العدّ التنازلي قد بدأ. المفاوضات المراوغة حول النووي الإيراني يجب أن تستأنف يوم الثلاثاء 18 نوفمبر في فيينا في محاولة للتوصّل إلى تسوية نهائية قبل 24 نوفمبر. هذا الموعد النهائي تمّ تحديده بعد اتفاق وساطة توصل إليه منذ عام في جنيف الإيرانيون والقوى الكبرى في مجموعة الـ 5 + 1، الّتي تضمّ الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة بالإضافة إلى ألمانيا.
بعد عشر سنوات من المحاولات غير المثمرة، بقي أقل من أسبوع للتوصّل إلى اتّفاق يفتح الطريق أمام تطبيع العلاقات مع إيران، وسيكون له تأثير عميق على الشرق الأوسط حيث تلعب إيران دورًا رئيسًا في سوريا والعراق ولبنان. في المقابل سيؤدي أي فشل إلى تسريع السباق نحو القنبلة النووية في منطقة مضطربة للغاية؛ إذ إن العربية السعودية -خصم إيران التاريخي- وضعت أسسًا لبرنامج نووي سلمي؛ وبالتالي، سيقوم صراع ضد الانتشار النووي.
وإن كان لا تزال هناك اختلافات عميقة بين الإيرانيين والغرب، فإن المحادثات لم تكن أبدًا قريبة من الهدف كما الآن. لم يختف انعدام الثقة والشكّ المتبادل بين الطرفين، وبعد 10 سنوات من البدايات المتعثّرة والفشل، هذه المفاوضات “لم يسبق لها مثيل في تاريخ الدبلوماسية” حسب خبير مطّلع على الملف، بسبب تعقيده التقني وعدد الفاعلين فيه وأهميّته الاستراتيجية.
رغبة مشتركة في التوصل إلى اتفاق
“التحديّات هائلة، والظروف من النادر ما كانت مواتية، هناك تطابق فريد بين الأجندات السياسية والأمزجة الشخصية” حسب علي واعظ المتخصّص في الشؤون الإيرانية في International Crisis Group (ICG). لأوّل مرة منذ زمن، للإيرانيين والأمريكيين رغبة مشتركة في التوصل إلى اتفاق، بالإضافة إلى أن الحوار أقل توتّرًا من قبل، هناك توافق بين وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ووزير الخارجية الإيرانية اللطيف محمد جواد ظريف، الّذي أمضى فترة أساسية من حياته المهنية في الولايات المتّحدة، كما إنّ المحادثات تتمّ مباشرة باللغة الإنجليزية على عكس ما كان من قبل، ويعرفان بعضيهما جيدًا بحكم المحادثات المستمرة تقريبًا بلا انقطاع منذ عام.
العديد من العوامل كانت غائبة خلال المفاوضات الأولى قبل عشر سنوات. آنذاك، الرئيس الأمريكي جورج بوش كان دائمًا ضدّ طهران وأراد جرّ إيران أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة، بعد أن تمّ الكشف سنة 2002 عن بناء موقع تخصيب في “نطنز” ومفاعل المياه الثقيلة في “أراك”.
واستوجب الأمر براعة دومينيك دو فيلبان وزير الخارجية [الفرنسي] آنذاك، تحت رئاسة جاك شيراك، لوقف هذا التصعيد، في أكتوبر 2003 زار طهران بصحبة نظيريه البريطاني والألماني، جاك ستراو ويوشكا فيشر. السياق الإقليمي كان متوترًا؛ إذ في أبريل غزت الولايات المتحدة العراق وأسقطت نظام صدام حسين، وخشيت إيران في المقابل من تكلفة التدخّل العسكري، وأراد الثلاثي الدبلوماسي الأوروبي بيان أنّ مسألة أسلحة الدمار الشامل -علّة الحرب على العراق- يمكن أن تحلّ بطريقة أخرى غير القوّة.
الخطوات الأولى كانت مشجعة، إذ إنّ الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي كان في السلطة وكلّف حسن روحاني -الرئيس الإيراني الحالي- بقيادة المحادثات. جمّدت إيران برنامجها النووي وقبلت حضور بعثات تفتيش من الوكالة العالمية للطاقة الذرية. احتوت البلاد آنذاك على 160 طاردة نووية مقابل نحو 20 ألفًا اليوم لتخصيب اليورانيوم، ويمكن استعماله لصناعة قنبلة نووية، باعتبار أنه مخصّب على مستوى عال. في المقابل، أبدى الأوروبيون استعدادهم لمساعدة إيران على تطوير محطّات نووية مدنية.
حلقة مفرغة من التصعيد المتبادل
ولكن خلال سنتين، أصبحت المبادرة قصيرة. تأخر الأوروبيون في تنفيذ وعودهم، والأمريكان حذّروا جميع الشركات من أي خرق للعقوبات الّتي فرضتها واشنطن على إيران، وهي غير مرتبطة بالملف النووي وإنما أتت كردّ على أخذ طاقم السفارة الأمريكية في طهران كرهائن سنة 1979 خلال الثورة الإسلامية. ولكن، الفيتو حال دون أي تعاون تكنولوجي مع إيران حول برنامجها النووي المدني وخشيت المجموعات الأوروبية من ضربات واشنطن. “شعر الإيرانيون بأنهم يطلبون القمر دون وضع أي شرط معقول على الطاولة” نقلًا عن فرنسوا نيكولو، الّذي شهد على هذه الحقبة بصفته سفير فرنسا في طهران.
أمام هذه العوائق، فقد الإيرانيون صبرهم وأعادوا إطلاق برنامجهم النووي. وساعد انتخاب الوطني جدًّا الرئيس محمود أحمدي نجاد في 2005 على تحقيق هذا المخطّط. وفي 2006، تبنّت الأمم المتحدة أول قرار يقضي بفرض عقوبات على إيران، تلته خمسة قرارات أخرى. استهلكت القطيعة، ثمّ كان الانسداد التام، حتّى الوصول إلى اتفاق مؤقت في 24 نوفمبر 2013، وقّع في جنيف. بين 2005 و2013، حسب علي واعظ “لم تكن هناك سوى حلقة مفرغة من التصعيد المتبادل: كلّما رفعت إيران من عدد طارداتها، كلّما زادت العقوبات الدولية”.
إلا أنّ وصول باراك أوباما إلى الحكم غيّر المعطيات. إذ راسل الرئيس الأمريكي الجديد للمرشد الأعلى علي خامنئي في مايو 2009 وعبّر عن استعداده لإعادة إطلاق العملية الدبلوماسية، إلا أنّ محيطه كان منقسمًا، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون كانت متشككة بشكل علني.
في صيف 2009، اتّخذ أوباما خطوة، اقترح على الإيرانيين منحهم اليورانيوم المخصّب بدرجة 20 % الذي يحتاجونه في أبحاثهم الطبية في إيران والذي لم يتمكّنوا حتّى تلك المرحلة من إنتاجه. في المقابل، على إيران أن تعطي الغرب مخزونها من نصف طن من اليوارنيوم المخصّب بـ 5 % الكافية للانطلاق في صناعة السلاح النووي.
ولكن، المبادرة مرّة أخرى أصبحت قصيرة. إذ إن المرشد الأعلى في إيران رأى أنّ هذا الاتّفاق يخدم بداية غريمه أحمدي نجاد وينسف العملية بأكملها، وفي الولايات المتحدة عبرّ المعارضون لهذا الإجراء عن رفضهم.
ومنذ إطلاق المفاوضات الأولى، هناك أمر ثابت -حسب أولي هاينون المدير المساعد السابق لوكالة الطاقة الذرية- “في كل مرة كان هناك اقتراح لحلّ الصراع، كان دائمًا غير كاف ومتأخر”، فعندما كانت إيران مستعدة للتفاوض في 2003، لم تكن الولايات المتحدة مستعدة؛ والعكس.
إرخاء قبضة العقوبات
تمّت العودة إلى المشروع في 2010 من قبل البرازيل وتركيا، وهي المرة الأولى التي تتدخّل دول ناشئة في النقاش. ولتجاوز مخاوف إيران الّتي تخشى تسليم طنّ اليورانيوم دون مقابل، اقترحت تركيا تخزينه واستعادته في حال الفشل، وهذه المرة أفشلت هيلاري كلينتون المخطّط.
ووجب الانتظار للانتخابات المفاجئة للرئيس المعتدل الإيراني حسن روحاني في يونيو 2013، ليحدث انفراج في الوضع. بعد 10 سنوات من المواجهة العقيمة، “الجميع كان ضائعًا” نقلًا عن جورج بركوفيش الباحث في مؤسسة كارينغي. “خسرت طهران بسبب العقوبات أكثر من 150 مليار يورو، ولم ينجح الغرب في القضاء على قدرات إيران على تخصيب اليورانيوم؛ إذ تضاعف عدد الطاردات مئة مرة”.
اليوم، يدرك الجميع أنّ مع إطالة الوقت تصبح التسوية أكثر تعقيدًا. الرئيس روحاني -تحت رقابة عالية من قبل “المتعصبين” من النظام- يحتاج إلى التوصل إلى اتفاق لتأكيد سلطته وإرخاء قبضة العقوبات. والغرب، يدركون جيّدًا أن كلّما تطورّ البرنامج الإيراني كلّما سيصعب إيقافه. بالإضافة إلى أنّ مباشرة الكونغرس الأمريكي القادم لأعماله تحت سيطرة الجمهوريين، قد يحدّ من هامش عمل باراك أوباما.
والاتفاق الّذي عقد في جنيف في 2013، كان أوّل خطوة فريدة نحو التسوية. ولكن، للذهاب بعيدًا “يجب أن تتجاوز المعادلة النهائية النووي” حسب أولي هينون، الشاك في التعاطف مع النظام الإيراني. كما يعتقد أن “الغرب يجب أن يقترح “صفقة مهمة” على الإيرانيين، توقيف تخصيب اليورانيوم مقابل “خطة مارشال” بقيمة 10 مليار يورو، لتجديد القطاعات المهمة في الاقتصاد”، أي: التحديث مقابل التخلّي عن القنبلة.
في هذه المرحلة، الأمر ليس مطروحًا. ولكن، من الواضح أن الأساليب المستخدمة خلال عشر سنوات لم تؤت ثمارها. رغم فرض عقوبات دولية غير مسبوقة على طهران، لم يتوقف تطوير البرنامج النووي الإيراني. ونقلًا عن علي واعظ “من الملحّ إيجاد وصفات جديدة”، الساعة تدور لم يبق سوى أقل من أسبوع للخروج من هذا الطريق المسدود.
صحيفة التقرير الالكترونية
http://goo.gl/AYQbPl
الكلمات الدلالية :الملف النووي الإيراني،العقوبات،محادثات،مجموعة الـ 5 + 1،الولايات المتحدة،العراق