في حضارة القرن الحادي والعشرين الجوع يجتاح العالم

في حضارة القرن الحادي والعشرين الجوع يجتاح العالم

الباحثة شذى خليل*
من مآسي حضارة القرن الحادي والعشرين، اعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن عدد المعرضين للنقص الحاد في الغذاء قد يتضاعف هذا العام ليصل إلى 265 مليونا بسبب التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19، وأن شبح المجاعة قد يهدد ما يصل إلى نحو 30 دولة في ظل الجائحة.
ناهيك عن انخفاض عائدات السياحة وتحويلات العاملين بالخارج وقيود أخرى ترتبط بتفشي فيروس كورونا المستجد في دفع قرابة 130 مليونا نحو الجوع الشديد هذا العام لينضموا إلى نحو 135 مليونا ضمن هذه الفئة.
اختلال النظم الغذائية يعني تهديد لكل جانب من جوانب الوجود البشري، واقتصاداتنا وثقافاتنا، ويشير مصطلح ’’ النظام الغذائي‘‘ إلى مجموعة الأنشطة التي ينطوي عليها إنتاج الأغذية ومعالجتها ونقلها واستهلاكها، وعندما تعمل النظم الغذائية بشكل جيد، فإنها تصبح قادرة على توحيد صفوفنا كأُسَر ومجتمعات محلية وأمم.
اغلب دول العالم باتت قلقة على امنها الغذائي العالمي بعد أن عطل فيروس كورونا حركة الانتاج العالمي بالقطاعات كافة سيما الزراعية، فيما أدت جائحة “كوفيد – 19” لخسائر كبيرة في الأرواح بالعالم أجمع، انطوت مخاطرها أيضا على تأثيرات اجتماعية واقتصادية بالغة من ضمنها المساس بالأمن الغذائي والتغذية، بحسب تحذيرات مشتركة صدرت عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) والبنك الدولي وبرنامج الأغذية العالمي.
وبحسب بيانات برنامج الغذاء العالمي، فإن هناك 821 مليون إنسان يعانون من الجوع على مستوى العالم، منهم 135 مليونا يعانون من الجوع الشديد أو الفقر المدقع، ويعمل برنامج الغذاء العالمي على ايصال مساعداته لنحو 100 مليون شخص فقط، منهم 30 مليونا يرتبط بقائهم على قيد الحياة بما يحصلون عليه من مساعدات البرنامج.
ومن المتوقع بحسب الدراسات، أن ترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير في العام الحالي 2021، وهو ما يهدد بزيادة التوترات الاجتماعية، وإمكانية اندلاع احتجاجات في جميع أنحاء العالم، خاصة في الدول العربية، كما أن محاولات الحكومات العربية تعويض ارتفاع الأسعار من خلال الدعم، يمكن أن تزيد من زعزعة استقرار الموازنات الحكومية، التي تعاني بالفعل من العجز دون جدوى.
ومن أسباب هذه المؤشرات لتوقعات ارتفاع أسعار القمح الروسي، في الفترة القليلة الماضية، إلى أعلى مستوياتها في 4 سنوات، عند 260 دولاراً للطن الواحد، ومن المتوقع أن ترتفع تلك الأسعار بشكل أكبر.
اما في أوكرانيا، وبسبب الجفاف، انخفض محصول الحبوب لعام 2020 بمقدار 7 ملايين طن عن العام الماضي، وكذلك انخفضت صادرات الحبوب والفاصولياء منذ بداية الموسم 2020-2021 وحتى 1 يناير من العام الجاري بنحو 4.5 مليون طن. ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الخبز بنسبة 20%، في الوقت الذي دعا فيه مربّو الماشية في البلاد الحكومة إلى تقييد صادرات الذرة لتأمين احتياجات السوق المحلية.
اما في مصر تشكل 95% من واردات مصر من القمح، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم، من منطقة البحر الأسود، بما في ذلك روسيا وأوكرانيا ورومانيا. وفي النصف الثاني من عام 2020، اشترت مصر 6.3 مليون طن من القمح من هذه المنطقة (بزيادة سنوية قدرها 26%) من إجمالي الصادرات وقدرها 6.61 مليون طن (بزيادة قدرها 7%). وسوف يؤثر ارتفاع أسعار قمح البحر الأسود الرخيص بشدة على ميزانية مصر والأردن والمنطقة بأكملها، وقد يؤدي إما إلى عجز في الموازنة، إذا استمرت الحكومة في دعم مشتريات الحبوب، أو إلى زيادة في أسعار الخبز.
