بعد يومين من مضايقة زوارق إيرانية لسفن أميركية في الخليج، خرجت تعليقات من طهران من المستويين العسكري والسياسي على الحادث، أثارت موضوع الوجود العسكري الأميركي في المنطقة من جديد، محمّلة إيّاه مسؤولية التوترات في الخليج، مع التأكيد أن القوات الإيرانية تمارس مهامها على الحدود الإيرانية المائية.
ويعتبر الحادث الأخير، بالشكل الذي جرى به؛ الأوّل من نوعه خلال العامين الأخيرين، ويأتي بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منتصف عام 2018، “انتهاء” تهديدات الزوارق الإيرانية للسفن الأميركية في الخليج. ومن شأن هذا التوتر الجديد أن يفتح الباب أمام تصعيد جديد بين البلدين في المنطقة خلال المرحلة المقبلة، إذا ما استمرت هذه الاحتكاكات، وذلك بعدما دفع فيروس كورونا الجديد الطرفين إلى التركيز على الأوضاع الداخلية، إثر تفشيه الواسع في أراضيهما، لكن من دون أن يخفف هذا العدو المشترك حدة الاحتقان بينهما.
”
من شأن هذا التوتر الجديد أن يفتح الباب أمام تصعيد جديد بين البلدين في المنطقة خلال المرحلة المقبلة، إذا ما استمرت هذه الاحتكاكات، وذلك بعدما دفع فيروس كورونا الجديد الطرفين إلى التركيز على الأوضاع الداخلية
”
وخلال احتفالية لليوم الوطني للجيش الإيراني، اليوم الجمعة، بعد إلغاء مناورات بسبب كورونا، قال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي، في معرض رده على سؤال بشأن التوتر الأخير في مياه الخليج بين الزوارق الإيرانية والسفن الأميركية، إن “ما يثير التوتر في منطقة الخليج الفارسي هو الوجود غير الشرعي والعدواني للقوات الأميركية، التي جاءت من أقصى الدنيا إلى جوار حدودنا وتطرح مزاعم واهية”. وأكد وزير الدفاع الإيراني: “إننا في بيتنا، وهم جاءوا من آخر الدنيا لإحداث مشاكل لدول المنطقة عبر التهديد والعقوبات”.
من جهته، علّق وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، مساء الخميس، على الحادث من خلال إعادة تغريدة نشرها يوم الثالث من أغسطس/ آب 2018، قال فيها “ماذا يفعل الأميركيون على تخوم بيتنا على بعد سبعة آلاف ميل عن حدودهم”، مضيفا أن “القوات البحرية الأميركية لا يمكنها أن تجد طريقها في مياهنا، ربما لأنهم لا يعرفون اسمها”.
وقال الجيش الأميركي، مساء الأربعاء، إن 11 زورقا تابعا للحرس الثوري الإيراني اقتربت لمسافة خطيرة من سفن عسكرية أميركية في الخليج، واصفا الخطوة بأنها “خطيرة واستفزازية”.
وأضاف أن الزوارق الإيرانية اقتربت في لحظة ما لمسافة عشرة ياردات من السفينة “ماوي” التابعة لخفر السواحل الأميركي. وقال البيان إن السفن الأميركية أطلقت عدة تحذيرات بأجهزة اللاسلكي وبإطلاق أبواق السفن، مشيرا إلى أن الزوارق الإيرانية عادت أدراجها بعد حوالي ساعة.
وفي مقابلة مع محطة “فوكس نيوز” التلفزيونية، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ردا على سؤال عما إذا كان قد ناقش الحادث مع وزارة الدفاع (البنتاغون): “تحدثنا كفريق… نعكف على تقييم أفضل طريقة للرد، وأفضل طريقة لتوصيل استيائنا مما حدث”.
أما عن الدافع الإيراني وراء التحرش بالسفن الأميركية، فنقلت قناة “الجزيرة” القطرية، أمس الخميس، عن مصادر إيرانية، قولها إن ما جرى مع البحرية الأميركية هو رد على محاولة مقاتلة أميركية تجاوز مجالنا الجوي قبل أيام.
