مؤشرات محبطة تخفض سقف آمال التغيير المعلّقة على الانتخابات العراقية القادمة

مؤشرات محبطة تخفض سقف آمال التغيير المعلّقة على الانتخابات العراقية القادمة

لجوء الأمم المتّحدة إلى إيران في إطار الجهود التي تبذلها المنظمة لمساعدة العراق على إجراء انتخابات سليمة من تأثيرات المال والسلاح، وإن بدا أمرا مستوحشا لدى كثير من العراقيين، إلاّ أنّه بدا لآخرين أمرا واقعيا من منظور المعرفة الأممية المعمّقة بسلطة طهران على الأحزاب والميليشيات الشيعية العراقية وبقدرتها على لجمها ومنع عبثها بإرادة الناخبين، في حال استجابت للرغبة الأممية في ذلك.

بغداد – تتراجع لدى شرائح واسعة من العراقيين الآمال المعقودة على الانتخابات البرلمانية القادمة كأداة لتغيير الأوضاع السيئة التي تعيشها بلادهم، وذلك مع توالي المؤشّرات على توفّر نفس المناخات والظروف التي حفّت باستحقاقات انتخابية سابقة، وأدّت دائما إلى تواصل هيمنة القوى السياسية التي حكمت العراق في فترة ما بعد الغزو الأميركي على مقاليد السلطة رغم فشلها الذريع في قيادة الدولة.

وبدأ شبح التدخّلات الخارجية يخيّم بشكل مبكر على الانتخابات المقرّرة لشهر أكتوبر القادم، في وقت تسابقت فيه العشرات من الأحزاب السياسية والتحالفات الانتخابية المشكّلة على عجل ودون برامج واضحة وأسس منطقية للتحالف في ما بينها، على التسجيل في قوائم الكيانات الراغبة في المشاركة بالانتخابات، مضفية سمة من عدم الجدية على الاستحقاق الانتخابي ومكرّسة لتشتّت خيارات الناخبين، ما يفتح الطريق مجدّدا أمام الأحزاب الكبيرة وتحالفاتها لحصد غالبية الأصوات كما هو معهود في المناسبات الانتخابية الأربع السابقة.

وتضمّنت مشاورات أجرتها ممثلة أمين عام الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت في طهران، مع علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني الأعلى بشأن الانتخابات العراقية القادمة، رسالة بالغة السلبية للرأي العام العراقي قرأ فيها أنّ المنظّمة الأممية بصدد التسليم بالتدخّل الإيراني في أدق تفاصيل الشأن العراقي الداخلي كأمر واقع، على الرغم من أن المنظمة تقول إن اتصالاتها تهدف للمساعدة في إجراء انتخابات عراقية نزيهة وشفافة.

ووصف المسؤول الإيراني في بيان صدر إثر لقائه المبعوثة الأممية، الانتخابات المرتقبة في العراق بـ“الحاسمة للغاية”، متوقّعا أن تكون “جيدة”.

واعتبر عراقيون أن كلام ولايتي يشير إلى توقّعه فوز القوى السياسية الموالية لبلاده من أحزاب شيعية وميليشيات لها تمثيل سياسي على اعتبار أن ذلك هو مقياس “جودة” الانتخابات العراقية بالنسبة إلى إيران.

وجاء في الموقع الرسمي لولايتي على شبكة الإنترنت “أنّ الجانبين بحثا التطورات الأخيرة على الساحة العراقية، إلى جانب الانتخابات التي سيشهدها العراق نهاية العام الجاري”.

ودعا ولايتي إلى “ضرورة عدم تدخل أي دولة في شؤون العراق الداخلية.. وأنّ شعبه وحكومته هما صاحبا القرار”، بينما شدّدت بلاسخارت على “أهمية أن يشهد العراق انتخابات حرة ونزيهة”.

وتعليقا على تطرّق محادثات بلاسخارت مع ولايتي للانتخابات العراقية، قال النائب في البرلمان العراقي ظافر العاني “لا توجد جهة شرعنت التزوير والفساد والتدخل في الانتخابات العراقية مثل بعثة الأمم المتحدة في العراق عبر تقارير تبريرية مخادعة”.

وأضاف “ما زيارة بلاسخارت لطهران ومناقشتها هناك موضوع الانتخابات العراقية إلا دليلا إضافيا”، معتبرا أنّ “إبعاد الأمم المتحدة عن الانتخابات العراقية يجعلها أكثر نزاهة”.