ان النمو العالمي لأسعار القمح، مع الأخذ بعين الاعتبار ضعف حصاد الذرة في أمريكا الجنوبية، ونمو واردات الذرة من الصين، والحالة السيئة لمحاصيل القمح في روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. في روسيا، من المتوقع أن ينخفض الحصاد العام المقبل، حيث تبلغ حصة المحاصيل الشتوية ذات الحالة السيئة 22%..
تعد مشكلة نقص الغذاء اضطراب المجتمعات، وهذا ما قسم دول العالم من حيث إنتاجها للغذاء إلى ثلاث فئات أو اقسام: دول تكفي نفسها بنفسها، ولكن ليس لها نصيب في التجارة العالمية، ودول أخرى لديها فائض في الإنتاج الزراعي عن حاجة سكانها، ودول يعجز إنتاجها الزراعي عن الإيفاء بحاجة سكانها، حيث كلاهما يتحكمان في تجارة المواد الغذائية الدولية، وتتأثر هذه الدول دون غيرها إذا تعرض الاستقرار العالمي للخطر.
ولا شك أن تموضع جائحة كورونا كوفيد19 على خريطة دول العالم جعل من قطاعي الصحة والغذاء تحت مجهر الاختبار، وقد نتج عن الجائحة اختلال في موازين القوى، ولم يعد هناك مركز قوة قادراً على لعب دور محوري في احتواء الأزمة، وألقت التأثيرات بظلالها على انقسام مواقف الدول العظمى والاتحاد الأوروبي، باتجاه استيلاء بعض الحكومات على شحنات طبية، وربما شحنات غذائية يوماً ما.
هل نحن مقبلون على أزمات موجعة ومهددة للوجود ، اذ حذرت منظمتان للأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية من خطر حصول “نقص في المواد الغذائية” في السوق العالمية بسبب الاضطرابات في التجارة الدولية وسلاسل الإمدادات الغذائية جراء تفشي فيروس كورونا المستجدّ، وإن “الغموض حول توفر الغذاء يمكن أن يتسبب بموجة قيود على التصدير” التي قد تتسبب بدورها ب”نقص في السوق العالمية”.
وجاء في النص المشترك أنه بالنسبة إلى المنظمات الثلاث التي تعنى بشؤون الصحة والتغذية والتجارة الدولية، “من المهمّ” تأمين المبادلات التجارية “بهدف تفادي حصول نقص في المواد الغذائية على وجه خاص”.
لكن المنظمات الثلاث حذرت من “تباطؤ حركة العاملين في قطاعي الزراعة والغذاء”، ما يتسبب بعرقلة الكثير من الزراعات الغربية وبحصول “تأخر على الحدود لحاويات” البضائع، ما يؤدي إلى “هدر المنتجات القابلة للتلف وزيادة التبذير الغذائي”.
وأشارت المنظمات إلى الحاجة لـ “حماية” الموظفين في قطاع الانتاج الغذائي والعاملين في الصناعة التحويلية للأغذية الزراعية وأيضاً العاملين في التوزيع بهدف “التقليل من تفشي الفيروس في القطاع” و”الحفاظ على سلاسل الإمدادات الغذائية”.
وأضاف مدراء المنظمات الثلاث “عندما تكون المسألة مسألة حماية الصحة ورفاهية المواطنين، ينبغي على الدول ضمان أن لا تتسبب مجمل التدابير التجارية باضطرابات في سلاسل الإمدادات الغذائية”، وأكدوا أن “في فترات كهذه، يصبح التعاون الدولي ضرورياً”، وختموا بالقول “علينا ضمان أن لا يؤدي تصدينا لوباء كوفيد-19، بطريقة لا إرادية، إلى نقص غير مبرر للمنتجات الأساسية ويفاقم الجوع وسوء التغذية”.
ختاما ان أكثر النظم الغذائية في العالم هشة ولم يخطط لها بدراسات علمية، ومعرضة للانهيار، مثل ما اختبره ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم بشكل مباشر أثناء أزمة فيروس كورونا (كوفيد-19). وعندما تصاب نظمنا الغذائية بالعجز، فإن الفوضى الناجمة عن ذلك تهدد تعليمنا وصحتنا واقتصادنا، فضلاً عن حقوق الإنسان والسلام والأمن. وكما هو الحال في حالات عديدة، يكون الفقراء أو المهمشين بالفعل هم الأكثر ضعفاً، العالم بحاجة الى تكامل اقتصادي ليبقى على قيد الحياة.

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية