“في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، خاطب بوعز غانور وحسين عبد الحسين منتدى سياسي في معهد واشنطن. والسيد غانور هو عميد مشارك في “كلية لودر للدراسات الحكومية” والمدير التنفيذي لـ “المعهد الدولي لبحث السياسة ضد الإرهاب” في “المركز متعدد المجالات في هرتسيليا”. والسيد عبد الحسين هو مراسل صحيفة “الرأي” الكويتية في واشنطن ورئيس التحرير السابق لصحيفة “ديلي ستار” التي تصدر في بيروت. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهما”.
بوعز غانور
بات مفهوم تصدير ثورة آية الله الخميني الشيعية من العوامل الرئيسية التي تصيغ السياسة الخارجية الإيرانية ابتداءً من أوائل الثمانينات. وقد تكونت عندئذٍ الفكرة في إقامة هلال شيعي يضم إيران والعراق وسوريا ولبنان. ونتيجة لذلك أنشأت طهران «حزب الله»، ذراع الدولة القوي، من خلال دعم القدرات العسكرية لـ «الحزب» وجعله واحداً من أقوى الأطراف غير الحكومية الفاعلة في المنطقة.
ويملك «حزب الله» اليوم حوالي 100 ألف صاروخ وقذيفة، الأمر الذي يشكل تحدياً غير مسبوق من المنظور الإسرائيلي. وتشمل اسراتيجية «حزب الله» للجولة المقبلة من المواجهات مع إسرائيل شن هجمات مفاجئة يَطلق خلالها «الحزب» مئات أو آلاف الصواريخ يومياً عبر الحدود. ويعتقد «الحزب» أن من شأن هذه المنهجية أن تحبط قدرات إسرائيل التقنية والدفاعية. بيد، قد لا تُنفَذ هذه الجولة في أي وقت قريب، إذ تنظر إيران إلى «حزب الله» كرادع استراتيجي ضد الضربات العسكرية الإسرائيلية على منشآتها النووية، لذا فإن إطلاق العنان لقدرات «الحزب» في الوقت الراهن سيأتي بنتائج عكسية.
ويحاول «حزب الله» أيضاً الاستيلاء على المدن والقرى السورية القريبة من الحدود اللبنانية. وبدون وجود «الحزب» في سوريا، يمكن القول أن نظام بشار الأسد كان قد خسر الحرب بحلول هذا الوقت، ولكان الوضع الراهن مختلف جداً. فعندما بدأ «حزب الله» بالتدخل، انتقد العديد من اللبنانيين – بمن فيهم الشيعة – «الحزب» لإعطائه الأولوية لمصالح إيران. إلا أن ذلك تغيّر مع بروز الاعتقاد بأن الجماعات الجهادية مثل «جبهة النصرة» و تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/ «الدولة الإسلامية» تهدد لبنان. ويستعيد «حزب الله» حالياً قوته السياسية في صفوف أتباعه الأساسيين، والذين يَعتقد الكثير منهم أن الجماعة تحميهم من تداعيات الوضع في سوريا.
وفي حال فوز نظام الأسد في الحرب، سيتعزز تحالفه مع إيران و «حزب الله»، الأمر الذي يشكل تحدياً أكبر بكثير بالنسبة لإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك يكتسب «حزب الله» خبرة عسكرية من المرجح أن تجعل المعركة البرية القادمة مع إسرائيل أكثر صعوبة بكثير من المواجهات الماضية.
