فشلت المليارات التي أنفقها النظام الإيراني على سوق الصرف في إنقاذ الريال من الانهيار مقابل الدولار الأميركي، بعد تجاوز الورقة الأميركية الخضراء مستوى 300 ألف، لتتصدر العملة الإيرانية قائمة أكبر العملات الخاسرة مقابل الدولار.
ومنذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي لإيران مع مجموعة (5+1) في مايو (أيار) 2018، حتى الوقت الحالي، فقد الريال الإيراني ما نسبته 78.66 في المئة من قيمته أمام الدولار الأميركي، إذ ارتفع سعر العملة الأميركية من 64 ألف ريال في مايو 2018، إلى مستواه الحالي البالغ 300 ألف ريال للدولار الواحد.
في الوقت نفسه، تسود حالة من الخوف بين المتعاملين في سوق الصرف الإيرانية مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، في ظل توقعات بتسجيل الورقة الأميركية الخضراء مستوى 500 ألف ريال في حال أعيد انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب لفترة رئاسية ثانية.
وتسببت العقوبات الأميركية في مضاعفة خسائر الاقتصاد الإيراني، إذ تشير البيانات إلى أن صادرات إيران من النفط هوَت في الوقت الحالي إلى مستوى أقل من 70 ألف برميل يومياً، مقابل نحو 4 ملايين برميل يومياً قبل تنفيذ العقوبات الأميركية. ما يعني أن إجمالي الصادرات انخفض بنسبة 99.8 في المئة.
ووفق حسابات “اندبندنت عربية”، فإنه مع احتساب سعر برميل النفط عند مستواه الحالي عند متوسط 40 دولاراً للبرميل، فإن عائدات إيران من النفط في الوقت الحالي تبلغ نحو 2.8 مليون دولار يومياً، مقابل نحو 160 مليون دولار يومياً قبل تطبيق العقوبات، مسجلة خسائر يومية تتجاوز نحو 157.2 مليون دولار، وتراجعاً يقدر بنحو 99.98 في المئة.
لكن، في حال كانت إيران مستمرة في تصدير 4 ملايين برميل يومياً، فإنها كانت ستحصل على عائدات شهرية تقدر بنحو 4.8 مليارات دولار، وسنوية تبلغ نحو 57.6 مليار دولار بنسبة انخفاض تبلغ نحو 91.8 في المئة.
وقبل أيام، أقر الرئيس الإيراني حسن روحاني، بأن بلاده خسرت أكثر من 150 مليار دولار من الإيرادات منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المبرم بين البلدين، الموقّع عام 2015، وإعادة فرض العقوبات على اقتصادها.
عقوبات جديدة لوضع إيران في عزلة مالية
في الوقت نفسه، تدرس إدارة الرئيس ترمب فرض عقوبات جديدة على النظام الإيراني تزيد من عزلة اقتصاد طهران عن العالم، وعرقلة خطط المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي في حال الفوز بالانتخابات.
وفي تقرير حديث، نقلت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، عن ثلاثة مصادر مطلعة، القول إن الإدارة الأميركية تدرس فرض عقوبات جديدة للفصل النهائي لاقتصاد إيران عن العالم، إلا في ظروف محدودة، من خلال استهداف أكثر من 10 مصارف، وتصنيف القطاع المالي على أنه محظور.
وستؤدي هذه الخطوة إلى عزل إيران نهائياً عن النظام المالي العالمي. ما يؤدي إلى قطع الروابط القانونية القليلة المتبقية لديها، وجعلها تعتمد أكثر على التجارة غير الرسمية أو غير المشروعة.
وتسببت العقوبات الدولية في أن يحتل الاقتصاد الإيراني المركز الأول عالمياً من حيث مؤشر البؤس الذي يضم مجموع معدلي التضخم والبطالة. وخلال العام الماضي، كانت إيران تحتل المرتبة الرابعة في سوء الأوضاع الاقتصادية بعد فنزويلا والبوسنة والهرسك وجنوب أفريقيا، إلا أن استمرار العقوبات الدولية جعل الأوضاع الاقتصادية أكثر تأزماً.
وفيما تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى استمرار ارتفاع معدل البطالة في إيران ليصل إلى مستوى 20.1 في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة، أظهرت بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الإيراني، أن عدد العاطلين من العمل زاد مليونين خلال الربع الأول من العام الحالي. وأشار إلى أن معدل النمو الاقتصادي الإيراني خلال العام الماضي كان سلبياً بنسبة 7 في المئة.
وفي منتصف فبراير (شباط) الماضي، أشار تقرير للمصرف المركزي الإيراني إلى أن البلاد تعاني من ارتفاع حاد في حجم المعروض النقدي، وزيادة الاقتراض الحكومي من المصارف. وتعد زيادة السيولة أهم عوامل ارتفاع التضخم في إيران، الذي يبلغ حوالي 40 في المئة وفقاً للبيانات الصادرة عن المركز الإحصائي في إيران. وهذا يعني أن الحكومة تطبع أموالاً يتم توفيرها للمصارف التي تسيطر عليها الدولة في إيران، ثم تقترض من هذه المصارف.
كيف يبرر محافظ المصرف المركزي الأوضاع الصعبة؟
في تصريحات حديثة، قال محافظ المصرف المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، إن الأنباء المرتبطة بخطة إدارة الرئيس الأميركي، التي تهدف إلى “عزل النظام المالي الإيراني”، كان لها “أثر نفسي” على سوق الصرف الإيراني الأجنبي.
ووفق راديو “فردا”، أشار محافظ المصرف المركزي الإيراني إلى ارتفاع أسعار العملات الصعبة في سوق “فوركس” في إيران، قائلاً إن الوضع أدى إلى “هجمات منظمة، وأحياناً بأهداف معينة، ضد المصرف المركزي الإيراني”.
ووفق خطة ترمب، ستصنف الإدارة الأميركية القطاع المالي الإيراني بموجب الأمر التنفيذي 13902، الذي وقعه الرئيس الأميركي في يناير (كانون الثاني) الماضي، لتضييق الخناق على قطاعات التعدين والبناء والصناعات الأخرى في إيران. وسيؤثر ذلك، ليس على المصارف والعاملين في تحويل الأموال، وإنما على “نظام الحوالة” غير الرسمي الذي شاع استخدامه في إيران، بسبب القيود على نظامها المالي الرسمي جراء العقوبات الأميركية.
وبعد ذلك، من المقرر أن تدرج الإدارة نحو 14 مصرفاً في إيران على القائمة السوداء، إذ كانت هذه المصارف قد تمكنت من الإفلات من بعض القيود الأميركية. وستفرض العقوبات على هذه المصارف في إطار ملاحقة الكيانات المرتبطة بالإرهاب، وبرنامج تطوير الصواريخ الباليستية، وانتهاكات حقوق الإنسان.
وقالت وكالة “بلومبرغ” إن هذه العقوبات “ستؤدي فعلياً إلى عزل إيران، التي يعاني اقتصادها بسبب الخسائر العنيفة في مبيعات النفط ومجالات التجارة الأخرى بسبب القيود والعقوبات الأميركية”. وأوضحت الوكالة أنه من شأن عزل إيران عن النظام المالي العالمي أن يؤدي إلى “تقليص روابطها الشرعية القليلة المتبقية مع العالم الخارجي، وجعلها أكثر اعتماداً على التجارة غير الرسمية أو غير المشروعة”.
خالد المنشاوي
اندبندت عربي