أثار تدمير منشأة عسكرية تابعة للولايات المتحدة في قاعدة بحرية بكمبوديا، عاصفة من المخاوف في شأن وجود عسكري صيني محتمل في هذا البلد الآسيوي. ومع التطور المتسارع في العلاقات بين كمبوديا والصين، والدعم المالي الكبير من بكين، أصبحت واشنطن أكثر توجساً لأي اتفاق تقدم عليه حكومة بنوم بنه مع بكين، وسط اتهامات لكمبوديا بأنها القمر الصيني الجديد، فيما يطالب البعض بخروجها من مجموعة “آسيان” لتقاربها مع الصين، وابتعادها من التحالف الشرق الآسيوي.
كمبوديا ضد أميركا
شهدت العلاقات بين كمبوديا والولايات المتحدة توتراً خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً مع قمع رئيس الوزراء هون سين للمعارضة، والعلاقات الدافئة مع حزب الشعب الصيني، وصراع النفوذ في جنوب شرق آسيا بين النسر الأمريكي والتنين الصيني.
وزادت حدة توتر العلاقات حين اتهمت الحكومة الدول الغربية صراحة بالوقوف وراء ما سمته “الثورة الملونة” في كمبوديا، ضد النظام الحاكم عام 2017، كما حظرت في العام ذاته حزب إنقاذ كمبوديا الوطني، واعتقلت زعيمه كيم سوخا إثر اتهامات وجهت له بالخيانة والتواطئ مع واشنطن لتدبير انقلاب على الحكم في البلاد، مما جعل حزب الشعب الكمبودي نافذاً ومتحكماً في مجلس النواب، بعد انتخابات عام 2018.
من ناحية أخرى، أصدرت الحكومة الأميركية عقوبات فرضتها على الحكومة الحالية في كمبوديا بحجة إعادة الحكم الديمقراطي في البلاد.
ويبدو أن التقارب الصيني – الكمبودي المتزايد بات خطراً على الولايات المتحدة ومصالحها في منطقة جنوب شرق آسيا.
ويؤكد محللون أن المساعدات الاقتصادية التي تقدمها الصين إلى كمبوديا، كونها أكبر مستثمر أجنبي في البلاد، جعل المملكة الكمبودية ميالة في قراراتها تجاه الصين بشكل واضح، وفي مسائل إقليمية عدة مثل الوجود الصيني في بحر الصين الجنوبي، فيما وصف صينيون حكومة كمبوديا الحالية بأكثر حلفاء الصين الجديرين بالثقة في جنوب شرقي آسيا.
قاعدة صينية جديدة
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أظهرت تقارير عسكرية تدمير الحكومة في كمبوديا منشأة عسكرية أميركية تقع في قاعدة “ريام” البحرية على طول الساحل الجنوبي الغربي للبلاد، حيث إن موقع القاعدة استراتيجي في خليج تايلاند، ويوفر مدخلًا لبحر الصين الجنوبي، وهو مفتاح دولي مهم للطرق الملاحية.
ووفقاً لتقرير من مبادرة آسيا لشفافية الملاحة البحرية، فإن تدمير المنشأة العسكرية الأميركية القديمة تم في موعد بين الخامس والعاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي.
وتعليقا على القرار، عبّرت سفارة الولايات المتحدة في كمبوديا عن أسفها وخيبة أملها من تدمير المنشأة العسكرية التي وصفتها برمز “الصداقة بين البلدين”.
وذكر تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” العام الماضي نقلاً عن مسؤول أميركي لم تسمه، أن الصين وقعت اتفاقاً سرياً يسمح للقوات العسكرية الصينية باستخدام أجزاء من قاعدة “ريام” حصرياً، ولكن الحكومة الصينية تنفي هذه المزاعم، إذ كذّب المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية العقيد ووكيان هذا التقرير قائلًا إن هذه المزاعم “ليست حقيقية”، فيما عبرت مصادر أميركية عن مخاوفها من هذه الخطوة، كون القاعدة هدمت لمصلحة استضافة جنود ومعدات عسكرية صينية.
