لم تكتف المليشيات الإيرانية بالوجود العسكري في ريف دير الزور الشرقي في أقصى الشرق السوري، بل بدأت بمحاولات علنية لتغيير هوية المنطقة التي تسيطر عليها بشكل كامل والممتدة من مدينة الميادين إلى مدينة البوكمال، آخر مدينة سورية قبل الحدود العراقية، في خطوة تؤكد نيّة الإيرانيين البقاء في هذه المنطقة التي تعدّ محطة مهمة على الطريق البري الممتد من إيران إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط.
ووفق مصادر محلية، بدّلت المليشيات الإيرانية المسيطرة على مدينة المياذين والمعروفة بـ”الميادين”، أسماء شوارع هذه المدينة، إذ غيّرت اسم شارع “أنس بن مالك” إلى “الإمام الخميني”، و”الجيش” إلى “الإمام العباس”، وشارع “أبو غروب” تحول إلى “قاسم سليماني”، و”ساقية الري” إلى “فاطميون”.
بدّلت المليشيات الإيرانية أسماء شوارع في مدينة الميادين
ومنذ أواخر عام 2017، تسيطر المليشيات الإيرانية بشكل مطلق على جزء من ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات، يمتد من مدينة الميادين غرباً إلى مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية شرقاً بطول أكثر من 50 كيلومتراً. ومن أبرز هذه المليشيات: “لواء فاطميون” الذي يضم مرتزقة شيعة من أفغانستان، و”لواء زينبيون” الذي يضم مرتزقة شيعة من باكستان، بالإضافة إلى “لواء الإمام علي” و”حركة النجباء” وقوات من “الحرس الثوري” الإيراني، ومليشيات أخرى من “الحشد الشعبي” العراقي.
ووفق المصادر المحلية، لا يقتصر العبث بهوية المنطقة على تغيير أسماء الشوارع فحسب، بل تعمل هذه المليشيات على “إجبار من بقي من سكان المنطقة على التحوّل للمذهب الشيعي ترهيباً وترغيباً”، مضيفة: “تحت القبضة الأمنية والعسكرية لهذه المليشيات، وفي ظلّ عدم وجود قوة رادعة لها، اضطر بعض السكان إلى التظاهر بالتحول إلى المذهب الشيعي”.
وفشل التحالف الدولي بقيادة واشنطن، على الرغم من القصف الجوي المستمر على قواعد ونقاط تمركز الإيرانيين في المنطقة، في دفع هذه المليشيات للخروج من سورية، لا بل تعمل كل يوم على تعزيز مواقعها من خلال استقدام مسلحين عبر معبر البوكمال الحدودي الذي تسيطر عليه، إضافة إلى معابر غير نظامية أقامتها على الحدود السورية العراقية المشتركة.
وأقامت إيران العديد من القواعد العسكرية في ريف دير الزور الشرقي، أبرزها “قاعدة الإمام علي” التي تقع في منطقة الهري بمحيط البوكمال وتضمّ نقاطاً عسكرية، ومخازن سلاح وساحات تدريب مقاتلين، وعدد من المقار العسكرية للمليشيات. كما أنشأ الإيرانيون مزارات شيعية. ومن هذه المزارات ما سميّ بـ”عين علي” في بادية بلدة القورية. وتروّج الرواية الإيرانية بأنّ نبع ماء تفجّر تحت فرس الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، أثناء توجهه إلى ما يعرف بـ”موقعة صفين”.
وتهدف هذه الإجراءات إلى تغيير وجه محافظة دير الزور جنوب نهر الفرات، في حين تسيطر “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) على الجانب الشمالي من النهر الذي نزح إليه عدد كبير من سكان المناطق الواقعة تحت السيطرة الإيرانية.
