أعلن وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، يوم الأربعاء الفائت، إرسال طلب إلى مجلس الأمن الدولي لمراقبة الانتخابات المبكرة المقبلة المقرر إجراؤها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وذكرت وزارة الخارجية العراقية، في بيان لها، أنّ “وزير الخارجية فؤاد حسين التقى رئيس بعثة الاتحاد الأوروبيّ في بغداد مارتن هوث، ونائبه جان بيرنارد، ورئيس البعثة الاستشارية التابعة للاتحاد الأوروبي في العراق”. ووفقاً للبيان الذي نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع)، فقد جرى خلال اللقاء بحث التحضيرات لإجراء الانتخابات خلال هذه السنة”.
وأكّدَ حسين أنّ “الحكومة ماضية بإجراء الانتخابات التي تعدُّ أحد أهم الأهداف الرئيسة في المنهاج الحكومي”، مشدداً على “استعداد الحكومة لتوفير كل المتطلبات التي تقع على عاتقها، وتوفير الأجواء الآمنة لإجراء انتخابات نزيهة تلبي المعايير الدوليّة”.
وأضاف البيان أنه “جرى النقاش بشأن الخطوات التي اتخذتها وزارة الخارجيّة للتواصل مع المنظمات الدوليّة، ومنظمة الأمم المتحدة، ودعمها للعملية الانتخابية ودعوة مراقبين دوليين لمراقبتها، وأن الوزارة قامت بإرسال رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي حول طلب الرقابة الانتخابية، وبصدد إرسال رسالة ثانية حول الموضوع نفسه”.
من جانبه، أكد هوث دعم الاتحاد الأوروبي للانتخابات العراقيّة بمختلف مفاصلها، إذ خصص مبلغاً معيناً كدعم مالي للعملية الانتخابية في العراق، موضحاً أنّ بعثة الرقابة الانتخابية التي سيرسلها الاتحاد الأوروبي المكونة من (6) أشخاص ستنطلق من بروكسل في 30 يناير/كانون الثاني الحالي، وستستمر مهمتها في العراق لمدة أسبوعين.
لقد كانت الأمم المتحدة موجودة و(مشرفة) على كل الانتخابات الماضية الخمسة، التي أجريت منذ عام 2005، بالإضافة إلى الاستفتاء على الدستور، لكننا نعلم أن تزويرا وفسادا قد شاب تلك الانتخابات، بل إن الانتخابات الأخيرة التي أجريت عام 2018 قد شابها تزويرٌ واسع، إذ استغلت الجماعات المسلحة غياب الناخبين، الذين أعرضوا عن التصويت لعدم جدواه في إجراء التغيير الذي ينشدونه، لتستخدم الاستمارات الانتخابية الفارغة لصالح مرشحيها، ولذلك (فازت) بالنسب نفسها التي حصلت عليها سابقا، على رغم السخط الجماهيري الواسع من أدائها.
تُعرف الرقابة الدولية بأنها اطلاع المجتمع الدولي على سير العملية الديمقراطية في الدول التي تطلب ذلك؛ للوقوف على مدى اتفاقها مع المعايير الدولية للديمقراطية، ومدى تعبيرها عن إرادة الشعوب، كما أنها تُعرف بالإجراءات التي تتسم بالموضوعية والحياد من قبل أشخاص تم تكليفهم بشكل رسمي بممارسة أعمال المتابعة والرقابة وتقصي الحقائق حول صحة إجراء وسير العملية الانتخابية، والتحقق من الدعاوى التي تشير إلى حدوث أية انتهاكات، على أن يتم ذلك وفق اللوائح والقوانين المعمول بها.
وتُحقق الرقابة الدولية النزاهة للانتخابات من خلال البعثات المختلفة للإشراف على سير العملية الانتخابية، ومتابعة تفاصيل تلك العمليات في الدول المختلفة، وبطلب منها. وإن تلك العمليات تقوّم الانتخابات وتضفي عليها صفة النزاهة والحرية من خلال التقارير الصادرة عنها، ويتم أيضا بيان النواحي الإيجابية والسلبية للعملية الانتخابية، واصفا إياها بأبرز المهام التي تبناها المجتمع الدولي لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
ويمنع وجود مراقبين يمثلون جهات دولية بارزة كمنظمة الأمم المتحدة أو المنظمات الأخرى أو حتى المنظمات غير الحكومية حصولَ الخروق والتجاوزات أو التقليل منها على الأقل، ويمنح الثقة -حسب رمضان- في شرعية الانتخابات، ويعد عاملا مساعدا في دعم جمهور المقترعين، وكذلك الجهات القائمة على الانتخابات والسلطة الرسمية في الدولة.
