أعلن ناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن الوزير أنتوني بلينكن أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره وزير الخارجية في دولة الاحتلال الإسرائيلي غابي أشكنازي، وقد أبلغه خلال المكالمة أن «حل الدولتين هو السبيل الأفضل لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، تعيش في سلام إلى جانب دولة فلسطينية ديمقراطية وقابلة للحياة». ومن الواضح أن هذا الإعلان سمح للكثير من المراقبين باستنتاج مقدار من التراجع عن سياسة الإدارة السابقة بصدد ما عُرف تحت مسمى «صفقة القرن».
لكن القليل من التمعن في نص إعلان الخارجية الأمريكية كفيل بأن يلقي بظلال الشك حول جدية التحول في موقف الإدارة الراهنة من الصراع، إذ أن تشديد بلينكن على تعبير «دولة يهودية» إنما يبعد الصفة الديمقراطية اللاحقة من جهة أولى، كما يدنيه تالياً من المفهوم الذي يدافع عنه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول الهوية اليهودية للدولة، ويحصر حق المواطنة في اليهود.
ولم يغفل الوزير بلينكن عن ضرورة رفد التشديد على حل الدولتين بتغريدة أعاد فيها الإعراب عن إرادة أمريكية لا تكل في ضمان أمن دولة الاحتلال، وكأن الحديث عن دولة فلسطينية ديمقراطية وقابلة للحياة يشكل تهديداً للدولة صاحبة أحد أقوى جيوش العالم وأعلاها تسليحاً وعتاداً. وإذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أرجأ التواصل مع نتنياهو أربعة أسابيع بعد تنصيبه، لأسباب لا تخفى على أحد، فإن اتصال الوزير بلينكن الأخير مع أشكنازي هو الثالث منذ فوز بايدن، إذ جرى الأول بعد أسبوع من استلام الإدارة الجديدة وتناول تعزيز الأمن وتوطيد آفاق «اتفاقات داود» كما دار الثاني حول دعم دولة الاحتلال في وجه المحكمة الجنائية الدولية.
كذلك توفرت معطيات أخرى كفيلة بخفض التوقعات حول إعلان الخارجية الأمريكية بصدد حل الدولتين، فقد كان الوزير بلينكن قد أوضح خلال حوار مع قناة «سي إن إن» أن بقاء السيطرة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان أمر «ذو أهمية لأمن إسرائيل من الناحية العملية» وأما «المسائل القانونية فهي شيء آخر». كذلك أكد اعترافه شخصياً، واعتراف إدارة بايدن أيضاً، بأن القدس عاصمة دولة الاحتلال والسفارة الأمريكية سوف تبقى فيها. وأعاد التذكير بأن مسائل الحل الختامي مع الفلسطينيين وإقامة الدولة الفلسطينية لن تأتي في المستقبل القريب، لكن إدارة بايدن سوف تحاول ضمان عدم قيام الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بإجراءات تجعل السلام أكثر تعقيداً وصعوبة.
فماذا عن الطرف الأمريكي؟ وما الذي يمكن أن يزيد تعقيدات السلام أكثر من اعتراف واشنطن بالسيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة ودمج القنصلية الأمريكية في السفارة، أو إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وطرد السفير الفلسطيني، أو قطع المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، أو ممارسة مختلف الضغوط على عدد من الأنظمة العربية للتطبيع مع دولة الاحتلال؟
فما نفع الرجوع خطوة واحدة إلى الوراء نحو سياسة اعتمدتها إدارات سابقة قبل ترامب، مقابل المراوحة في المكان بصدد كامل الخطوات الأخرى، حيث يمكن القادم ألا يقل سوءاً؟
القدس العربي