يستذكر المتابعون للانتخابات الرئاسية الأميركية القاسم المشترك الذي يستخدمه المرشحان في السباق الرئاسي عندما حلا في ولاية فلوريدا الحاسمة، وهنا يظهر اسم الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو والإعصار ماريا الذي اجتاح بورتوريكو العام 2017.
وهاتان المسألتان يستخدمهما الرئيس الجمهوري دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن في محاولتهما لاستقطاب أصوات الناخبين من أصول أميركية لاتينية في فلوريدا. فلمن ستكون الغلبة هذه المرة؟
ولفلوريدا، التي يبلغ عدد الأصوات المخصصة لها في المجمع الانتخابي 29 صوتا، من أصل 538 صوتا، أهمية كبرى في الانتخابات التي تجري الثلاثاء المقبل ويظهر استطلاع جديد للرأي من تنظيم رويترز/إبسوس أن ترامب وبايدن متعادلان فيها.
كما تضفي الولاية حقيقة أن الفائز في فلوريدا التي يطلق عليها اسم “ولاية الشمس الساطعة”، يفوز بالرئاسة في كل سباق رئاسي منذ العام 1964، تضفي غموضا خاصا.
في هذه الولاية الواقعة في جنوب شرق الولايات المتحدة التي كانت تتحكم بمصير الانتخابات الرئاسية السابقة وحيث قد يتكرر الأمر ذاته في الثالث من نوفمبر المقبل، فإن الثقل الانتخابي للناخبين من أصول كوبية معروف منذ عقود، وهم مناهضون لنظام كاسترو في كوبا وجمهوريون بغالبيتهم، لكن معايير الناخبين من أصول أميركية لاتينية قد تكون تغيرت بشكل جذري في العام 2020 مقارنة بما كانت عليه في 2016.
وبعد أزمة مالية كبيرة أركعتها اقتصاديا، اجتاح إعصار ماريا بورتوريكو دافعا عشرات الآلاف من أبنائها إلى المغادرة للانتقال إلى فلوريدا والانضمام إلى الجالية الكبيرة الناطقة بالإسبانية فيها.
ولكن اليوم وقبل خمسة أيام من الانتخابات الرئاسية الأميركية، قام ترامب وخصمه بايدن بحملة انتخابية الخميس للمرة الأولى في المكان نفسه، وهي مدينة تامبا في ولاية فلوريدا، التي ترتدي أهمية كبرى في الاقتراع.
وبفارق ساعات بعد ظهر الخميس، عقد المرشحان تجمعين انتخابيين في هذه المدينة الواقعة في غرب فلوريدا، الولاية التي ترجّح في غالب الأحيان نتيجة الانتخابات الأميركية، فمنذ العام 1964 يحقق الفائز في فلوريدا فوزا في الانتخابات الرئاسية في كل مرة، مع استثناء واحد.
ورغم أن ترامب وبايدن في الولاية نفسها، فإن استراتيجية كل منهما مختلفة تماما، حيث عقد المرشح الديمقراطي التجمع على طريقة درايف-ان تماما كما حصل عندما ذهب إلى ولاية جورجيا.
وسيكون سلوك الناخبين من أصول أميركية لاتينية الثلاثاء المقبل رهين معطى جديد لكنه حيوي ألا وهو حكمهم على إدارة دونالد ترامب للإعصار، حيث ظهرت قبل شهرين مشاهد وهو يلقي لفائف من الورق باتجاه منكوبين مفترضين بطريقة مهينة أو أقله لم تكن بالجدية المطلوبة أمام حجم الكارثة، على ما يؤكد منتقدوه.
حقيقة أن الفائز في فلوريدا، التي يطلق عليها “ولاية الشمس الساطعة” يفوز بالرئاسة منذ 1964، تضفي غموضا خاصا
وفي رد على ما فعله ترامب وفي محاولة لاستقطاب الأميركيين، توجه بايدن إلى كيسيمي وهو معقل بورتوريكي قريب من مدينة أورلاندو الكبيرة، معربا فيه عن تأييده لأن تصبح بورتوريكو الولاية الأميركية الحادية والخمسين. ورفعت لافتة كبيرة حينها تظهر دونالد ترامب وهو يلقي من الجو لفائف الورق مع التعليق “ممنوع أن ننسى”.
وحتى الآن يتصدّر بايدن الاستطلاعات على صعيد الوطن وفي عدد من الولايات الأساسية غير المحسوبة تاريخيا على أي من الحزبين، لكن الفارق تقلّص في عدد من الولايات، وتقدم ترامب في فلوريدا على بادين في وقت ما، وإن بفارق ضئيل.
وتعتبر فلوريدا ولاية بالغة الأهمية في الاستحقاق، إذ تستحوذ هيئتها الناخبة على 29 صوتا من أصل 270 يتوجّب الفوز بها للوصول إلى البيت الأبيض.
ويتخوّف الديمقراطيون الذين لا تزال عالقة بأذهانهم الهزيمة المفاجئة التي تكبّدتها هيلاري كلينتون في انتخابات 2016، من قلّة الأنشطة الانتخابية لبايدن مقارنة بترامب. لكن نائب الرئيس السابق الذي غالبا ما يثير وضعه الصحي تساؤلات، يؤكد أنه يتقيّد بشدة بشروط الوقاية الصحية. وهو يكتفي بتنظيم تجمّعات صغيرة الحجم.
وهو منذ بداية حملته يشدّد على طرح نفسه شخصية جامعة يمكن أن “تبلسم جراح الأميركيين وأن توحدّ صفوفهم”، لكن مديرة حملته جين أومالي ديلون قالت مؤخرا “في ولاياتنا الأساسية، السباق متقارب، بل أكثر تقاربا بكثير مما تظهره الاستطلاعات التي تجرى على صعيد الوطن”.
وفي انتكاسة كبيرة للجمهوريين في اثنتين من الولايات المتأرجحة رفضت المحكمة العليا الأميركية الأربعاء منع تمديد مهلة استقبال الأصوات البريدية في بنسلفانيا ونورث كارولاينا.
وفي بقية البلاد، قدم غالبية الناخبين من أصول أميركية لاتينية من المكسيك ودول أميركا الوسطى. وبالنسبة إلى هؤلاء، تشكل قضايا الهجرة موضوعا أساسيا لتحديد وجهة أصواتهم الانتخابية وهي مسألة لطالما اعتمد فيها دونالد ترامب لهجة متشددة، إلا أن الأميركيين من أصول أميركية لاتينية في فلوريدا هم الأكثر ترجيحا للتأثير بقوة على نتيجة الاقتراع.
وفي وقت اقترع فيه 74 مليونا من أصل أكثر من 230 مليون ناخب أميركي في التصويت المبكر، يداهم الوقت مساعي المرشّح الجمهوري لقلب مسار الأمور. فالملياردير الجمهوري الذي يقول إنه الأكثر قدرة على إنعاش الاقتصاد، شهد الأربعاء تكبّد بورصة نيويورك المزيد من الخسائر بعد يومين من أسوأ جلسة تداول شهدتها منذ سبتمبر.
لكن ترامب حقق الاثنين الماضي، انتصارا سياسيا لا جدال فيه، مع تثبيت مجلس الشيوخ القاضية المحافظة إيمي كوني باريت التي اختارها لعضوية المحكمة العليا، في المنصب.
وقد يعيد الأسبوع الأخير للحملة الانتخابية إلى الواجهة قضايا تجييش الشارع الأميركي على غرار عنف الشرطة والعنصرية، التي أطلقت شرارة تحرّكات احتجاجية حاشدة على خلفية مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد على يد شرطي أبيض في أواخر مايو في مينيابوليس.
صحيفة العرب