الباحثة شذى خليل*
يواجه العراق مزيجا من الصدمات الحادة التي تعصف باقتصاده، حيث أدى الانهيار في أسعار النفط إلى حد كبير بخفض إيرادات الميزانية المالية العامة للدولة، والازمة الصحية التي سببها COVID-19 وتدابير الإغلاق اللازمة لاحتواء الوباء قد وجهت ضربة قاسية للأنشطة الاقتصادية خاصة قطاعات الخدمات مثل النقل والتجارة والسياحة الدينية والاستياء المتزايد على سوء تقديم الخدمات وتصاعد الفساد.
كل تلك الظروف باتت تنعكس وبشكل كبير على المواطن وبشكل مباشر اليوم الخوف من توقف صرف الرواتب والفقر المدقع والبطالة والركود… أزمات تلو الأخرى ناهيك عن عدم الاستقرار السياسي الذي اصبح واضحا وغير قادر على التخفيف من حدة تلك الازمات.
يتميز الاقتصاد العراقي بريعتيه التي اهدرت إيراداته ، وغابت الاستثمارات والبنى التحتية وجعلت البلد من سيء الى اسوأ تبعية كبيرة على عائدات النفط ، أي اقتصاد غير متنوع.
وبالنسبة الى القطاع الخاص ، فالتواجد الكبير للدولة في الأنشطة الاقتصادية والتجارية ، تجعل من الصعب خلق الوظائف المطلوبة في القطاع الخاص لسكان يغلب عليهم الشباب. علاوة على ذلك، تفشي الفساد وضعف الحكم وآثار تقديم الخدمات احتجاجات واسعة النطاق عبر ضعف الإطار الكلي للعراق.
ومشكلة العجز التي أصبحت تشكل فجوة كبيرة الموازنة المالية العامة وسد هذه الفجوة من خلال سندات العملة المحلية الذي يضعف الميزانية العمومية للبنك المركزي العراقي ويخلق ضغوطا عليها ، ويقدر عجز الحساب الجاري بنحو 18.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 ، يمكن أيضًا أن يسحب CBI احتياطيات العملة الأجنبية إلى أقل من 3 أشهر من الواردات بحلول2022 مما يؤدي إلى تفاقم ضعف البلد للصدمات الخارجية.
أعلن الجهاز المركزي للإحصاء، أن نصيب الفرد العراقي من الناتج المحلي للفصل الأول من العام الحالي بلغ 1100 دولار.
وقال الجهاز التابع لوزارة التخطيط في إحصائية له إن “متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي بالأسعار الجارية للنصف الأول من العام الحالي 2020 بلغ مليوناً و341 الف دينار أو ما يعادل 1100 دولار، مقارنة بالفصل الأول من عام 2019 الذي بلغ فيه مليوناً و707 ألف دينار او ما يعادل 1300 دولار بانخفاض بلغ 12.3%”.
و أن “متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي بالأسعار الجارية للنصف الأول من العام الحالي انخفض أيضاً عن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي للفصل الرابع من عام 2019 الذي بلغ 1400 دولار وبمعدل 21.4%”.
وكشفت دراسة للأمم المتحدة، في عام 2018 أن العراق يحتل المركز 108 عالمياً والـ10 عربياً من بين 122 دولة، في ترتيب الدول عالمياً لجهة مستوى دخل الفرد من الناتج المحلي الاجمالي بالدولار سنوياً.
يشخص الخبراء والمختصون وحتى بعض السياسيين الأسباب التي أصبحت واضحة لكن اصبح العجز اكبر من القدرة على المعالجة ؛ وما زالت البلاد واقتصادها يعانيان من أزمة مركبة وشديدة التعقيد وليس بالسهولة معالجتها في اطار العملية السياسية الحالية، بسبب الفساد المالي والاداري غير المسبوق في كل العالم.
ورصدت بعض الإحصاءات لتسليط الضوء على ما يعانيه المواطن ، فكانت عدد المسجلين تحت خط الفقر بأقل من 5 دولارات في اليوم اي بحدود 35% من الشعب وان 6% يتعاطون المخدرات والحشيش وان 9% نسبة عمالة الاطفال دون سن الـ 15 سنة.
