أفادت مصادر صحية رسمية في عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي بأن الجهاز المكلّف في المفوضية توزيع اللقاحات التي تنتجها شركة «فايزر» على الدول الأعضاء قد أبلغها أنه لن يتمكّن من تسليمها سوى نصف الكميات الموعودة خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة. وأعربت بعض الدول عن شكوكها من أن تكون «فايزر» قد وقّعت عقوداً لتسليم كميّات لا تملك القدرة الكافية على إنتاجها وتسليمها في المواقيت المتفق عليها، والتي على أساسها وضعت البلدان الجداول الزمنية لحملات التلقيح.
التطمينات التي كررتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مساء الجمعة الماضي، من لشبونة بأن التأخير في تسلم الكميات الموعودة من لقاح «فايزر» خلال الأسابيع المقبلة لن يؤثر على حملات التلقيح الجارية في بلدان الاتحاد الأوروبي، لم تقنع الحكومات التي أعرب معظمها عن توجّسه من عرقلة هذه الحملات في هذه المرحلة الحرجة عشيّة مواعيد الجرعات الثانية التي تؤمن فاعلية اللقاح في ذروة الموجة الوبائية المتسارعة بسبب السلالات الجديدة المتحورة من الفيروس. واللافت أن نبأ انخفاض كميّات اللقاح التي ستوزّع على البلدان الأوروبية بدءاً من الأسبوع المقبل حتى مطالع الشهر المقبل، لم يصدر عن شركة فايزر المنتجة ولا عن المفوضية الأوروبية التي أبرمت معها عقود الشراء وتتولّى حصريّاً توزيع اللقاح على الدول الأعضاء في الاتحاد، بل عن معهد الصحة العامة في النرويج التي ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي. وكان المعهد قرّر كشف الخبر بعد أن أبلغته الشركة بالتأخير، مشيراً في بيان إلى أنه سيشمل جميع البلدان الأوروبية.
من جانبها، أعلنت مجموعة فايزر الأميركية بالشراكة مع مختبر بيونتيك الألماني، أمس، «خطة» من شأنها أن تسمح بالحدّ من مدة تأخير تسليم اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجدّ إلى أسبوع فقط، في وقت تخشى فيه أوروبا تباطؤ تسليم الجرعات لمدة «ثلاثة أو أربعة أسابيع». وقالت الشركتان في بيان مشترك إن «فايرز وبيونتيك طوّرتا خطة ستسمح برفع قدرات التصنيع في أوروبا وتزويد عدد أكبر من الجرعات في الفصل الثاني» من العام. وأضافتا: «سنعود إلى الجدول الزمني الأساسي لعمليات التسليم في الاتحاد الأوروبي بدءاً من 25 الشهر الجاري مع زيادة عمليات التسليم بدءاً من 15 فبراير (شباط)». وأشارت المجموعتان إلى أنه «من أجل القيام بذلك، باتت بعض التعديلات على عملية الإنتاج ضرورية».
وكانت «فايزر» و«بيونتيك» حذرتا الجمعة، بشكل غير متوقع من أنهما لن تتمكنا من تسليم دول الاتحاد الأوروبي، حتى مطلع الشهر المقبل، الكميات المتفق عليها أسبوعياً. وتحدثت برلين عن خفض الوتيرة لمدة تراوح بين «ثلاثة وأربعة أسابيع». وفي بيانهما الأخير، أوردت الشركتان أن مصنعهما في بورز (بلجيكا) «سيشهد خفضاً مؤقتاً لعدد الجرعات المنتجة الأسبوع المقبل».
وأوضحت الشركة أنها ستجري تعديلات في مصنعها الرئيسي قرب العاصمة البلجيكية لتطوير عملية الإنتاج، وأن هذه التعديلات تحتاج لبعض الوقت ولموافقة الجهات الناظمة المعنيّة. وأضافت الشركة أن ذلك سيؤثر على إمدادات الأسابيع المقبلة، لكنه سيؤدي إلى زيادة ملحوظة في الإنتاج اعتباراً من نهاية الشهر المقبل. وأفاد مصدر مسؤول في الشركة بأن الإنتاج المقدّر حالياً بنحو 1300 مليون جرعة سنوياً سيرتفع إلى 2000 مليون جرعة بفضل التعديلات.