أما ذا انتصر الثوار في الحرب، فربما يتم تقسيم سوريا، الأمر الذي يزيد من التهديد المحتمل لشن هجمات على حدود إسرائيل. كما أن انتصار «الدولة الإسلامية» قد يشكل أيضاً تهديداً متنامياً. وقد أدت التوترات بين تنظيم «القاعدة» و «داعش» إلى انفصال الجماعتين عن بعضهما البعض، بعد أن أشار زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية»، أبو بكر البغدادي، إلى نفسه بصفته سلطة دينية أعلى. إن «داعش» في الوقت الحالي عبارة عن تنظيم مستقر يتمتع بعزيمة قوية وأقام منشآت مدنية وعسكرية ويحاول كسب المزيد من السيطرة في سوريا والعراق. وتنضم إليه الآن جماعات أخرى منشقة عن تنظيم «القاعدة» وتتقبل سلطة البغدادي. كما وأنّ «الدولة الإسلامية» فاعلة في تجنيد المقاتلين الأجانب بشكل فردي، وتجذب عدداً كبيراً من الجهاديين يتراوح حالياً بين 10-15 ألف جهادي في سوريا.
وفي 8 آب/أغسطس أعلن الرئيس الأمريكي أوباما عن توجيه ضربات جوية ضد «داعش»، بينما قال رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي ووزير الدفاع تشاك هيغل إن الولايات المتحدة في حالة حرب مع التنظيم. فإذا كانت هذه حرباً بالفعل، من المتوقع رؤية مستوى معين من النشاطات والكفاءة. لكن كنسبة متوسطة، يتم شن حوالي خمس ضربات جوية يومياً في العراق بقيادة الولايات المتحدة. وبالمقارنة، نتج عن الجولة الأخيرة من الاشتباكات بين إسرائيل وحركة «حماس» في غزة شن حوالي 160 ضربة جوية في اليوم. وفي 10 أيلول/سبتمبر، أعلن الرئيس أوباما أيضاً عن إطلاق حملة قصف منهجية مفتوحة ضد مقاتلي «الدولة الإسلامية» في سوريا، ولكن بعد مرور أسبوعين من ذلك الإعلان لم يتم شن سوى ثلاثة وثلاثين ضربة جوية في البلاد. ولا يبدو أن ذلك مشابهاً لحالة حرب.
حسين عبد الحسين
في أواخر آب/أغسطس، سيطرت مجموعة من الثوار – تضم بشكل رئيسي مقاتلين من «جبهة النصرة» – على معبر القنيطرة على الحدود السورية. ومنذ ذلك الحين، فرض الثوار سيطرتهم على حوالي 80 بالمائة من المنطقة المتاخمة للحزام منزوع السلاح الذي يخضع لحراسة قوات المراقبة الدولية التابعة للأمم المتحدة، الأمر الذي وضع «جبهة النصرة» وجهاً لوجه مع إسرائيل. لكن على الرغم من هذا القرب، أحجمت المجموعة إلى حد كبير عن مهاجمة إسرائيل. وبغية فهم الأسباب الكامنة وراء ذلك، لا بد من فهم طبيعة الحرب السورية العشائرية.
لقد أطلق المثقفون والمنظمات غير الحكومية وأعضاء المجتمع المدني هذه الثورة بهدف تحقيق الديمقراطية. ومع تفكك سلطة الحكومة المركزية – ليس فقط في سوريا بل في العراق أيضاً – لجأ الكثير من الناس مرة أخرى إلى العنصر الاجتماعي الأساسي الذي يمكن أن يوفر لهم السلامة وهو العشائر. ومنذ ذلك الحين استند جزء كبير مما حدث على السياسة العشائرية، وليس على الأيديولوجيات الكبرى.