أما بالنسبة للقطاع المالي فقد بلغ مجمل الديون العراقية 140 مليار دولار لصالح 29 دولة يضاف اليها ديون صندوق النقد الدولي و 6 شركات نفط غربية وديون نادي باريس.
هذا اذا علمنا ان مبيعاتنا من النفط خلال الفترة 2006 و2014 وفترة ارتفاع أسعار النفط بحدود ترليون دولار، ولم تسهم بحل أية مشكله حيث بلغت نسبة الهدر بحدود 450 مليار دولار.
وكشفت جائحة كورونا وصدمة أسعار النفط بوضوح مقدار ما خسره العراقيون في العقدين الأخيرين، فكان التأثير كبير على جميع القطاعات فالنظام التعليمي الذي كان تصنيفه في وقت من الأوقات الأقرب إلى القمة بين أقرانه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بات الآن قريباً من القعر. ومعدل المشاركة في القوى العاملة في العراق يتعثَّر عند مستوى 42%، بالإضافة إلى تسجيل العراق أحد أدنى معدلات مشاركة النساء في القوى العاملة في العالم. يواجه العراق الآن تدني مستويات رأس المال البشري، وتدهور مناخ الأعمال، وأحد أعلى معدلات الفقر بين الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل.
وبالرغم من كل الذي قدمناه من حقائق والذي يقودنا الى التشاؤم، الا انه لابد من بصيص امل، حيث قدم البنك الدولي تقريرا قال فيه “إن تنويع النشاط الاقتصادي من خلال الإصلاح وتطوير القطاع الخاص أمر بالغ الأهمية للحد من التحديات المتعاقبة التي يواجها العراق.
وتتضمَّن هذه المذكرة الاقتصادية خارطة طريق لمساعدة العراق وشعبه على إعادة النظر في النموذج الاقتصادي القائم، وبناء اقتصاد أكثر قوة وتنوع للقضاء على البطالة ، وإعادة بناء العقد الاجتماعي.
ويؤكد البنك الدولي على شراكته في مساعدة العراق على المضي في طريق الإصلاح لترسيخ السلام والاستقرار، وإتاحة الفرصة لكل العراقيين لتحقيق أعلى طموحاتهم وآمالهم.”
وأن ثروة العراق النفطية مكَّنته على مدى عدة عقود من الارتقاء إلى مصاف البلدان مرتفعة الدخل، ولكنها في نواحٍ كثيرة جعلت مؤسساته ومخرجاته الاجتماعية والاقتصادية تُشبِه أوضاع بلد هش منخفض الدخل. وأدَّت العائدات النفطية إلى تآكل القدرة التنافسية الاقتصادية للبلد، وقلَّلت من الحاجة إلى فرض الضرائب، وأضعفت رباط المساءلة بين المواطنين والدولة، وأجّجت الفساد.
ويُحدِّد التقرير الجديد السبل الرئيسة التي يمكن للعراق انتهاجها لتحقيق نمو مستدام بعد دراسة وافية لأوضاع الاقتصاد السياسي المُعقَّدة في البلد. ويُشدِّد التقرير على أنه ينبغي للعراق أن يعطي الأولوية لإعادة تركيز العملية السياسية على التنمية، ورفع مستوى الشفافية في إدارة الثروة النفطية والموارد العامة. ويُبرِز التقرير أيضاً الحاجة الملحة إلى أن يعيد العراق بناء الثقة بين المواطنين والحكومة من خلال تعزيز مشاركة المواطنين ومساءلة الحكومة في تقديم الخدمات والبنية التحتية ذات الأولوية، وتلبية احتياجات الشباب المتعلقة بالوظائف، ومعالجة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.
