بدأت صور المواجهة الكلامية والإعلامية واضحة بين واشنطن وطهران، بعد استلام الرئيس الأمريكي جون بايدن لمقاليد الإدارة الأمريكية، وتصاعد حدة الخطاب السياسي الإيراني الذي بدأه المسؤولون الايرانيون بشكل فعال عندما رفعوا سقف مطالبهم السياسية والاقتصادية إذا ما فكرت واشنطن بدء المفاوضات حول البرنامج النووي وموضوعة الصواريخ البالستية طويلة المدى ، وجاء تصريح علي شمخاني (أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني) بمطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بإلغاء شامل للعقوبات كخيار وحيد لعودتها للاتفاق مع تعويضات مالية عن فترة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب على طهران وتقديم الاعتذار عن عملية اغتيال قاسم سليماني .
هذه الشروط السياسية والاقتصادية التي تحدث بها المسؤول عن السياسة الأمنية الايرانية والقريب من المرشد الأعلى علي خامنئي والموجه للسياسة الايرانية في علاقتها مع الادارة الامريكية والأوربيين، توضح مدى حقيقة الطريقة الميدانية التي سيتبعها النظام الحاكم في طهران، وأنه لا يزال يفكر بصيغة المواجهة المباشرة، مبتعدا عن سياسة التروي والحكمة والعقلانية والنظرة الاستراتيجية في التعامل مع العقوبات المفروضة عليه، وتبقي حالة الاضطراب وفقدان التوازن السياسي في إيجاد طرق ووسائل للبدء في مواصلة التفاوض مع الادارة الامريكية الجديدة والاتفاق معها على صيغة جديدة تعيد النظام الى ممارسة علاقته مع دول العالم وتصديره لثرواته الطبيعية .
تزامنت هذه التصريحات والشروط مع ما قاله علي خامنئي بأنه (يعتبر أن الصواريخ البعيدة المدى هي جزء من الدفاع عن الأمن القومي الايراني وأن النفوذ الايراني في المنطقة هو من أسس وثوابت الثورة الاسلامية) ، وأمام هذه الأقاويل الإيرانية جاء الرد الحاسم من قبل إدارة الرئيس جون بايدن، وعلى لسان وزير الخارجية (أنتوني بلينكن) عندما أشار الى أن واشنطن لن تعود للاتفاق النووي إلا إذا وفت إيران بالتزاماتها، وأن استئناف الحوار مع طهران سيستغرق وقتا) .
معروف لدينا أن الرئيس الأمريكي جون بايدن على دراية تامة بالمشاكل والأزمات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط منذ عمله مسؤولا عن العلاقات الخارجية في الكونغرس الامريكي في بداية التسعينيات من القرن الماضي، ثم تسنمه منصب نائب الريس لمدة ثماني سنوات عمل فيها مع الرئيس أوباما، ما أكسبه خبرة ميدانية ورؤية واقعية لطبيعة التعامل مع هذه المنطقة المهمة والحساسة في ميزان المصالح الأمريكية على النطاق الدولي والإقليمي، وتحديدا سلوك وتوجهات النظام الايراني والأهداف التوسعية لسياسته تجاه الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، والسياسة الممنهجة التي ينتهجها هذا النظام في مواصلة تدخلاته بالشؤون الداخلية للعديد من عواصم الأقطار العربية وهيمنته ونفوذه في (العراق وسوريا ولبنان واليمن) وطبيعة المسار الذي تتبناه السياسة الايرانية في مواجهة العديد من القضايا الإقليمية المحيطة بها، وخاصة مع روسيا والصين وتركيا، وما الأحداث الأخيرة في أذربيجان وأرمينيا إلا دليل واضح على طبيعة الرؤية السياسية التي يتبناها النظام الايراني وسعيه ليكون لديه حضور وتأثير في جميع القضايا الدولية والإقليمية المحيطة به.
في ضوء هذه الوقائع والأحداث، من الممكن أن ننظر إليها من عدة زوايا وضمن رؤية مرحلية تتضمن الآتي:
1. إن السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط ستتأثر بالعديد من الأحداث التي رافقت إدارة الرئيس ترامب وعلمها بالتعقيدات الميدانية التي تستحكم في طبيعة المسارات السياسية في المنطقة ومنها العلاقة مع النظام الايراني.
2. تسعى الإدارة الامريكية لمناقشة موضوع إعادة المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، ولكن ضمن السياقات التي حددتها العقوبات المفروضة على طهران وبمشاركة شركائها الأوروبيين وحلفائها من العرب وخاصة في منطقة الخليج العربي .
3. تحديد سلوك وتوجهات النظام الايراني الذي يستهدف حالة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، ويسعى الى إشاعة الفوضى والهاجس الأمني باستمرار سياسة التدخل في الشؤون الداخلية، وسيكون للإدارة الامريكية موقفا واضحا ورافضا لهذه السياسية .
4. استمرار الإدارة الامريكية في مواجهتها للنفوذ الايراني وتطويقه والحد منه في العديد من عواصم الأقطار العربية ومنع ميليشياتها ووكلائها من العمل والتأثير على القرارات السياسية لتلك العواصم وتحديدا في العراق وسوريا ولبنان واليمن .
5. يدرك النظام الايراني طبيعة وحقيقة المصالح الأمريكية في المنطقة العربية وعلاقتها مع حلفائها وشركائها، ولهذا فإنه عمل على تحديد مفهوم الأمن القومي الإيراني، معتبرا أن مناقشة مسألة تطوير الصواريخ الباليستية بعيدة المدى تعد جزءا من أمنه وأنها خط أحمر لا يمكن الرجوع عنه أو التفاوض عليه .
6. لا زالت الرؤية السياسية لمبدأ (إيران الثورة) يجسدها أحاديث وتوجهات علي خامنئي بتأكيده (أن تدخل بلاده في المنطقة العربية يحقق الاستقرار ويهدف الى منع الاضطرابات وهو تدخل حتمي ومستمر) وهذا ما تعرفه الادارة الأمريكية وستعمل على مواجهة هذه التحديات الميدانية من خلال عملية التفاوض والتمسك بالثوابت التي وردت بالعقوبات السياسية والاقتصادية .
7. سياسة الرسائل الايرانية لا زالت مستمرة في توجهاتها وعرض الامكانيات والتهديدات العسكرية في مناورات مستمرة، معتبرة أن أي تغيير يحدث في العالم هو انتصار لها كما تحدث الرئيس الايراني روحاني عن عدم فوز الرئيس ترامب معتبرا إياه نصرا لإيران.
إن التوجه الامريكي نحو السياسة الإيرانية في المنطقة أعطى مدياته في تصريح وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، بالإشارة الى أن هناك متسع من الوقت في عملية التوجه للتفاوض مع إيران، بعد السقوف العالية التي تقدمت بها طهران قبل إجراء العودة الى أي تفاوض قادم وواضح، وأنها لا زالت تبتعد عن أسلوب السياسة الناعمة في قراءتها للأحداث، وفي علاقتها مع الولايات المتحدة الامريكية، ومستمرة في المبالغة بسياسة التشدد وإظهار القوة، وهي سياسة تدركها الإدارة الامريكية ولا تخفيها أو تخشى منها>
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية