قالت مجلة لوبوان (Le Point) الفرنسية إن المسرح الليبي يظهر مدى ضآلة وزن فرنسا في الشؤون العالمية عندما لا تعبئ أوروبا إلى جانبها، وإن سياستها في ليبيا وصلت إلى طريق مسدود ومصداقيتها الدبلوماسية تضررت ومصالحها تأثرت، لأن أمراء الحرب المحليين الذين تراهن عليهم أصبحوا مهمشين، بعد تسع سنوات من التدخل العسكري الغربي الذي ساهم في سقوط الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
وأوضحت المجلة في افتتاحية بقلم لوك دي باروشي، أن الصورة قاتمة بالنسبة لفرنسا، وأن النهج الفرنسي “لا يقنع شركاءنا”، حيث إنه من المهين أن لا تتلقى السلطات الفرنسية سوى دعم 8 من أصل 30 من حلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) عندما لجأت في نزاعها مع تركيا إلى بروكسل بعد حادث في البحر الأبيض المتوسط.
وقال الكاتب إن فشل هجوم جندي القذافي السابق اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس، أظهر عدمية محاولات تسوية النزاع عسكريا في بلد تم تسليمه إلى المليشيات والقبائل وجميع أنواع المهربين، مشيرا إلى أن الاحتمالين القائمين يتعارضان كليهما مع المصالح الأوروبية، فلا تجميد الصراع ولا تكريس التقسيم بين شرق (برقة) في يد حفتر وداعميه العرب والروس، وبين غرب (طرابلس) تحت حماية تركيا، إلا مدعاة لتفاقم القتال وتكثيف التدخل الأجنبي.
وقال الكاتب إن الصورة الجيوسياسية الشاملة كارثية بالنسبة لأوروبا، بعد أن تمكنت أنقرة وموسكو من الحصول على موطئ قدم في شمال أفريقيا بفضل الفوضى الليبية، لأن ذلك يمنحهما طرقا جديدة لابتزاز أوروبا بشأن مسائل الهجرة غير الشرعية وتوريد المحروقات والقتال ضد الجهاديين.
وبالقابل -كما يقول الكاتب- فإن تركيا وروسيا في وضع جيد الآن لإقامة قواعد بحرية أو عسكرية على الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي، وزيادة نفوذهما في المغرب العربي، وحتى في منطقة الساحل.
ومع أن دوامة الفشل تأتي من بعيد منذ عام 2011، ويتحمل أسلاف الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون نصيبهم من المسؤولية عنها، كما يرى الكاتب، فإن هناك ثلاثة أخطاء مستمرة تجعل السياسة التي تتبعها فرنسا غير واضحة، وتغذي التحيز في أوروبا ضدها.
وأول هذه الأخطاء -حسب المجلة- غموض الموقف، حيث لم تستطع باريس تبديد انطباع التحيز الذي التصق بها في هذا الصراع، منذ أن تم الكشف بالصدفة في عام 2016 أن قواتها الخاصة انخرطت سرا إلى جانب حفتر، خاصة أنه تم اكتشاف صواريخ فرنسية مضادة للدبابات في قاعدة لحفتر في عام 2019، ولذلك تستقبل العواصم الأوروبية اليوم بكثير من الشك ما تدعيه باريس من الحياد.
والخطأ الثاني -حسب الكاتب- هو الازدواجية في الخطاب التي تثير شكوك الحلفاء، حيث تدين باريس أنقرة بأقسى العبارات لانتهاكها حظر الأمم المتحدة على شحنات الأسلحة إلى ليبيا، وفي المقابل تتجاهل التجاوزات الخطيرة التي تقوم بها الإمارات وروسيا.
أما الخطأ الثالث فهو الاستفزازات المتهورة، وذلك باتخاذ فرنسا من تصرفات تركيا في ليبيا دليلا جديدا على ما تسميه “الموت الدماغي” للناتو، وهو ما لا يفيد ماكرون في تماسك أوروبا، إذ تعتبر معظم الدول الأعضاء أن الحلف عنصر حيوي لأمنها.
وختم الكاتب بأن فرنسا التي تقول إنها تخشى تحول ليبيا إلى النموذج السوري، لن تستطيع استعادة التأثير حتى تعيد بناء وحدة الاتحاد الأوروبي، وتدفعه إلى العمل لفرض وقف دائم لإطلاق النار وفرض حظر الأسلحة وتعزيز تسوية سياسية.
ورأى الكاتب أن اللحظة مواتية لآن بسبب الاهتمام الأميركي بالملف على خلفية قلق واشنطن من الحضور الروسي في شمال أفريقيا، وبالتالي على فرنسا أن تتفق مع شركائها الرئيسيين، لا سيما إيطاليا وألمانيا، من أجل تحقيق الأهداف التي تسعى إليها.
المصدر : الصحافة الفرنسية