وعن حادث اقتراب الطائرة الأميركية من الأجواء الإيرانية، بث التلفزيون الإيراني، مساء 22 مارس/آذار الماضي، مقطع فيديو لتحذير أطلقته منظومة الدفاع الجوي التابعة للجيش الإيراني تجاه قاذفة F-18 أميركية، بعدما اقتربت من الأجواء الإيرانية.
وأضاف التلفزيون أن الطائرة الأميركية تجاهلت التحذيرات الإيرانية في بادئ الأمر، ما اضطر الدفاع الجوي الإيراني إلى “إطلاق تحذيره الأخير والإعلان عن إطلاق النار ما لم ترد الطائرة” على التحذيرات بالابتعاد عن الحدود الإيرانية، مشيرا إلى أنها “غيرت مسارها فور تهديد الجيش بإطلاق النار صوبها”.
وكانت المياه الخليجية قد شهدت خلال السنوات الماضية، وخصوصا عامي 2015 و2016، مواجهات واحتكاكات من هذا النوع بين البحرية الإيرانية والقطع البحرية العسكرية الأميركية، وهو ما استخدمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سياق هجماته المستمرة على سلفه الرئيس باراك أوباما، منتقدا سياساته تجاه إيران.
وفي السياق، أعلن ترامب يوم التاسع من يوليو/ تموز 2018، في تغريدة، “انتهاء” تهديدات وتحرشات البحرية الإيرانية بالسفن الأميركية في مياه الخليج، عازيا ذلك إلى سياسته ضد طهران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي يوم الثامن من مايو/ أيار 2018، والذي أعقبته توترات متزايدة بين الطرفين.
وكتب الرئيس الأميركي، في تغريدته، أن “مضايقة القوات الإيرانية للبحرية الأميركية خلال عام 2015 كانت 22 حالة، وفي عام 2016 بلغت 36، بينما في عام 2017 انخفضت إلى 14 حالة، لكنها في 2018 بلغت الصفر”.
وفي أهم أحداث بحرية في الخليج بين إيران والولايات المتحدة، احتجزت القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، يوم 12 يناير/ كانون الثاني 2016، زورقين حربيين أميركيين بعد دخولهما المياه الإيرانية في جزيرة “فارسي” “بصورة غير قانونية”، إلا أنه تم الإفراج عنهما بعد 15 ساعة على خلفية اتصالات وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف.
وتزامن حادث عام 2016 مع دخول الاتفاق النووي المبرم 14 يوليو/ تموز حيز التنفيذ، ما دفع مراقبين إلى اعتبار أن أسباب “الاحتجاز المهين” للبحارة الأميركيين تتجاوز دخولهم المياه الإيرانية إلى سعي الحرس الثوري الإيراني لإضعاف سياسة الحكومة الإيرانية “الاعتدالية” برئاسة حسن روحاني في الانفتاح على واشنطن والغرب، بعد التوقيع على الاتفاق النووي.
لكن الحادث الأخير قد تكون له دلالات أخرى، وفي سياقات مختلفة، أبعد من سابقاته، وأنه ليس مجرد تحرش لأسباب آنية، إذ أن الاحتكاك بالقوات البحرية الأميركية في هذا التوقيت قد يشير إلى محاولة إيرانية استئناف مضايقة السفن الأميركية من جديد، بعدما تجنبتها خلال العامين الأخيرين في عهد ترامب، حتى في عز التوتر مع الإدارة الأميركية. ولكن هذه المحاولة قد لا تكون بعيدة عن استراتيجية إيران في الضغط على القوات الأميركية في ساحات الاشتباك في المنطقة، بعد اغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني، مطلع العام الحالي في بغداد، حيث إنها بعد قصف صاروخي لقاعدة “عين الأسد” الأميركية في العراق، أعلنت أن ذلك يمثل “ردا أوليا”، وأن “ردها النهائي” هو العمل المستمر على طرد القوات الأميركية من المنطقة، وهو ما تعمل عليه في العراق عبر “الحشد الشعبي” الحليف لها.
العربي الجديد