وتسهم الرقابة الدولية في تأسيس نظام حكم ديمقراطي من خلال الاهتمام الذي يبديه المجتمع الدولي من أجل ترسيخ وتعزيز المبادئ الديمقراطية بتحقيق مجموعة من المبادئ؛ لعل أبرزها وأهمها مبدأ احترام حقوق الإنسان، بالإضافة إلى تعزيز مبدأ حكم القانون واحترام الإرادة السياسية، كما يقول الخبير القانوني، مؤكدًا ضرورة أن تؤدي الرقابة الدولية مهمتها في تقييم العملية الانتخابية وفقًا للمبادئ الدولية المرعية في الانتخابات الديمقراطية وفي القوانين الوطنية.
وبعد التطورات الأخيرة التي شهدها العراق على المستويين السياسي والاقتصادي، باتت شرعية النظام السياسي الحالي متوقفة على الانتخابات المبكرة، ونسبة العدالة التي ستضمنها الحكومة، وتحقيقها تمثيلا حقيقيا لأبناء الشعب العراقي بعد كل الأزمات والمشاكل التي واجهها، حسب المحلل السياسي والأكاديمي مهند الجنابي، الذي اتهم القوى السياسية العراقية بتفصيل قانون الانتخابات حسب رغباتها، بعد أن فقدت كثير منها شرعيتها لدى الشعب.
ولاقت المطالبة بالمراقبة الدولية على الانتخابات العراقية ترحيبا واسعا منعا للتزوير، خاصة في المناطق التي تخضع لسيطرة المليشيات والمجاميع المسلحة التابعة لبعض الأطراف السياسية، وتعجز الحكومة عن صدّها أو منع توسعها، مع دعوات إلغاء بطاقة الناخب القديمة، والاعتماد على الجديدة المحدثة “بايومتريا”، وتضم بيانات حيوية تساعد في التعرف على الهوية؛ كبصمات العيون والأصابع، وتوجب على حاملها الحضور شخصيا إلى المركز الانتخابي للإدلاء بصوته، على عكس القديمة التي لا يُطلب حضور حاملها.
لكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق، هل المراقبة الدولية تلبي طموح الداخل والخارخ وخاصة روسيا والصين؟
فيما يتعلق بالداخل ، مما لاشك فيه بأن المليشيات سوف ترفض المراقبة الدولية على الانتخابات العراقية، لأنها تخشى على نفسها من نزاهتها، فانتخابات نزيهة يعني خروج المليشيات من المشهد النيابي العراقي، وهذا الأمر لن تقبل به، وخاصة أن هذه الانتخابات هي أولى من نوعها بعد الحركة الاحتجاجية التي شهدتها العراق في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018م، وكان المحرك الأساس لتلك الاحتجاجات حالة الاستياء العارمة والعامة التي اجتاحت الشعب العراقي من سلوكها المشين، وسيطرتها على مفاصل كثيرة في الدولة العراقية. وإنهاء التدخل الإيراني في شؤون العراق، من خلال القضاء على الميليشيات وحيتان الفساد السياسي.
لذلك ستتذرع تلك المليشيات ومن يدعمها داخليا وخارجيا، من أجل الحفاظ على “المكتسبات” التي حققتها منذ 17 عام. باتجاه أن المراقبة الدولية شكل من أشكال المساس بالسيادة العراقية، وهي أي المليشيات آخر همها السيادة العراقية، كما ستتذرع بأن المراقبة الدولية يعني التدخل في الشؤون الداخلية للعراق.
أما روسيا والصين ستلقي بثقلها كي لا يصدر عن مجلس الأمن أي قرار يتعلق بتشكيل لجنة مراقبة دولية على الانتخابات العراقية، ليس من باب الحرص على السيادة العراقية وعدم التدخل بشوؤنه وإنما تخشيا في حالة صدور هكذا قرار من مجلس الأمن، أن تجد نفسيهما ذات يوم تخضع انتخاباتهما التي في الأغلب انتخابات صورية إلى مراقبة دولية.
كثيرون في العراق يعولون على الانتخابات المقبلة لتغيير النظام السياسي والإتيان بطبقة سياسية جديدة كبديل للطبقة الحالية المتهمة بتدمير العراق وسرقة أمواله، وربطه بالنظام الإيراني المحاصر دوليا وشعبيا والمرفوض عراقيا.
فالتحدي الحقيقي الذي يواجه الإنتخابات النيابية المقبلة أن تكون نزيهة أو شفافة فإذا تحقق ذلك فإن العراق سوف يرسم طريق جديد لحاضره ومستقبله أما إذا زورت الانتخابات لصالح المليشيات فإن مصير حاضره ومستقبله سيكون الفشل.