على غرار دول العالم التي ترقبت نتائج الانتخابات الأميركية، كان العراقيون يتابعون ما ستسفر عنه صناديق الاقتراع ولكن بحماسة أشد، خصوصاً في ظل الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، وكونها باتت ساحة صراع معلنة بين واشنطن وطهران.
ولعل كل تلك الأزمات التي أحاطت بالعراق خلال الفترة الماضية جعلته مترقباً لجديد واشنطن إزاءه، إذ تتعدد الفرضيات حول ما ستقدم إدارة الرئيس المنتخب في شأن العراق، وتحديداً ما يتعلق بالنفوذ الإيراني المتزايد، وإمكان التعامل مع البلاد كدولة لا كساحة صراع مع إيران.
وما إن أعلنت نتائج الانتخابات الأميركية حتى أثير الجدل بين المحتفلين بفوز جو بايدن ومعلني الحداد على دونالد ترمب، على الرغم من الحديث المتكرر عن أن السياسة الخارجية الأميركية لا تتغير بتغير شخص الرئيس، إلا أن الهاجس الأكبر الذي يراود العراقيين يرتبط بتوجهات بايدن إزاء الأطراف الموالية لإيران، وما إذا كانت فترته ستركز على عقد تفاهمات مع طهران على حساب المصالح العراقية، الأمر الذي قد يعطي زخماً إضافياً للجماعات المسلحة الموالية لها.
تطلعات العراق
وكان الرئيس العراقي برهم صالح أول المهنئين من القادة السياسيين بفوز بايدن في الانتخابات، ففي حين وصف الرئيس الأميركي المنتخب بـ “الصديق والشريك الموثوق في قضية بناء عراق أفضل”، عبّر عن تطلعه إلى “العمل لتحقيق أهدافنا المشتركة وتعزيز السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأكملها”.
وفيما هنأ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الرئيس الأميركي المنتخب ونائبته، عبّر عن تطلعه في بيان مقتضب إلى “تقوية الروابط الاستراتيجية بين بلدينا نحو مستقبل مبني على الاحترام المتبادل وقيم التعاون المشترك والوثيق لتجاوز التحديات ودعم السلم والأمن، وتحقيق الاستقرار والازدهار”.
إلا أن ما أثار الانتباه هو تهنئة زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي يعطي انطباعاً واضحاً عن حجم الحماسة التي تبديها أطراف مقربة من إيران في شأن وصول بايدن إلى البيت الأبيض، الأمر الذي يبين إلى حد ما مخاوف تلك الأطراف من احتمالية بقاء ترمب على سدة الحكم.
وقال المالكي في تهنئته، “أتمنى لكم النجاح في مهمتكم الصعبة والتوفيق في معالجة المشكلات والأزمات الموروثة التي تواجهكم لتغيير صورة أميركا وتطوير العلاقات مع الدول الصديقة والعالم”.
استراتيجية بايدن في مقابل تكتيكات ترمب
في المقابل، كان من أشد المتحمسين للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، أطراف سياسية وناشطون لا يخفون عداءهم لإيران، إذ يرون أن سياسة الضغط الأقصى التي مارستها إدارة ترمب على طهران حفزت صراع الفصائل المسلحة في العراق لريادة المشروع الإيراني، ودفعتها إلى ممارسات أشد عنفاً وأكثر قسوة على الصعد الأمنية والسياسة والاقتصادية.
اقرأ المزيد
هل يجعل ترمب انتقال السلطة إلى بايدن فوضويا؟
التسلسل الزمني لأبرز محطات ولاية ترمب
مشكلة أميركا وبايدن ترمبية بعد ترمب
ويرى الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بلال وهاب، أن إدارة ترمب “لم تكن تملك رؤية واضحة في شأن ملاحقة الأذرع الإيرانية في العراق، وكانت تعتمد مجموعة تكتيكات لم ترتق إلى مستوى الاستراتيجية”.
