على إسرائيل أن تلجم تهديداتها ضد إيران.. لهذا السبب

على إسرائيل أن تلجم تهديداتها ضد إيران.. لهذا السبب

“مشكلة الأجسام الثلاثة” معروفة في الفيزياء، مشكلة تتحرك في علاقة تبادلية، ولا توجد طريقة لحساب مساراتها مسبقاً. هذا الأمر يشبه المشكلة السياسية – الأمنية الحاسمة التي تضعها إيران أمام إسرائيل، والتي تقتضي مواجهة مشتركة مع ثلاثة عوامل.

بالنسبة للولايات المتحدة يجب ألا تتملكنا الأوهام: إسرائيل تعتمد عليها من ناحية سياسية – أمنية، أما هي فيمكنها العمل دون أن تأخذ إسرائيل في الحسبان. إضافة إلى ذلك، تدخل إسرائيل الفظ في سياسة الولايات المتحدة الداخلية قبل الانتخابات الرئاسية في 2017، يقلل بالضرورة استعداد الرئيس بايدن وطاقم الأمن القومي الجديد للإصغاء بتعاطف إلى طلبات إسرائيل. لذلك، من المرجح أن تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران دون الاستجابة لتحفظات – طلبات إسرائيل.

الصورة بالإجمال تجبر إسرائيل على تطوير المزيد من البدائل لمواجهة إيران. لذلك، يجب علينا فهم سياسة إيران النووية بشكل عام وعدائها لإسرائيل بشكل خاص. في البداية، مطلوب تقييم شامل: إيران ليست دولة مجنونة أو متوحشة، بل هي دولة قوية تعتمد على حضارة عمرها آلاف السنين، زعماؤها مروا بإعداد صارم في القانون الإسلامي، الذي لا يستطيع اجتيازه إلا أصحاب القدرات الفكرية الكبيرة، وفيها أشخاص ذوو معرفة علمية وتكنولوجية، وقادة لحرس الثورة.

إن مواجهة سياسة إيران النووية تقتضي فهم دوافعها، التي ستشكل الأساس لاستراتيجية سياسية – أمنية، ونفسية أيضاً، تلائم التحدي. لإيران أسباب كثيرة من أجل التطلع للسلاح النووي، مرتبطة بتاريخها في الـ 200 سنة الأخيرة؛ رؤساء النظام هناك يرغبون في العودة إلى المكانة التاريخية كدولة عظمى. إيران التي واجهت هزائم في حروبها مع روسيا، وصراعاً وحشياً في الحرب مع العراق، واستغلالاً إمبريالياً منفلت العقال، وخلال ذلك المس الشديد بها، بالأساس من قبل بريطانيا وأمريكا، وخرق الاتفاقات معها… تعلمت الدروس من كل ذلك. إضافة إلى ذلك، في إيران نفور من خصائص كثيرة لثقافة الغرب، لا سيما خصائص الولايات المتحدة، والشعور بواجب مساعدة المسلمين الذين يتعرضون للقمع.

زعماء إيران يعتبرون إسرائيل تابعاً لثقافة الغرب وإمبرياليته، وتشكل سرطاناً في قلب الإسلام، وهي عميلة للولايات المتحدة، وتضر بطموحات إيران، وأنها شريكة لدول سنية مكروهة، وتسرق أراضي الفلسطينيين وتضرر بهم كثيراً. أشك بأن هناك سبباً آخر لهذا العداء الشديد، وهو مرتبط بالتعاون الأمني لإسرائيل مع الشاه. ولكني لم أجد أي معلومات موثوقة عن ذلك في الأدبيات.

من هذا التشخيص تبرز عدة استنتاجات فيما يتعلق بسياسات إسرائيل السياسية والأمنية، التي جزء منها مقبول ويتم تنفيذه. هكذا أيضاً بشأن الردع المطلق والعمليات المحددة، التي تستهدف إبطاء نشاطات إيران النووية وجهود تجنيد الولايات المتحدة ودول عظمى أخرى لكبح جماح إيران. وعلينا ألا نبتعد عن الأجندة، إذا لم يكن هناك خيار آخر، فضربة استباقية ضد قدرات إيران النووية، لها أهمية وجودية، حتى لو كانت مقامرة.

ولكن يجب أن نضيف إلى سلة إسرائيل الاستراتيجية في المقام الأول بذل الجهد لتقليص العداء. ويجب عدم اليأس من ذلك مسبقاً. حتى لو كانت الظروف مختلفة، فعلينا ألا ننسى الاختراق المدهش في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. ولكن من أجل ذلك، مطلوب مفكر سياسي مثل هنري كيسنجر وقائد له عقل منفتح.

على إسرائيل الامتناع عن التهديد. فهو زائد. لأن زعماء إيران يدركون قدرة إسرائيل وتصميمها. والتهديد يزيد العداء تجاهها ويُسرع النشاطات الدفاعية لحماية نفسها. بدلاً من التهديد، من الضروري تركيز جهد إبداعي من أجل التوصل إلى التحادث، وذلك عن طريق جهات مقبولة على إيران، في البداية. بدون الدخول إلى تفاصيل، في دول مختلفة هناك زعماء وشخصيات أيضاً تستطيع محاولة العمل في هذا الاتجاه. وخلال ذلك، التأكيد على المصالح المشتركة لإيران وإسرائيل، وعلى نقاط التشابه والماضي المشترك.

قد تكون هناك نشاطات كهذه، التي تقتضي السرية، ولكن تقديري هو أنه لا يتم بذل أي جهد في هذا الاتجاه؛ لأنه من الواضح مسبقاً أن اتفاقاً مع الفلسطينيين وتقدماً سريعاً نحو حل الدولتين، هي شروط ضرورية للسير نحو تعايش متفق عليه مع إيران.

إذا كان هناك من يعتقد أن الخوف من نشاط إسرائيلي سيدفع الولايات المتحدة إلى الاستجابة لطلبات إسرائيل، فهو مخطئ. بالعكس، الولايات المتحدة ستكبح إسرائيل و”ستعاقبها” على محاولات الابتزاز. إضافة إلى ذلك، ليس سوى حل الدولتين هو ما سيعيد علاقات إسرائيل – الولايات المتحدة إلى مسار جيد، بما في ذلك منع إيران من الحصول على السلاح النووي.

من هنا، أحاديث إسرائيلية عن نشاط ضد إيران تزيد من عداء إيران، وتزيد التوتر مع الولايات المتحدة بدون فائدة. وبالتأكيد، هذه الأحاديث ليست علامة على الحكمة السياسية التي هي ضرورية لإسرائيل.

بقلم: يحزقيل درور

القدس العربي