وعلى الرغم من التحديات السياسية والاقتصادية التي يواجها العراق في الوقت الراهن، ثمة ثلاثة مجالات للتركيز يمكن أن تساعد على تحقيق تنويع النشاط الاقتصادي، والنمو، والاستقرار:
الأول؛ الحفاظ على السلام يمكن أن يكون في حد ذاته مُحرِّكا قويا للنمو. كان متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في العراق في عام 2018 أقل بمقدار الخمس عن المستوى الذي كان من الممكن تحقيقه لولا الصراع الذي بدأ في عام 2014، وذلك في حين كان إجمالي الناتج المحلي للقطاع غير النفطي أقل بمقدار الثلث. وفي البلدان التي تشهد حلقة مفرغة من العنف والهشاشة، يُعَد اتخاذ سياسات مُنسَّقة من قبل ائتلاف عريض من الجهات الفاعلة أمرا بالغ الأهمية للحفاظ على “مسارات السلام” وإرساء حلقة إيجابية. وخلص التقرير إلى أنه في الأجل القصير يجب أن يركِّز العراق على الإصلاحات التي توسع مظلة شبكات الأمان الاجتماعي للفئات الفقيرة والأكثر احتياجا، وتحسين تقديم الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، وضمان كفالة تحسين الشفافية في عمل المؤسسات الحكومية.
الثاني؛ استغلال الإمكانيات التصديرية للعراق للمساعدة في تنويع النشاط الاقتصادي بعيدا عن إنتاج النفط، والاتجاه نحو التجارة والتكامل. ويتمتع العراق بموقع جغرافي يؤهله أن يكون مركزا إقليميا للخدمات اللوجستية، لكن أداء العراق على صعيد الخدمات اللوجستية يتأخر كثيرا عن أداء نظرائه إلى درجة أنه أصبح نقطة اختناق إقليمية.
والثالث، النهوض بالقطاع الزراعي في العراق ليصبح ركيزةً أساسية من ركائز اقتصاد أكثر تنوعا يقوده القطاع الخاص. وتمتلك قطاعات الإنتاج الزراعي، والصناعات الغذائية، وما يتصل بها من خدمات، ومنها الخدمات اللوجستية، والتمويل، والصناعات التحويلية، والتكنولوجيا إمكانيات كبيرة للتوسع وخلق الوظائف. ولا يخضع قطاع المنتجات الزراعية الغذائية لنفس المستوى من الرقابة الحكومية الذي تواجهه قطاعات أخرى، ولذلك فإنه في وضعٍ يُؤهِّله لاستحداث أساليب جديدة للعمل وتبنِّي أحدث التقنيات لتعظيم قدراته التنافسية.
وتبني المذكرة الاقتصادية للعراق الجديدة هذه على تقريرين سابقين من عام 2006 وعام 2012 أكد البنك الدولي فيهما ضرورة أن ينتقل العراق من الصراع إلى إعادة التأهيل، ومن هيمنة الدولة إلى التوجه نحو السوق، ومن الاعتماد على النفط إلى تنويع الاقتصاد، ومن العزلة إلى التكامل الإقليمي والعالمي.
ويبني التقرير على تلك التوصيات عن طريق (1) إجراء تحليل وافٍ لتحديات الهشاشة والاقتصاد السياسي الكامنة التي يواجها العراق وآثارها على نموذج النمو المتنوع؛ (2) تحليل خصائص النمو في العراق وإمكانيات لتنويع النشاط الاقتصادي والمنافع المرجوة منه، (3) تقييم إمكانيات العراق للتجارة والتكامل الإقليمي من أجل تحقيق النمو؛ و(4) مراجعة أوضاع القطاع الزراعي في العراق وإمكانياته لدعم تنويع النشاط الاقتصادي.
وتعبأ طاقات العراق المادية والبشرية وزجها بخلق تنمية مستدامة وتقضي على جذور التخلف في العراق, والاهتمام بالتعليم والصحة والقضاء على الامية والاهتمام بالبحث العلمي وبناء صناعة متطورة تعاضدها زراعة وطنية وقطاع خدمات مناسب لهذا التطور واعادة بناء الانسان على أسس وطنية بعيدة عن الطائفية
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية