في خطوة فاجأت الأوساط السياسية في العراق، قامت قوة تابعة لـ”أمن الحشد”، وهو الجهاز الأمني الداخلي في المليشيات المسلحة المنضوية ضمن “الحشد الشعبي” في العراق، إلقاء القبض على القيادي في مليشيا “سرايا الخراساني” حامد الجزائري، على خلفية تهم تتعلق بالفساد والتهريب واستغلال النفوذ، وأكدت مصادر سياسية وأخرى أمنية عراقية اعتقال الأمين العام للمليشيا نفسها “سرايا الخراساني”، أحد أبرز الفصائل العراقية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، علي الياسري، وعناصر آخرين من مساعديه خلال مداهمة لمقرّها الواقع في منطقة الجادرية ببغداد.
وأعلنت هيئة الحشد الشعبي في العراق، يوم الأربعاء الفائت، عن إغلاق ستة من المقار التابعة لها في العاصمة بغداد بسبب “مخالفات للضوابط والتعليمات”، بينما تحدّثت مصادر عراقية مطلّعة عن عملية تصفية وتفكيك لسرايا الخراساني إحدى أشرس الميليشيات الشيعية وأسوأها سمعة، بعد أن أصبحت في حالة تمرّد تام على هيئة الحشد التي تنتمي إليها صوريا، وبعد انخراط قادة هذا الفصيل في عمليات قتل وخطف واستيلاء على الأموال الخاصّة والعامّة باستخدام السلاح.
كما تحدّثت حسب تقارير إعلامية عربية عن دخول كلّ من الأمين العام الحالي للسرايا علي الياسري والآمر السابق للفصيل حامد الجزائري، في تنافس مع قادة ميليشيات أخرى على جمع الإتاوات من محالّ تجارية بينها مراقص ليلية وخمّارات في بغداد، ما عجّل بعملية الإطاحة بالياسري والجزائري.
تعد “سرايا الخراساني” الولائية أحد أبرز الفصائل العراقية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وتمتلك مليشيا جناحاً مسلّحاً يقاتل مع نظام بشار الأسد في سوريا منذ عام 2015، كما تنتشر على الحدود مع سوريا غربي محافظة الأنبار العراقية. وتُوجّه لهذا الجناح تهم القيام بعمليات تطهير طائفي وسرقة منازل في المدن العراقية المحررة في الأنبار ونينوى وصلاح الدين وحزام بغداد، وكذلك التورّط بعمليات القمع التي طالت المتظاهرين في الأشهر الماضية. وتُظهر صور عدة زعيمي المليشيا (الياسري والجزائري) مع قيادات إيرانية، أبرزها زعيم “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني المُغتال قاسم سليماني وشخصيات أخرى في “الحرس”.
وسبق أن دخلت هذه المليشيات في صدامات مسلّحة مع القوات العراقية، ومن بينها اشتباك في عام 2016 مع قوات الشرطة في مدينة بلد بمحافظة صلاح الدين، بعد محاولتها إطلاق سراح معتقلين تابعين لها، وأدت الاشتباكات إلى مقتل قيادي بالمليشيا وعدد من عناصر الأمن، وهو ما أعطى أهمية لحدث تفكيك المليشيا.
ويرى المتابعون للشأن الأمني في العراق أن عملية الاعتقال قد تعقبها عمليات اعتقال أخرى لقيادات وشخصيات ثانية في الحشد، وكلّها نتيجة صراعات داخلية وتنافس، وهذه أحد أبرز إفرازات ما بعد قاسم سليماني في العراق، وهناك قيادات أكثر تورطاً من الجزائري في ملفات فساد وانتهاكات وتطهير طائفي، لكنها الآن تتولى مكانة مميزة في الحشد، ما يؤكد أن الموضوع تنافس ومشاكل وصراعات داخلية، أغلبها بطابع شخصي.
وبعد مقتل سليماني، بدأت الكثير من المليشيات التي كان يقودها بشكل مباشر، بالتمرد وعصيان الأوامر الإيرانية، فقد أدركت هذه المليشيات عدم حاجتها إلى الدعم الإيراني، بفعل سيطرتها على المشاريع الاقتصادية في العراق، والدخول في العملية السياسية واستلام المناصب، وأدركت أن هيئة الحشد الشعبي، لا تستطيع التحرك نحو أي مليشيا من دون رفع الحماية الإيرانية عنها، فالتحرك باتجاهها مع وجود حماية من طهران سيولّد ردود أفعال من قبل المليشيات الأخرى، والأمر سوف يصل إلى الاشتباك المسلح.
وعلى أساس هذه المعطيات فإن تحرك أمن الحشد نحو بعض المليشيات، جاء بعد رفع الحماية والدعم الإيراني عنها، فطهران لا تريد لأية قوة مسلحة أن تنافسها على نفوذها في العراق، ولهذا السبب منحت الضوء الأخضر لتفكيك هذه المليشيات، وهذه الحملة بكل تأكيد لن تتوقف مع سرايا الخراساني وقياداتها، بل ستشمل المزيد من المتمردين من المليشيات على إيران.
إن تفكيك السرايا في هذا التوقيت قد يعني أن الحشد يسير في اتجاه أن يكون تحت مظلة القيادة العامة للجيش العراقي بشكل كامل ولا توجد فيه فصائل تتبنى خيارات أخرى، وهو ما دفع إدارة الحشد إلى اتخاذ هذا الإجراء وإقصاء الفصائل التي تصنف بأنها غير طائعة للقيادة العامة أو ملتحقة بشكل غير قانوني.
إن تفكيك السرايا وملاحقة كبار قادتها في هذا التوقيت قد يعني أيضًا، وإن وضعا تحت عنوان تطبيق القانون وفرض الانضباط، إلا أنهما لا يحجبان استشراء الخلافات واشتداد الصراعات بين الفصائل المشكّلة للحشد الشعبي على المكاسب المالية وغيرها، حتّى ان تعايش بعض تلك الفصائل داخل الهيئة الجامعة لها لم يعد متاحا، فتم اللجوء إلى أسلوب الشطب والإلغاء على قاعدة البقاء للأقوى سلاحا والأكثر نفوذا سياسيا.
وحدة الدراسات العراقية