مع الاتفاق والعودة للالتزام الكامل بها”.
ويشير موراليس إلى أن بريطانيا لديها تاريخ معقد مع إيران، حيث سيطرت مرة على صناعة النفط، وعلى خلاف الولايات المتحدة التي لا تقيم علاقات رسمية مع طهران منذ عام 1980 لدى لندن سفارة في إيران والتي أعادت افتتاحها عام 2015 بعد أربعة أعوام من إغلاقها بعد تعرضها لهجوم أدى لإغلاقها. إلا أن العلاقة البريطانية- الإيرانية محفوفة بالمخاطر: فالإيرانيون يعتبرون أمريكا الشيطان الأكبر وبريطانيا الشيطان الأصغر. وهو ما بدا في أعقاب قتل سليماني عندما أحرق المتظاهرون الأعلام الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية.
وكانت الشكوك واضحة يوم السبت عندما احتجز السفير البريطاني روب ماكير بعدما اشترك في تظاهرة صامتة لتذكر ضحايا الطائرة الأوكرانية والتي تحولت إلى تظاهرة. واستدعت وزارة الخارجية الإيرانية ماكير لـ”تصرفه غير التقليدي وحضوره تجمعا غير قانوني”. واعتبر وزير الخارجية البريطاني راب الاعتقال “انتهاكا صارخا للقانون الدولي”، فيما قال ماكير بتغريدة على تويتر إنه غادر التجمع الصامت بعد خمس دقائق عندما تحول إلى تظاهرة.
ويقول الكاتب أن إيران تمثل فحصا لأولويات بريطانيا الأمنية، فهي من الناحية الجغرافية أقرب إلى إيران من الولايات المتحدة. كما أن دول الاتحاد الأوروبي ليست مستعدة لاستفزاز الجمهورية الإسلامية وهي تحاول العمل مع الهدف المشترك وهو منع إيران من الوصول لإنتاج القنبلة النووية.
وبعد البريكسيت لن تكون بريطانيا مضطرة للالتزام بالهدف المشترك مع الاتحاد الأوروبي مع أنها تريد علاقات قوية مع الكتلة الأوروبية. وفي الوقت نفسه تريد علاقات تجارية مع الولايات المتحدة وقد تتعرض لضغوط من إدارة ترامب لكي تصطف مع الأهداف التي تريد أمريكا تحقيقها. وبرزت شقوق في الموقف البريطاني من إيران أثناء اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي يوم الجمعة. ووقفت مع بولندا التي دعت دول الاتحاد الوقوف مع أمريكا والتخلي عن الاتفاقية النووية، حسب دبلوماسي كان حاضرا النقاشات.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتخلى فيها جونسون عن مواقفه. ففي أيلول (سبتمبر) قال: “مهما كان اعتراضكم على الاتفاقية النووية القديمة مع إيران فقد حان الوقت للتوصل إلى واحدة جديدة”. وكان بيان الدول الثلاث الأخير تعبيرا عن رغبة لجعل الاتفاقية مقبولة لترامب، وأن “هناك حاجة لتعريف إطار طويل الأمد للمشروع النووي الإيراني” وبناء على القيود التي وضعتها الاتفاقية المشتركة الشاملة للتحرك.
وقال مسؤول بريطاني إن الحكومة البريطانية تحاول جعل الاتفاقية مقبولة لترامب بدلا من التخلي عنها. وهو ما يؤشر لمحاولة بريطانيا التقريب بين المواقف الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وتحدث عنها رئيس الوزراء في مناقشة مجلس العموم والتي أعقبت التوتر في المنطقة بعد مقتل سليماني. وقال جونسون: “حققنا نجاحا كبيرا في بناء رد أوروبي وجمع الأوروبيين وردهم القريب من الرد الأمريكي”. ويبقى السؤال فيما إن كان جونسون قادرا على البقاء في الوسط بعد البريكسيت أو ستجبره المصالح التجارية لاختيار طرف.
إبراهيم دورويش
القدس العربي