أرسل الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، الثلاثاء، إشارات تظهر أن التعامل مع الملف النووي الإيراني لن يكون بالسهولة التي يرجوها الإيرانيون، في حين يستوجب على إدارة بايدن أن تراعي مصالح حلفائها الإقليميين وأن يكون الهجوم الذي استهدف منشآت نفط سعودية قبل عام نقطة انطلاق لأي حوار مع إيران لإجبارها على ضمان أمن الملاحة والطاقة في منطقة ذات أهمية كبرى.
وقال بايدن لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية “نرفض حصول إيران على قنبلة نووية، وآخر ما نريد أن يعج الشرق الأوسط بالأسلحة النووية”، مضيفا أن إدارته وبالتشاور مع حلفاء الولايات المتحدة ستشدد القيود النووية على إيران وتتصدى لبرنامجها الصاروخي.
وقرن بايدن النقاش حول موضوع النووي بملف البرنامج الصاروخي الإيراني، واعتبر أن الأمر بالنسبة إليه لا يحتاج فقط إلى حوار ثنائي بين واشنطن وطهران بل هو في حاجة أيضا إلى مشاورات مع حلفاء الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن الرئيس الأميركي الجديد يضع ضمان مصالح الحلفاء وأمنهم القومي شرطا للعودة إلى طاولة المفاوضات مع إيران.
وتتسع دائرة الحلفاء لتشمل شركاء 5 + 1، من الأوروبيين، ولكن أيضا شركاء للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبينهم إسرائيل والسعودية والإمارات.
ويعتقد مراقبون أن إدارة بايدن ستعمل على تجاوز الأخطاء التي تضمنتها إستراتيجية الرئيس الأسبق باراك أوباما بشأن التفاوض مع إيران، والتي وضعت هدفا لها منع إيران من التحول إلى قوة نووية، وأن الإستراتيجية الجديدة ستسعى للحصول على تنازلات إيرانية مزدوجة سواء ما تعلق منها بالملف النووي أو ما اتصل بالأمن الإقليمي، وما قد يعنيه ذلك من ضغوط بشأن مخاطر البرنامج الصاروخي وتوفير الخبرات الإيرانية في المجال للميليشيات والأحزاب الموالية التي يمكن أن تستهدف الخليج وإسرائيل.
ولم يعد الأمر يقف عند مخاوف السعودية أو الإمارات من خطر القدرات الصاروخية الإيرانية، وإنما بات يهم إسرائيل بصفة أكبر، خاصة مع زيادة تسليح القوات الإيرانية والميليشيات الحليفة المتمركزة في سوريا ولبنان، ونقل الخطر إلى الحدود الإسرائيلية.
رون ديرمر: على إدارة بايدن أن تصغي إلى حلفائها في المنطقة قبل محاورة إيران
رون ديرمر: على إدارة بايدن أن تصغي إلى حلفائها في المنطقة قبل محاورة إيران
وبات من الصعب على أي إدارة أميركية أن تقارب الموضوع الإيراني دون وضع مصالح إسرائيل في الميزان، وهو أمر ستستفيد منه دول الخليج خاصة في ظل التقارب مع إسرائيل ضمن مسار السلام الجديد الذي قد يشمل السعودية في وقت غير بعيد بعد الإمارات والبحرين، وهو وضع قد يفضي إلى تحالف مصالح عربي إسرائيلي في مواجهة إيران.
ووجه سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة رون ديرمر -الذي لطالما اعتُبر أحد أكثر المستشارين المقربين من بنيامين نتنياهو- خطابه إلى إدارة بايدن قائلا “اجلسوا مع حلفائكم في المنطقة. أصغوا إليهم. نحن الأكثر تأثرا في هذه اللعبة. لدينا ما نخسره. تحدثوا معنا. حاولوا الخروج بموقف مشترك، وهو ما أعتقد أنه ممكن، ليس فقط فيما يتعلق بالقضايا النووية ولكن أيضا فيما يتعلق بالعدوان الإقليمي لإيران”.
لكن مخاطر التمدد الإيراني لا تهدد أمن دول المنطقة وحدها، فهي تضع مصالح واشنطن وجنودها في الخليج في مرمى الصواريخ الإيرانية، أو هجمات ميليشيات حليفة، مثلما هو الأمر في العراق، حيث بات إطلاق الصواريخ على مواقع أميركية أمرا معهودا.
ويفترض أن يكون الهجوم على منشآت نفطية في خريص وبقيق داخل السعودية -منذ أكثر من عام، والذي نفذه الحوثيون- نقطة انطلاق أي حوار إيراني أميركي وليس الملف النووي، وأن إدارة بايدن يجب أن تفكر في القدرات الصاروخية الإيرانية التي يمكن أن تستهدف الخليج، حيث ينتشر الآلاف من العسكريين الأميركيين في السعودية ودول خليجية أخرى.
ومن شأن حصول الحوثيين، وميليشيات أخرى، على الصواريخ الإيرانية أن يهدد أمن الطاقة وإيفاء دول الخليج بحصصها في السوق العالمية. كما قد يهدد حركة الملاحة في بحر العرب أو البحر الأحمر، وهو أمر لا تزال الإدارات الأميركية المتعاقبة تتعامل معه بتسامح، ما قد يمثل سابقة مشجعة لإيران نفسها على فرض شروطها بمنع حرية الملاحة في مضيق هرمز وضرب ناقلات النفط.
ويرى الكاتب الأميركي إيلي ليك في حوار لوكالة بلومبرغ للأنباء أن “سعي إيران للحصول على أسلحة نووية يمثل خطرا وجوديا بالنسبة إلى إسرائيل ودول الخليج العربية”.
وأضاف ليك أن “الأمر لا يتعلق بشن إيران هجوما استباقيا على أي من هذه الدول، وإنما (يتصل بمسألة) أنه سيكون من الصعب ردع تصرفات إيران المثيرة للاضطرابات وعدم الاستقرار، ودعم الإرهابيين وتسليح الجماعات المتمردة وتكوين ترسانة صواريخ بعيدة المدى، إذا امتلكت سلاحا نوويا”.
وأظهرت إسرائيل خلال السنوات الثلاث الماضية رغبتها في استغلال قدراتها المخابراتية لعرقلة البرنامج النووي الإيراني. وبالعودة إلى ذلك الوقت، فإن أغلب المراقبين كانوا يعتقدون أن إسرائيل لا تستطيع تدمير البنية التحتية النووية لإيران إلا بوسائل علنية مثل الضربات الصاروخية أو الطائرات المسيرة دون طيار.
ولكن الانفجارات التي وقعت في عدة مواقع نووية إيرانية خلال الصيف الماضي أشارت إلى قدرة إسرائيل على إنجاز جزء كبير من مهمة تدمير البرنامج النووي الإيراني عبر عمليات استخباراتية، فضلا عن الاغتيالات التي طالت أبرز العلماء العاملين في هذا البرنامج.
وقد توافق إسرائيل على عدم تنفيذ أي ضربات جديدة ضد إيران لفترة من الوقت، ربما الأشهر الأولى من حكم بايدن، لكنها لن تتخلى عن قدرتها على شن ضربات داخل إيران إلا إذا وافقت الأخيرة على التخلي عن الجوانب العسكرية من برنامجها النووي.
صحيفة العرب