لليوم الثاني على التوالي، تتواصل عاصفة الجدل السياسي بشأن برنامج زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى العراق، والتي اعتبرها نواب وناشطون بأنها خرقت الأعراف الدبلوماسية، بسبب لقاءات جانبية للوزير الإيراني خلال زيارته، التي استمرت يوماً واحداً، انتهت بزيارة إلى أربيل، التقى خلالها مع المسؤولين الأكراد في حكومة الإقليم، بوقت بدا لافتاً عدم زيارته النجف وكربلاء كعادة المسؤولين الإيرانيين في زياراتهم، التي يحرصون فيها على التوجه نحو العتبات المقدسة في المدينتين جنوبي العراق.
وأجرى ظريف حال وصوله إلى بغداد، الأحد، زيارة إلى المكان الذي قُتل فيه قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد، كما أجرى لقاء مع رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، ولقاءات أخرى مع قيادات في “الحشد الشعبي”، وزعامات سياسية مختلفة.
ووفقاً لمسؤول حكومي عراقي، فإن “زيارة ظريف لمكان مقتل سليماني لم تكن ضمن جدول أعمال الزيارة، بل كانت من تخطيط السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي، وقد تم تأشير ذلك بوزارة الخارجية كمخالفة للبروتوكولات الدبلوماسية المعمول بها في الزيارات”.
وبين المسؤول الحكومي، لـ”العربي الجديد”، أن “لقاءات ظريف مع قيادات الحشد ورئيس مجلس القضاء الأعلى تمت ضمن جدول أعمال الزيارة بعلم مسبق، غير أنه يخالف أيضاً البروتوكولات في هذه اللقاءات المحددة”، متحدثاً عن “ازدواجية واضحة في التعامل مع زيارة المسؤولين الإيرانيين للعراق، وأي مسؤول آخر من دولة ثانية، بشأن جدول اللقاءات”، وفقاً لتعبيره.
ورغم علنية تلك اللقاءات وإصدار بيانات رسمية عنها، كان آخرها مجلس القضاء العراقي الذي أوضح أن لقاء رئيسه بوزير الخارجية الإيراني جاء لـ”بحث استمرار التحقيق بعملية مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد أبو مهدي المهندس، إلا أنها ما زالت تلاقي رفضاً من أطراف، وتعتبرها أطراف أخرى داخل العراق طبيعية بالوقت نفسه”.
مسؤول حكومي لـ”العربي الجديد”: لقاءات ظريف مع قيادات الحشد ورئيس مجلس القضاء الأعلى تمت ضمن جدول أعمال الزيارة بعلم مسبق، غير أنه يخالف أيضاً البروتوكولات في هذه اللقاءات المحددة (..) هناك ازدواجية واضحة في التعامل مع زيارة المسؤولين الإيرانيين للعراق، وأي مسؤول آخر من دولة ثانية، بشأن جدول اللقاءات
عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان السابق، ماجد شنكالي، حمل وزارة الخارجية العراقية مسؤولية تلك التجاوزات، مؤكداً أن “وزارة الخارجية للبلد المضيف هي الجهة التي تضع برنامج زيارة الضيف بالتنسيق مع وزارة الخارجية للضيف الزائر”، مؤكداً لـ”العربي الجديد”، أن “هناك شروطاً معروفة في الزيارات الدبلوماسية، إذ يجب أن يرافق أي ضيف مسؤول من الدولة المضيفة في كل تحرك له داخل البلد الذي يزوره”.
وأشار إلى أن “برنامج زيارة ظريف فيه كثير من الأمور غير المقبولة دبلوماسياً”، متسائلاً: “ما علاقة وزير خارجية إيران برئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي، أو قادة أحزاب عراقية؟”، مشدداً “في العرف الدبلوماسي لا يمكن أن تحدث تلك الزيارات، فهي خارج نطاق عمل ظريف ومسؤولياته”.
أما النائب عن تحالف القوى، رعد الدهلكي، فقد رأى أن تدخل الدول الخارجية، وخاصة إيران، في العراق لا يخفى على أحد”، مبيناً لـ”العربي الجديد”، أن “مجرد لقاء ظريف بقادة الحشد الشعبي يثير علامات استفهام دبلوماسية، فضلاً عن غير ذلك من تجاوز للأعراف الدبلوماسية”.
وحمّل الدهلكي رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي مسؤولية “إعادة الدولة ووضع حدود وضوابط لأي زائر بأن يلتزم بالبروتوكولات الدبلوماسية ولا يتجاوزها”، مشدداً على ضرورة أن “يعاد النظر في تلك الضوابط من قبل الحكومة، فالضيف يجب ألا يتحرك إلا ضمن خارطة طريق تسمح بها الدولة المضيفة له”.
ودعا وزارة الخارجية العراقية إلى “وضع النقاط على الحروف ضمن جدول أعمال الزيارات، سيما من طرف طهران، التي مازالت تتعامل بالمزاج التبعي تجاه العراق، وأن تفرض على مسؤوليها التعامل مع العراق كدولة ذات سيادة، وليس كحديقة خلفية لإيران”، مشيراً إلى أن “ظريف أراد أن يرسل رسائل بأن العراق ما زال تابعاً لإيران”.
فيما اعتبر النائب عن تحالف “الفتح”، فاضل جابر، زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بغداد بأنها “طبيعية ولا تحمل أي رسائل”، مضيفاً، في تصريحات صحافية له، أن “العراق يمتلك علاقات واسعة ومتشعبة مع إيران على كافة المستويات الأمنية والاقتصادية، ومن الطبيعي أن تتم مثل هكذا زيارة، خاصة مع الحكومة الجديدة”.
بينما وصف عضو حزب الدعوة في البصرة كاظم الساعدي الانتقادات للقاءات ظريف بأنها “تبقى أهون بكثير من الجنود الأميركيين بالعراق الموجودين رغم مطالبة البرلمان بقرار واضح خروجهم”، وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد”، بأن “الزيارات عادية جداً، وتحدث بشكل منسق، وهناك مصالح كبيرة باعتبار إيران والعراق دولتين جارتين بينهما مصالح كبيرة”.
الناشط كاظم البدهاني قال متسائلاً: “ما أهمية لقاء مسؤول أجنبي زائر مع مجلس القضاء الأعلى في الدولة المضيفة؟ ما هي العلاقة بين القضاء مِن جهة، والسياسة والعلاقات الدولية مِن جهة أخرى؟؟ كذلك ما هي علاقة وزير خارجية دولة جارة برؤساء أحزاب وكتل برلمانيه؟ ما هي الصفة الرسمية للحكيم التي تحت عنوانها يُنظم لقاؤه مع ظريف”.
فيما قال المحامي مصطفى عصام في تغريدة على موقع “تويتر”، بسؤال مشابه: “ما هي علاقة وزير الخارجية الإيراني برئيس مجلس القضاء الأعلى السيد فائق زيدان؟ أليس القضاء جهة مستقلة!”.
سلام الجاف
العربي الجديد