وقال متحدث باسم السفارة الأميركية في كمبوديا الشهر الماضي، إن مثل هذا الوجود العسكري من الممكن أن يؤثر بشكل سلبي في العلاقات بين واشنطن وكمبوديا، كما أن من شأنه زعزعة الاستقرار في منطقة المحيط الهادئ والهندي، غير أن المتحدث الرسمي باسم الحكومة الكمبودية فاي سيفان قال إن المنشأة لم تدمرها الحكومة، ولكنها نقلتها إلى مكان آخر قريب على بعد 30 كيلومتراً شمال “ريام”.
وصرح رئيس الوزراء هون سين في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بأن الصين لن تكون صاحبة الحق الوحيد في الاستفادة من القاعدة البحرية بعد تطويرها، مضيفاً أن باقي الدول يمكنها أيضاً طلب السماح لسفن الرصيف أو إعادة التزود بالوقود أو تنظيم تدريبات مشتركة مع كمبوديا، مكرراً تأكيده منع الدستور الكمبودي لأي وجود عسكري أجنبي على أراضي بلاده.
كمبوديا القمر الصيني
لكن المعارضة الكمبودية ترفض احتمال الوجود الصيني في البلاد، ففي الاحتفال بالذكرى الـ 29 لتوقيع اتفاق إنهاء الحرب الأهلية في كمبوديا هذا العام، تظاهر عدد من النشطاء السياسيين أمام السفارة الصينية مطالبين بوقف الاعتقال العشوائي والخارج عن القانون للناشطين السياسيين، واحترام الحقوق المدنية والديمقراطية في البلاد، واعتراضاً على القاعدة البحرية الصينية التي تزعم تقارير إقامتها على الأراضي الكمبودية.
واتهم رئيس الوزراء هون سين المعارض الكمبودي المقيم في الولايات المتحدة هو فان بالوقوف وراء تأجيج التظاهرات، فيما ذكّر رئيس الوزراء هو فان بعائلته التي تعيش في العاصمة الكمبودية، موضحاً أن زوجة المعارض وأبناءه لا يمكنهم النوم جيداً، ولا بد من أنهم خائفون، كما دعا هو فان إلى إيقاف تحريض المواطنين على التظاهر، والتسبب في دخولهم السجن على حد تعبيره.
وأنكر رئيس الوزراء في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وجود أية قاعدة عسكرية صينية في البلاد، مبيناً أن كل هذه الادعاءات محض افتراءات وكذب، ويرى هون سين أن ادعاءات الوجود العسكري الصيني مجرد كذبة للإطاحة بحكومته.
كما أكد احترامه للحكومة الصينية لمساعدة بلاده في بناء كثير من الطرق والجسور، وغيرها من المنشآت المهمة، لكنه نفى تقديم كمبوديا أية امتيازات حصرية للصين في القاعدة البحرية.
كمبوديا خارج السرب
في المقابل، يعبّر الدبلوماسي السنغافوري السابق بيلهاري كواسيكان عن أثر تقارب العلاقات بين كمبوديا والصين على “آسيان” بقوله إن كمبوديا ولاوس من الممكن أن تخرجا من رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، إذا استمرتا في التصرف كوكلاء عن القوى الأخرى، قاصدًا بكلامه الصين.
ورداً على هذا التصريح، أكد أحد السياسيين الكمبوديين مدى إمكان طرد كمبوديا من “آسيان”، موضحاً أن تلك التصريحات غير المسؤولة من شأنها تقويض روح الوحدة بين دول “آسيان”، وتضليل الرأي العام.
يذكر أن ميثاق اتحاد دول جنوب شرقي آسيا يمنع طرد أي دولة أو انسحابها من “آسيان”، لكن المحللين في كمبوديا يرون أن ربط عضوية البلاد في “آسيان” بالاتفاقات السياسية والأمنية وعلاقاتها مع دول الجوار، تدخّل في شؤونها الداخلية، فبنوم بنه عملت على مشاركة اقتصادها مع مجتمعات أوسع، كما أن كمبوديا رابط لا يمكن الاستغناء عنه في ممر “آسيان” بين الشرق والغرب.
محمد غروي
اندبندت عربي