ومن لشبونة، حيث تشارك في إطلاق الرئاسة الدورية البرتغالية للاتحاد، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية: «اتصلت فور معرفتي بالخبر برئيس الشركة الذي شرح لي أسباب التأخير المرتقب في الأسابيع المقبلة، لكنه أكّد أن الكميّات الموعودة لهذا الفصل سيتمّ تسليمها كاملة قبل نهاية مارس (آذار)». وأضافت فون دير لاين أنها شدّدت على الحاجة الملحّة للحصول بأسرع وقت على جرعات اللقاح، واستغربت حكومات أوروبية عدة كيف أن الخبر لم يصدر عن الشركة المعنيّة أو المفوضية الأوروبية، بل من دولة ليست عضواً في الاتحاد وغير مشاركة في العقود المبرمة بين المفوضية والشركة.
وتجدر الإشارة إلى أن اللقاح الذي طورّته شركة بيونتيك الألمانية وتنتجه شركة فايزر الأميركية، والذي يشكّل حالياً الرهان الرئيسي في حملات التلقيح الأوروبية، يحتاج إلى جرعتين تفصل بينهما ثلاثة أسابيع لاستكمال مناعته، وأن الدفعة الأولى من الجرعات الثانية تبدأ اليوم (الأحد) في البلدان التي باشرت بتوزيعه أواخر الشهر الماضي.
في غضون ذلك، أفادت آخر بيانات منظمة الصحة العالمية بأن القارة الأوروبية انتقلت إلى مركز الصدارة في عدد الوفيّات الناجمة عن كوفيد، متقدمة للمرة الأولى على أميركا الشمالية. وفيما تجهد الدول الأوروبية لتسريع حملات التلقيح على وقع مزيد من الأرقام القياسية في عدد الإصابات والوفيات، نبه المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها أن بلوغ المليون الأول من ضحايا الفيروس استغرق أكثر من سبعة أشهر منذ ظهوره، لكن العدد تضاعف في أقل من 3 أشهر. وجاء في التقرير الدوري الأخير للمركز أن المعدّل اليومي للوفيات خلال الصيف الماضي كان يراوح عن الخمسة آلاف، وارتفع الآن إلى 13 ألفاً. وكان خبراء منظمة الصحة العالمية قد أشاروا إلى أن سرعة سريان الفيروس في برد الشتاء قد تتجاوز ضعف سرعته في الصيف، ودعوا إلى تكثيف حملات التلقيح بعد أن صارت مواجهة الجائحة سباقاً مع الوقت.
وتجمع الأوساط العلمية على أن العالم ما زال بعيداً عن الوصول إلى المناعة الجماعية (مناعة القطيع) ضد الفيروس، وأن نحو 90 في المائة من السكان ما زالوا عرضة للإصابة بالوباء الذي أصبحت معركة القضاء عليه مرهونة بالقدرة على الإسراع في إنتاج اللقاحات وتوزيعها. وكانت البيانات الأخيرة لمنظمة الصحة قد أفادت بأن عدد الوفيات الناجمة عن الفيروس في أوروبا بلغت 614 ألفاً، تليها أميركا الشمالية 565 ألفاً وأميركا الجنوبية 383 ألفاً، أي بمعدّل 900 وفاة لكل مليون نسمة في القارات الثلاث. أما في آسيا التي تسجّل كثافة سكانية عالية، فقد بلغ عدد الوفيات 353 ألفاً، أي بمعدّل 90 وفاة لكل مليون نسمة. كما تجدر الإشارة إلى أن ثمّة إجماعاً بين المتخصصين في الصحة العامة والإحصائيات على أن العدد الفعلي للوفيات والإصابات يزيد بكثير على الأرقام الرسمية، وأنه قد يضاعفها عشر مرات في بعض الأحيان.
الشرق الأوسط