ولا بد من الإشارة إلى أن السياسة العشائرية في هذه المنطقة معقدة للغاية. فبعض العشائر تقطن على جانبي الحدود السورية اللبنانية، مثل منطقة “وادي خالد”، التي يتبع نسب عشائرها إلى خالد بن الوليد في مدينة حمص السورية. وعندما بدأت الثورة في عام 2011، قام أفراد هذه العشائر بتهريب الأموال والأسلحة لأبناء عشائرهم على جانبي الحدود. أضف إلى ذلك أن عشائر “عرسال” تنتشر على جانبي الحدود السورية اللبنانية أيضاً، والعديد من أعضائها مقيمين في بلدة سنية لبنانية تحيط بها قرى شيعية. وقد ساعد أفراد تلك العشائر الثوار الذين قاتلوا الأسد و «حزب الله» في معارك القصير في 2012-2013. وتنحدر أغلب عشائر “عرسال” من تحالف عشائر “العنزة” وتتشابه مع عشائر “وادي خالد” وعشيرة “آل سعود” من العائلة المالكة السعودية. أما باتجاه الجنوب، فتعيش عشائر العرب مثل “حراك” و “فاعور”.
ويقع الجزء الأكبر من قوات “عنزة” العشائرية الشمالية،”حراك” و “فاعور”، تحت رعاية إثنين من أبرز أعضاء البرلمان السوري: نوري الشعلان وعبد الإله ثامر الملحم، وهما مواطنيْن سعودييْن. ومنذ بدء الثورة، كان هذان الشيخان يمولان كتائب “الجيش السوري الحر” في المنطقة، وبدورها، كانت تلك الكتائب تستخدم المال لشراء الأسلحة في السوق السوداء.
وتختلف العشائر في الجزء الجنوبي من الحدود السورية في سلسلة النسب. ففي منطقة درعا في جنوب غرب سوريا هناك سبعة قبائل مستقرة (غيرمتنقلة) إلى حد كبير وتقيم هناك منذ مدة تزيد عن خمسة قرون، من بينها “الحريري” و “الرفاعي” و “المقداد”. وهناك عشائر عربية ومجتمعات درزية وعشائر بدوية (على سبيل المثال، “الفضل” و “النُعيم”) تعيش أيضاً بصورة منفصلة في المنطقة.
وكان والد بشار الأسد، الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، ذو خبرة ومعرفة عميقة في التعامل مع القبائل، حيث غالباً ما كان يُعطي وظائف حكومية لأعضاء الجماعات المستقرة. وعندما تولى بشار الأسد السلطة بعد وفاة والده، كان هدفه الأساسي هو تحرير الاقتصاد. وللقيام بذلك، خفض البيروقراطية، الأمر الذي زاد البطالة بين أبناء هذه القبائل. وشكلت تلك الخطوة جزءً مهماً من استيائها من حكومته.
كما أن الإنحلال في السلطة المركزية قد دفع العشائر إلى البحث عن شركاء يتّسمون بالاستقرار. وقبل عقد من الزمن كانت هذه الدينامية قائمة في العراق ومؤخراً في سوريا. وفي الماضي، نظرت العشائر في جميع أنحاء المنطقة إلى الولايات المتحدة باعتبارها شريكاً موثوقاً به بسبب تدخلها القوي في العراق في الفترة 2006-2007، عندما أخْلت القوات الأمريكية البلدات وسلمتها لرجال العشائر التي كانت قد دربتهم. ولكن بعد عام 2009، عندما بادرت الحكومة الأمريكية بسياستها في الانسحاب من العراق، خضعت القوى العشائرية السنية لسيطرة منافسها الشيعي، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي خفّض رواتب أبنائها وحل قيادتها. لذا بدأت هذه العشائر تبحث عن رعاة آخرين. وعلى نحو مماثل، بحثت القبائل في سوريا عن رعاة جدد عندما اندلعت الثورة في البلاد.
هذه هي البيئة التي تزدهر في إطارها «داعش» و «جبهة النصرة». فالعشائر التي بايعت أي من هاتين الجماعتين ترفع علمها وتطبق الشريعة ليس بسبب الأيديولوجية، بل مقابل السلاح والمال. وبغض النظر عن الأعضاء الأساسيين في «جبهة النصرة»، فإن الكثير من التابعين لها يستوحون تصرفهم من السياسات العشائرية المحلية.
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/
the-new-tri-border-region-emerging-threats-along-the-israel-lebanon-syria-f