ودأب النظام الإيراني منذ سنوات طويلة على إحياء وإنشاء مزارات داخل سورية لاستقطاب الحجاج الشيعة إليها، منها مقام سكينة في مدينة داريا جنوب غربي دمشق، ومقام رقية في حي العمارة الدمشقي، ومقام حجر بن عدي بالقرب من منطقة عدرا شرقي العاصمة دمشق، ومقام عمار بن ياسر في الرقة. وقبيل الثورة السورية بسنوات، تسلّم الإيرانيون مقام السيدة زينب جنوب دمشق، فحوّلوا المنطقة التي تحمل الاسم ذاته، إلى منطقة نفوذ كبير لهم، تعزز أكثر بعد الثورة، حيث شحنوها بالمليشيات تحت ذريعة حماية المقام.
في السياق، قال الصحافي والكاتب السوري، ثائر الزعزوع، وهو ابن مدينة البوكمال، إنه “لا يمكن معرفة ما تفعله المليشيات الإيرانية في المناطق التي تسيطر عليها في محافظة دير الزور على وجه الدقة”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”: “هناك شح كبير في المعلومات، وخوف كبير لدى الأهالي من التواصل مع العالم الخارجي، لأن عقوبة نشر أي معلومة قد تصل إلى القتل”.
الزعزوع: ما يقوم به الإيرانيون في ريف دير الزور استيطان، وتغيير كلي لطبيعة المكان
واعتبر الزعزوع أن ما يقوم به الإيرانيون في ريف دير الزور “استيطان، وتغيير كلي لطبيعة المكان”، موضحاً أنه “في قرى مدينة البوكمال، أجبرت المساجد على رفع الأذان في مواقيت الصلاة وفقاً للمذهب الشيعي”. وتابع: “هناك تواطؤ واضح، أو ربما خضوع من قبل النظام السوري لهذه السيطرة الإيرانية، حتى في موضوع توزيع المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية، إذ تصل تلك المساعدات إلى قيادة المليشيات التي تقوم هي بتوزيعها”.
ولفت الزعزوع إلى أنّ المليشيات الإيرانية “تسيطر على حي الجمعيات في مدينة البوكمال بشكل كامل، وليس مسموحاً لأهالي المدينة بدخول ذلك الحي، حتى الذين يمتلكون بيوتاً فيه”، مضيفاً: “أخيراً بدأت ورشات تابعة للمليشيات باستخراج الحديد من المنازل المهدمة وبيعه للأهالي الذين يرغبون في ترميم بيوتهم أو البناء”. وأشار إلى أنّ وجود النظام السوري “شكلي من خلال بعض المؤسسات غير الفاعلة”. وتابع: “ليس خفياً كذلك تواطؤ بعض من يسمون بشيوخ العشائر مع المشروع الإيراني، فقد بدأ بعض الشبان بالانخراط في المليشيات الإيرانية، وصاروا مقاتلين فيها”، موضحاً أنّ “من يتطوع في هذه المليشيات، لا يتم استدعاؤه للخدمة في صفوف قوات النظام”.
ويعدّ ريف دير الزور الشرقي محطة مهمة على الطريق البري الذي بات عملياً مفتوحاً، والممتد من الأراضي الإيرانية مروراً بالأراضي العراقية والسورية وصولاً إلى الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.
بدوره، وعن دلالات الخطوة الإيرانية بتغيير أسماء الشوارع في مدينة الميادين، أشار مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ “الإيرانيين يدركون جيداً أنّ وجودهم العسكري في سورية بشكل عام مؤقت، وأنهم سيضطرون للخروج عاجلاً أم آجلاً، لذلك يحاولون طبع المناطق التي يسيطرون بطابعهم”. وأعرب علاوي، المنحدر من ريف دير الزور، عن قناعته بأنّ الإيرانيين “يحاولون خلق بيئة اجتماعية خاصة في شرقي سورية مرتبطة بهم”، مضيفاً: “تغيير أسماء الشوارع في مدينة الميادين يأتي في سياق هذه المحاولات”. وأشار إلى أنّ “إنشاء المراقد والمزارات المزيفة في ريف دير الزور الشرقي، يصب أيضاً في هذا الاتجاه”، مضيفاً: “هذه محاولات تثبيت وجود في هذا المنطقة المهمة بالنسبة لهم كونها قريبة من العراق”.
أمين العاصي
العربي الجديد