على الرغم من خيبة الأمل الإسرائيلية لعدم فوز صديقها والداعم الأكبر لها، دونالد ترمب، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، إلا أنها بدأت إعداد خطة تسعى من خلالها إلى استغلال الفترة المتبقية لترمب، لكسب ما يمكنها من إنجازات جديدة، ومن ثم ضمان توثيق العلاقات والحفاظ على ما حققته من مكاسب مع الرئيس المنتخب جو بايدن، بل تعزيزها والاستمرار في علاقات وثيقة كأكبر حليف للولايات المتحدة.
فالتقديرات الإسرائيلية أن إدارة بايدن ستكون ودية جداً مع إسرائيل في مستويات العمل، ولكنها قد تبدي تصلباً أكبر من إدارة ترمب على المستوى السياسي.
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي امتنع عن إطلاق أي تصريح من شأنه أن يسيء إلى العلاقة مع بايدن خلال الفترة الانتخابية في الولايات المتحدة، لضمان صداقته في حال جاءت النتيجة خلافاً لرغبته، حرص خلال تهنئته بايدن على إظهار الصداقة سواء معه أو مع إسرائيل، التي زارها بايدن 20 مرة منذ العام 1972.
واعتبر نتنياهو صداقته مع بايدن وثيقة ومتينة. وفي الوقت نفسه، ألمح إلى الإنجازات التي حققها مع ترمب، مثل اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على القدس والجولان، وموقفه من قرار إسرائيل في شأن الضم، وموقفه تجاه إيران.
لكن السؤال الذي لا يزال مسيطراً على أجندة السياسيين والأمنيين والمجتمع الإسرائيلي عموماً، هو هل يمكن اعتبار بايدن جيداً لإسرائيل، خصوصاً في المواضيع الأكثر أهمية وهي القضية الفلسطينية والمشروع النووي الإيراني والدعم الأمني؟
لا يختلف اثنان في إسرائيل على أن العلاقات الأمنية بين واشنطن وتل أبيب ستستمر، وسيواصل بايدن السياسة نفسها في الدعم الأمني والحفاظ على “تفوقها” في هذا المجال، إلى جانب التعاون والتنسيق الاستخباراتي العملي، وفي مجالات البحث والتطوير للأجهزة المختلفة.
أما في الملفين الفلسطيني والإيراني، فهناك خلافات في الرأي داخل إسرائيل حول ما إذا سيكون بايدن جيداً لها، وسيعمل وفق الرغبة الإسرائيلية وما تخطط له تجاه هذين الملفين.
وهناك جانب آخر لم يتطرق إليه داعمو ترمب الذين يخشون سياسة بايدن، وهو القانون الدولي وما يتعلق بالقضايا الإنسانية، ففي هذا الجانب هناك أمل كبير لمن تنفس الصعداء بفوز بايدن في أن يتخذ سياسة مغايرة لسابقه ترمب، ويمنع إسرائيل من الاستمرار بسياستها في هذه القضايا.
الجانب الأمني
إلى جانب الارتياح الإسرائيلي في ما يتعلق بالدعم الأمني، والذي سيضمن لإسرائيل استمرار الحصول على ما تريده من طائرات ومعدات قتالية تضمن تفوقها العسكري، لا يتوقع الأمنيون إحداث تغيير دراماتيكي في العلاقة الأمنية مع الفلسطينيين، بعدما أوقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التنسيق في هذا المجال، عندما أعلنت إسرائيل خطة ضم أراض في الضفة الغربية.
أوساط أمنية في إسرائيل تقدر أن استقرار الوضع الأمني سيحصل بالتدريج، وبعد استئناف العلاقات بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية.
وكما ذكر تقرير عن موقف الجهاز الأمني، فهناك إجماع بعدم حدوث أي تغيير في اتفاقات السلام التي عقدتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين، بل يرى التقرير أنها خلقت تغييراً استراتيجياً كبيراً في المنطقة، من حيث إنها أزالت اشتراط الدول العربية رفع المقاطعة عن إسرائيل لحل القضية الفلسطينية.
الشأن الفلسطيني
في هذه الأثناء، بدأ الإسرائيليون إطلاق الدعوات إلى إنجاز مشاريع تثبت حقائق على الأرض، خصوصاً في مدينة القدس.
رئيس منتدى القدس في حزب الليكود، والنائب السابق في المجلس البلدي بالقدس يائير غباي، دعا إلى استغلال الفترة حتى 20 يناير (كانون الثاني) موعد دخول بايدن البيت الأبيض، والعمل على تنفيذ مشاريع بناء في القدس، معتبراً الفترة التي شهدتها المدينة خلال تولي الديمقراطيين بيل كلينتون وباراك أوباما الرئاسة الأميركية، قاسية، إذ لم يكن من السهل على إسرائيل تنفيذ مشاريع بناء في القدس.
وبحسب غباي، سيكون بايدن كزميليه في الحزب، وسيعمل على “تجميد البناء في مواقع استراتيجية يضمن البناء فيها التواصل اليهودي في القدس، مثل “جفعات همتوس” و “اي1” و “عطروت و”جيلو”. “وكل خطة وضعت في اللجنة اللوائية تأخرت، وكل حجر أزيح من أماكن استراتيجية، وعملياً في تلك التي تعتبر في نظرنا طبيعية”، قال غباي.
وعرض غباي خطتي بناء في “جفعات همتوس” و”عطروت” تشمل 12 ألف وحدة سكنية جديدة، قائلاً إن واجب الحكومة الإسرائيلية الشروع في تنفيذهما. وفي رأيه، “تنفيذ الخطتين سيحقق العدل التاريخي والفعل الصهيوني المناسب، وسيشطب الحلم الفلسطيني لتقسيم القدس”. وشدد على أنه “حتى من دون موافقة أميركية على البناء في القدس، على إسرائيل الاستمرار في البناء، لأن هذه هي عاصمتنا، وهكذا ستبقى”.
وتكمن الخشية الإسرائيلية في الملف الفلسطيني من ممارسة بايدن سياسة الضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات للفلسطينيين. وفي تقدير جهات أمنية، فإن ضغوطاً دولية ستزداد مثل الضغوط الأميركية، وبالتالي قد تؤدي سياسة بايدن إلى عرقلة وتأخير الجهود لإقناع دول سنية معتدلة بجعل علاقاتها مع إسرائيل علنية.
الملف الإيراني
هناك قلق حقيقي في إسرائيل من سياسة بايدن تجاه الملف الإيراني، على الرغم من أن جهاز الأمن يستبعد أن تكون هزيمة ترمب بمثابة نهاية للمعركة والمصالح المشتركة بين واشنطن وتل أبيب في هذا الجانب.
ولا يرى مسؤولو جهاز الأمن في العودة إلى اتفاق القوى العظمى مع إيران بالنسبة إلى مشروعها النووي أمراً سلبياً، في حال تم التوصل إلى اتفاق يتضمن وقف خطة الصواريخ الإيرانية، ومحاولات التموضع في منطقة الشرق الأوسط.
في هذا الجانب، هناك خشية لدى داعمي بايدن بأن توافق الإدارة الأميركية في عهده على شروط تشبه تلك التي كانت في الاتفاق الأصلي، والذي تحقق في أوائل فترة رئاسة أوباما، لكنهم في الوقت نفسه متفائلون من أنه سيتخذ خطوات تضمن وقف المشروع النووي الإيراني والأخطار التي تحدق بإسرائيل والمنطقة من جهة إيران. ومن أجل ضمان تحقيق الرغبة الإسرائيلية في ما يتعلق بالملف الإيراني، تبحث إسرائيل عما إذا كان يجب أن تضع جميع القضايا المتعلقة بإيران شرطاً لكل اتفاق جديد.
وحذر مسؤول أمني من أي اتفاق يتيح لطهران إعادة بناء اقتصادها المنهار وتصدير “الإرهاب” بشكل واسع لمنطقة الشرق الأوسط، بخاصة إلى سوريا ولبنان.
آمال شحادة
اندبندت عربي