قبيل نحو أسبوعين من انعقاد ثاني جلسات الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، والتي من المقرر أن يشارك فيها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، كشف مسؤول عراقي عن تضمين واشنطن فقرةً تتعلق بأسماء شخصياتٍ عراقية وسورية وإيرانية ولبنانية فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليها خلال العامين الماضيين. وترتبط الفقرة ببحث جدية التزام المصارف العراقية في عدم التعامل مع هذه الأسماء، فضلاً عن مناقشة إفلات بعضها من العقوبات عبر أنشطة يديرها أقرباء أو وكلاء لصالحها. ولفت المصدر إلى أن حكومة الكاظمي بصدد القيام بإصلاحات كبيرة في هذا المجال، وتحديداً داخل المصرف المركزي العراقي، الجهة المسؤولة عن الموضوع. ويأتي ذلك مع ترقب داخل الأوساط السياسية العراقية، لقائمة عقوبات أميركية جديدة بحق مسؤولين حكوميين وأمنيين وقياديين بارزين في “الحشد الشعبي”، على غرار عقوبات فرضتها واشنطن في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي على شخصيات عراقية، قالت إنها متورطة بقمع التظاهرات الشعبية وارتكاب انتهاكات.
ومن المقرر أن يشارك الكاظمي في جلسة الحوار الأميركية – العراقية الثانية، وذلك خلال زيارةٍ رسمية مرتقبة له إلى واشنطن نهاية شهر يوليو/تموز الحالي، بحسب ما كان كشف سابقاً وزير الخارجية فؤاد حسين.
مسؤولون أميركيون مقتنعون بوجود تحايل داخل العراق، مكّن المشمولين بالعقوبات، من مواصلة أنشطتهم التجارية والمالية
وخلال العامين الماضيين، واظبت وزارة الخزانة الأميركية، على الإعلان تباعاً، وعبر بياناتٍ رسمية صادرة عنها، عن إدراج عدد من الشخصيات والشركات العراقية على لائحة العقوبات، مرفقةً ذلك بقرارات إدانة لهم، ترتبط بما تقول إنها جرائم وانتهاكات في مجال حقوق الإنسان والفساد المالي ارتكبوها، وكذلك تعاونهم مع “حزب الله” اللبناني والحرس الثوري الإيراني. ومن أبرز هذه الأسماء، مدير “مصرف البلاد الإسلامي”، السياسي أراس حبيب، ومحافظا صلاح الدين ونينوى، أحمد الجبوري ونوفل حمادي العاكوب، والسياسي خميس الخنجر، وزعيم مليشيا “العصائب” قيس الخزعلي وشقيقه ليث الخزعلي، والقيادي في “الحشد الشعبي” حسين فالح اللامي. هذا بالإضافة إلى زعيم مليشيا “بابليون” ريان الكلداني، وزعيم مليشيا “الشبك” وعد القد، ومليشيا “النجباء” أكرم الكعبي. كما تضمنت اللوائح الأميركية شخصيات أخرى، من بينها مكي كاظم عبد الحميد الأسدي ومحمد الحساني بتهمة تهريب السلاح لصالح إيران، كما فرضت عقوبات على شركة تدعى “منابع ثروة الجنوب”.
وبحسب مسؤول عراقي بارز، فإن هناك مسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية مقتنعون بوجود تحايل داخل العراق، مكّن المشمولين بالعقوبات، سواء من العراقيين أو السوريين أو اللبنانيين أو الإيرانيين، من مواصلة أنشطتهم التجارية والمالية، والحصول على العملة الصعبة، ما دفع الأميركيين إلى تضمين فقرة كاملة في جلسة الحوار الثانية، تطالب بغداد بإجراء إصلاحات حيال ذلك. ولفت المصدر إلى أن المسؤولين الأميركيين يتهمون حكومة عادل عبد المهدي بعدم التجاوب مع العقوبات، والسماح لكثير من المدرجين على لوائحها، بسحب أرصدة أو تحويل أموال أو تنفيذ عمليات بيع وشراء، عبر وكلاء وأقرباء لهم، وبعلم المصرف المركزي العراقي ومصارف محلية أخرى.
كذلك كشف المسؤول العراقي أن حكومة الكاظمي ستقدم تعهدات إضافية في تشديد الالتزام بالعقوبات الأميركية، وإجراء إصلاحات داخل المصرف المركزي العراقي، كما سيتم فتح تحقيق مع الجهات المختصة لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء عدم تنفيذ قرارات في هذا الشأن قد تعرض العراق إلى عقوبات”. وأقرّ المصدر بوجود تأثيرات سياسية وفصائلية (الفصائل المسلحة) مرتبطة بإيران على المصرف المركزي، وعلى جهات رقابية أخرى، وأن أي التزام بالعقوبات يتم اعتباره من الجهات المنفذة للضغوطات بمثابة عمالة لصالح الولايات المتحدة.
ستقدم حكومة الكاظمي تعهدات إضافية في تشديد الالتزام بالعقوبات، وإجراء إصلاحات داخل المصرف المركزي
وأكد المصدر أنه لهذه الأسباب، يعتزم الكاظمي إجراء تغييرات جوهرية في المصرف المركزي خلال الفترة المقبلة.
من جهته، أكد المسؤول السابق في المصرف المركزي العراقي، محمود داغر، في اتصال مع “العربي الجديد”، التزام بلاده بالعقوبات الأميركية الصادرة بحقّ الشخصيات والشركات، مؤكداً أنه “يستحيل على العراق عدم تطبيق قرارات كهذه صادرة عن الخزانة الأميركية، كما أنه لن يجازف بعدم تطبيق قرارات أميركية، بهذه الأهمية. وأعاد داغر التذكير بأن الحكومة العراقية “أصدرت تعميماً على المصارف بأسماء من تمّ إدراجهم على لائحة العقوبات، وتم إيقاف التحويلات منهم وإليهم”، مشدداً على التزام بلاده “تنفيذ قرار هثل هذا إذا صدر ضد أي جهة أو شخصية”.
وأكد المسؤول السابق في “المركزي العراقي” أن عدم تطبيق بلاده لقرارات وزارة الخزانة الأميركية، يشكل خطورة اقتصادية على العراق والعراقيين، ما قد يوقف كل التحويلات المالية إلى العراق، ولهذا فالمصرف ملزم بتنفيذ ما يصدر من عقوبات بحق الشخصيات العراقية، أيا كانت”.
في المقابل، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، عن تحالف “الفتح”، كريم عليوي، إن “كتلته تنتظر موقفاً من حكومة الكاظمي إزاء رفض العقوبات أحادية الجانب على شخصيات وكيانات عراقية”، مقراً بأن حكومة عبد المهدي كانت رفضتها، كما كان لديها النية لإجراء مباحثات مع الجانب الأميركي حولها، باعتبار أنها عقوبات سياسية، ولا تستند إلى أي أدلة واقعية. ورأى عليوي في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “ينبغي على حكومة الكاظمي إكمال هذه المهمة، برفض أي نوع من العقوبات تطاول أي شخصية عراقية غير مدانة لدى القضاء المحلي، والعمل على رفع الأسماء من أي قائمة أميركية”.
لكن أحد أعضاء الوفد المفاوض في جلسة الحوار الأولى التي عقدت عبر دائرة تلفزيونية الشهر الماضي بين المسؤولين الأميركيين والعراقيين، أكد لـ”العربي الجديد”، أن ملفات الجلسة الثانية لم تحدد بشكل نهائي، وقد تكون شاملةً بسبب حضور الكاظمي إلى واشنطن ولقاءاته المفترضة بكبار مسؤولي الإدارة الأميركية، لكنه أوضح أنها تتمحور بشكل مبدئي حول الإرهاب وتعزيز قدرات العراق الأمنية والعسكرية، والأزمتين المالية والصحية والكهرباء وتعزيز سلطة القانون، ومحاربة الفساد المالي وتهديد الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران، والوجود العسكري الأميركي. واعتبر أن ملف التزام العراق بالعقوبات المفروضة على إيران، وعلى شخصيات وجهات مختلفة داخل العراق وخارجه، سيكون ضمن الملف السياسي الذي هو قيد المناقشة مع رئيس الحكومة.
عادل النواب
العربي الجديد