وعلى العكس مما ذهب إليه العاني، ترى بعض الأوساط العراقية أنّ تواصل الأمم المتّحدة مع إيران بشأن الانتخابات العراقية أمر واقعي ومبرّر من زاوية معرفة مدى سطوة الميليشيات الشيعية التابعة لطهران على المناسبات الانتخابية وقدرتها على التأثير في نتائجها باستخدام الإغراء بالمال حينا، والتهديد بالسلاح حينا آخر خصوصا وأن تلك الميليشيات أصبحت طرفا مشاركا في الانتخابات بشكل مباشر من خلال تحالف الفتح الذي مثّل الحشد الشعبي في الانتخابات الماضية لسنة 2018.

ولهذه الأسباب، بحسب المدافعين عن موقف بلاسخارت، تتوجه الأمم المتحدة إلى محاولة إقناع إيران بكف يد الميليشيات التابعة لها عن الانتخابات العراقية القادمة، ووضعها أمام مسؤولياتها في هذا المجال.

وفي مظهر آخر يخدم مصلحة القوى السياسية الكبرى المهيمنة على مقاليد السلطة، على الرغم من أنّ الانتخابات أُقرّت أصلا بضغط من الشارع الغاضب والناقم على تلك القوى، تبرز كثرة الأحزاب المتقدّمة للمشاركة فيها في مقابل غياب البرامج التي يمكن أن تخلق تمايز تلك التشكيلات وتعطي الناخب إمكانية اختيار الأفضل من بينها.

وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالعراق، الإثنين، أنها صادقت على 27 تحالفا انتخابيا تضم 235 حزبا للمشاركة في الانتخابات المبكرة. وجاء ذلك في وثائق رسمية صادرة عن المفوضية المرتبطة بالبرلمان نشرتها وسائل إعلام محلية عراقية.

وقالت المفوضية إنها تدرس طلبات مشاركة خمسة تحالفات جديدة تحمل مسمّيات “أم الربيعين” و“تحالف الإباء” و“ائتلاف سلامة وطن” و“ائتلاف الرصيد الوطني” و“الصقور”. ومن جهتها، قالت المتحدثة باسم المفوضية جمانة الغلاي إنّ “هناك 25 من الأحزاب الأخرى أبدت رغبتها في المشاركة في الانتخابات”.

ويأتي ذلك في وقت يحذر فيه مراقبون من أن تعدد الأحزاب التي تزعم تمثيل الحراك الجماهيري الواسع، الذي انطلق في العراق مطلع أكتوبر 2019 واستمر عدة شهور، سيسمح لأحزاب الإسلام السياسي بإعادة ترتيب أوراقها وتدارك التراجع الكبير في شعبيتها، بعد أن أصبحت موضع نقمة الشارع وغضبه.

وتظل محاذير التدخّل غير المشروع في الانتخابات ومحاولة التحكّم في نتائجها بعدّة طرق بما في ذلك التزوير، على رأس هواجس العراقيين وفي مقدّمة العوامل المسببة لفقدانهم الثقة في قدرة صناديق الاقتراع على التغيير، وبالتالي العزوف عن المشاركة.

وترى السلطات العراقية أنّ الحل لهذه المعضلة يكمن في تكثيف الرقابة الدولية للانتخابات، حيث أعلنت مفوضية الانتخابات في وقت سابق أنها وجهت دعوات إلى 71 دولة ومنظمة لمراقبة انتخابات أكتوبر القادم.

وقالت الغلاي إنّ المفوضية شكلت لجنة المراقبين الدوليين برئاسة رئيس الإدارة الانتخابية القاضي عباس فرحان حسن، حيث يتم التنسيق مع وزارة الخارجية لتوجيه الدعوات للدول والمنظمات لمراقبة الانتخابات.

وأشارت إلى أن الكثير من الدول أبدت رغبتها في مساندة العملية الانتخابية ومراقبتها من بينها دول عربية وأخرى أجنبية من آسيا وأوروبا وغيرهما. أما الخارجية العراقية فأعلنت في بيان أنها خاطبت مجلس الأمن الدولي لتأمين رقابة أممية للانتخابات.

وكثيرا ما ينظر إلى عدم نزاهة الانتخابات في العراق كامتداد لظاهرة الفساد المستشرية في البلاد على نطاق واسع، إضافة إلى سطوة الفصائل المسلحة التي يتداخل نفوذها مع نفوذ الأحزاب الحاكمة، غير أنّ حكومة مصطفى الكاظمي التي جاءت كنتيجة لاحتجاجات الشارع التي أسقطت حكومة عادل عبدالمهدي تعهّدت بإجراء اقتراع نزيه تحت رقابة دولية وبعيدا عن سطوة السلاح، وهو الأمر الذي سيكون في حاجة للإثبات خلال الحملة الانتخابية ووصولا إلى فتح مراكز الاقتراع أمام الناخبين.

العرب