ويشير إلى أن إحدى مميزات بايدن على حساب ترمب ترتبط بـ “معرفته للوضع العراقي منذ عقود طويلة، فضلاً عن كونه يرتبط بعلاقات مع بعض القادة العراقيين”، مبيناً أن “تلك الميزة لم تكن متوافرة لدى ترمب، الذي ينظر إلى العراق باشمئزاز، ويعتقد أن الغزو الأميركي كان أحد أكبر الأخطاء فداحة”.
ولعل ما بدا واضحاً خلال الفترة الماضية يتمثل في إرادة ترمب تحويل العراق إلى ساحة صراع معلنة بين واشنطن وطهران، حيث يلفت وهاب إلى أن “هذا الأمر ربما يتغير مع الإدارة الجديدة، والتي قد تتعامل مع العراق على أساس وجوده كدولة، وليس منطقة للتصعيد ضد طهران”.
وعلى الرغم من أن سياسات ترمب أسهمت في إضعاف إيران بشكل كان بالإمكان استثماره من الجهات العراقية الوطنية، كما يعبر وهاب، إلا أنه يعتقد أن “ضعف الجهات الوطنية حفز الشحن السياسي للميليشيات في سباق ريادة المشروع الإيراني في العراق، الأمر الذي عرقل إمكان استثمار إضعاف طهران عراقياً”.
اتفاق نووي لا يهمل العراق
ويرتكز مؤيدو ترمب على فرضية أنه ربما كان ليعمل في الدورة المقبلة على تفكيك نفوذ الجماعات المسلحة الموالية لإيران، من خلال شن هجمات على قادة تلك الفصائل، على غرار عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، الأمر الذي قد يمكن الدولة العراقية من استعادة قوتها.
إلا أن مراقبين يشككون في إمكان ذلك، إذ يعتقد وهاب أن عملية اغتيال سليماني “لم تكن ضمن منهجية ملاحقة زعماء الميليشيات”، مبيناً أنها “جعلت من العراق ساحة صراع، وحفزت المنافسة بين الجماعات التي تقود مشروع الدولة الموازية لتسيد المشهد في البلاد”.
ويلفت إلى أن “هموم العراقيين الأساسية بحسب استطلاعات الرأي، ترتبط بالاقتصاد وفرص العمل ومكافحة الفساد والأمن، لكن كل الصراعات التي تم تحفيزها خلال الفترة الماضية لم تساعد في حسم أي من تلك النقاط الرئيسة”.
وعن إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، يبين وهاب أن “واشنطن ربما تعود إلى صياغة اتفاق شامل بخصوص المشروع النووي الإيراني”، مرجحاً ألا “يهمل ملف الميليشيات أي اتفاق جديد”.
ويشير إلى أن إحدى المتغيرات المحتملة في شأن الضغط على إيران ستكون من خلال “العودة إلى سياسة أوباما في التنسيق مع حلفاء واشنطن في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وإدارة ضغط جماعي وليس على غرار ما أداره ترمب من ضغوط أحادية الجانب”، مستبعداً “عودة الإدارة الجديدة إلى نقطة الصفر أو إلى تفاهمات عام 2015، نظراً لمتغيرات عدة في هذا الإطار”.
تقاسم نفوذ جديد بين طهران وواشنطن
وفي مقابل التفاؤل بوصول بايدن إلى البيت الأبيض، تشير بعض المؤشرات إلى العكس تماماً، إذ يشي تفاعل بعض كبار الشخصيات الموالية لإيران ومن بينهم المالكي، الذي لم يخف حماسته إزاء فوز بايدن، إلى تحفيز التصورات حول إمكان أن “تمثل المرحلة المقبلة ربيعاً جديداً للفصائل المسلحة، من خلال إنهاء سياسة الضغط الأقصى على طهران، واتخاذ سياسة أكثر انفتاحاً وأقرب إلى ما جرى في عهد الرئيس الأميركي السابق أوباما”.
ويقول رئيس معهد كلواذا للدراسات باسل حسين، إن “بايدن أعلن صراحة رغبته في إعادة الاتفاق النووي مع طهران، مما يعني التخلي عن استراتيجية الضغط الأقصى التي تبناها ترمب، واتخاذ سياسة أكثر انفتاحاً على إيران على نحو يقارب سياسة اليد الممدودة التي اتبعها أوباما”، معتقداً أن “الملف العراقي لن يكون في سلم أولويات الإدارة الجديدة، بل سيكون على الأرجح عنصراً تابعاً للتفاهمات الإيرانية – الأميركية نحو تقاسم النفوذ الضمني والعلني”.
ووفقاً لتلك التوقعات في شأن العراق وإيران، يرى حسين أن “حدة التوترات في العراق ربما ستقل، لكنها وفق تلك الاستراتيجية ستكون على حساب المصالح الوطنية”.
ويعبر رئيس المعهد عن خشيته من أن “تشهد المرحلة المقبلة إطلاق يد إيران وميليشياتها في العراق على نحو غير مسبوق”، مبيناً أن “هذا السبب الرئيس خلف حماسة الأطراف السياسية والميليشياوية الموالية لإيران إزاء فوز بايدن”.
وعلى الرغم من اعتقاد حسين أن التسويات مع طهران ستكون على حساب المصلحة العراقية، إلا أنه يرجح ألا تصل حدود تلك التفاهمات إلى ما كانت عليه خلال فترة أوباما”، مبيناً أن “بايدن ربما يحاول تجاوز الإخفاق السابق عندما كان يشغل فيه منصب نائب الرئيس ومسؤول ملف الشرق الأوسط، لا سيما في العراق وسوريا”.
ويشير إلى أن الإشكال الأكبر الذي سيواجه العراق لا يرتبط بسياسة بايدن المحتملة وحسب، بل بقدر تعلقه بـ “غياب الإجماع الوطني ورسم السياسة الخارجية، خصوصاً في ما يتعلق ببناء تفاهمات مع واشنطن”.
مخاوف تجاه “مشروع بايدن”
وتتزايد المخاوف عراقياً من أن يكون وصول بايدن إلى السلطة ممهداً لتنفيذ ما يطلق عليه “مشروع بايدن لتقسيم العراق”، والذي طرحه عام 2006 في مقال لصحيفة “نيويوك تايمز”، تحدث فيه عن إنشاء أقاليم على غرار إقليم كردستان كحل لحال الاقتتال الطائفي آنذاك.
في غضون ذلك، قال القيادي في الجبهة العراقية مشعان الجبوري، “نبارك للشعب الأميركي خياره، وللرئيس الفائز بايدن انتصاره، ولكل الفرحين بهذا الفوز ونحن منهم”.
وأضاف في تغريدة عبر “تويتر”، “نتطلع نحن أبناء المناطق المدمرة أن ينفذ خطته حول العراق والتي عارضناها سابقاً ونساندها حالياً، بعد الذي فعلته بنا الميليشيات الولائية الوافدة، والتي تتصرف كقوة احتلال غاشم وغزاة منتصرين”.
وفي السياق، يقول الكاتب والصحافي رياض محمد إن “فكرة الأقاليم طرحت في حينها كحل للاقتتال الطائفي، إلا أنه لم يأخذ بها عندما صار مسؤولاً عن الملف العراقي عام 2009 مدة ثماني سنوات”.
ويوضح أن “حل الأزمة العراقية مرهون بتطبيق رئيس الوزراء تعهداته في إطار تدعيم الدولة ومحاربة القوى الموازية لها، سواء في وجود بايدن أم ترمب”. ويشير محمد إلى أن الحديث عن فروقات بين بايدن وترمب في ما يتعلق بالعراق “مبالغ فيه كثيراً”، مبيناً أن أبرز الفروقات “ترتبط بتعاطي كل منهما مع الملف النووي الإيراني”.
ويعتقد أن “ترمب كان سيتفاوض مع إيران على الشرق الأوسط بشكل كامل، وربما يكون للعراق حصة في نتائج المفاوضات، أما بالنسبة لبايدن فإنه سيحاول عزل الملف النووي الإيراني عن أية تفاهمات في شأن العراق”، مبيناً أن هذا الأمر يمثل “فرقاً محدوداً لمصلحة الجماعات الموالية لإيران”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي