من وحي التفاؤل بزيارة البابا.. الكاظمي يدعو إلى حل معضلات العراق بالحوار

من وحي التفاؤل بزيارة البابا.. الكاظمي يدعو إلى حل معضلات العراق بالحوار

 

 

موجة التفاؤل التي أشاعتها زيارة بابا الفاتيكان التاريخية إلى العراق، لا يمكن في ظلّ الظروف السيّئة للبلد، إلاّ أنّ تكون أمرا استثنائيا عابرا سرعان ما سيعود العراقيون بعده إلى مواجهة واقعهم اليومي الصعب غير آبهين بدعوات السياسيين إلى حل المعضلات المتراكمة بالحوار على غرار ما ذهب إليه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

بغداد- دعا رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الإثنين في كلمة بمناسبة ختام زيارة البابا فرنسيس التاريخية للعراق، إلى حوار وطني بين مختلف القوى السياسية والحركة الاحتجاجية “من أجل تحقيق تطلعات العراقيين”.

وبدت الدعوة امتدادا للأجواء “الحالمة” التي أشاعتها زيارة الحبر الأعظم إلى البلد الغارق في مشاكله الاقتصادية والاجتماعية العويصة، والباحث عن استقراره بعد الحرب الدامية ضدّ تنظيم داعش وفي ظل فوضى سلاح عارمة وميليشيات منفلتة تنازع الدولة سلطاتها واختصاصاتها، وأيضا في ظل تجربة سياسية قادتها الأحزاب الدينية وقامت على المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية وأنتجت تجربة حكم أفشلت الدولة وحوّلت البلد إلى ساحة صراع وتصفية حسابات إقليمية ودولية.

سجاد جياد: بعد زيارة البابا سنسمع المزيد من أخبار العراق الحزينة

وقال الكاظمي إنّ “الحكومة متمسكة بإرادة الشعب في تحقيق الأمن والسلام والإعمار والازدهار”. ووجه دعوة لجميع المختلفين من قوى سياسية وفعاليات شعبية وشبابية احتجاجية ومعارضي الحكومة إلى عقد “حوار وطني ليكون مَعْبرا لتحقيق تطلعات الشعب”.

ويعيش العراق الذي لم يتعاف بشكل كامل من تبعات الحرب ضدّ تنظيم داعش بين سنتي 2014 و2017 ومازالت سلطاته الأمنية تلاحق فلول التنظيم، حالة من الغليان الشعبي بلغت ذروتها بداية من أكتوبر 2019 عندما اندلعت انتفاضة عارمة في مدن جنوب ووسط البلاد احتجاجا على الظروف المعيشية السيئة وتردّي الخدمات العامّة وتعاظم ظاهرة الفساد الحكومي والإداري وتغوّلها بشكل غير مسبوق.

وتُعتبر حكومة مصطفى الكاظمي الحالية نتاج تلك الانتفاضة التي أسقطت حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، ومع ذلك ما تزال تواجه احتجاجات شعبية يسقط فيها قتلى وجرحى نتيجة الوضع المعقّد الذي تواجهه الحكومة وتعجز معه عن تلبية مطالب المحتجّين.

وقبل أكثر من أسبوع سقط خمسة قتلى وأكثر من 280 جريحا في مواجهات بين القوات الأمنية ومحتجّين في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق.

ولا تبدو الأجواء مواتية للحوار في العراق حيث تكاد تكون المشتركات منعدمة بين الشارع الغاضب والطبقة السياسية من جهة أولى، وبين أفرقاء تلك الطبقة من جهة ثانية حيث يسود الصراع الشرس على السلطة ومغانمها المادية والمعنوية، وحيث تتجاوز غالبية السياسيين الأهداف والثوابت الوطنية وتنخرط في خدمة مشاريع خارجية على رأسها المشروع الإيراني ذي الحضور الطاغي في العراق عبر مجموعة واسعة ومتمكّنة من السياسيين النافذين وقادة الميليشيات.

أحمد الصحاف: الزيارة تشكّل نقطة انتقال للعراق

وطالب الكاظمي القوى السياسية والأحزاب بـ”تغليب مصلحة الوطن والابتعاد عن لغة الخطاب المتشنج والتسقيط السياسي، والتهيئة لإنجاح الانتخابات المبكرة، ومنح الشعب فرصة الأمل والثقة بالدولة وبالنظام الديمقراطي”.

وقال في خطابه إنّ “توتير الأوضاع ليس من مصلحة البلد ويجب منح الوقت الكافي للحكومة للبناء على ما حققته خلال الفترة الماضية وتأمين الانتخابات على أسس رصينة ونزيهة”.

وخاطب القوى العراقية قائلا “أدعوكم وبكلّ صدق إلى حوار مفتوح وصريح مع الحكومة على أساس مصلحة البلد وأمنه وسيادته وعلى قاعدة حفظ أمن العراق ودعم الدولة وسيادة القانون”.

واعتبر أنّ “العراق أمام فرصة حقيقية لاستعادة دوره التاريخي في المنطقة والعالم رغم كلّ العقبات والتحديات”، مضيفا “إننا كحكومة متمسكون بإرادة شعبنا في تحقيق الأمن والسلام والإعمار والازدهار وعلى أساس هذه المسؤولية التاريخية. وفي أجواء المحبة والتسامح التي عززتها زيارة قداسة بابا الفاتيكان فرنسيس لأرض العراق.. نطرح اليوم الدعوة إلى حوار وطني لتكون معبرا لتحقيق تطلعات شعبنا”.

ووصف زيارة البابا بأنّها “نقطة مضيئة”، معتبرا أنّ لقاء المرجع الشيعي الأعلى في العراق على السيستاني والبابا فرنسيس “رسالة للإنسانية والسلام”.

وعلى مدى ثلاثة أيام من الجمعة إلى الأحد كان العراق محط أنظار العالم بمناسبة أوّل زيارة لحبر أعظم في التاريخ شكّل إنجاحها بالنسبة لبغداد رهانا دبلوماسيا وأمنيا وأملت قيادته بأن تحقق من ورائها مكاسب سياسية واقتصادية.

وقال أحمد الصحاف إنّ الزيارة تشكّل نقطة انتقال للعراق معتبرا “أنّه ما لم يكن العراق آمنا ومستقرا لما كانت شخصية بمستوى البابا قد تجولت فيه”.

ويبدو من خلال ذلك أنّ بغداد أرادت أن تظهر للعالم أن الأمن استتب من جديد في البلاد بعد حقبة داعش الصعبة. كما أرادت التأكيد على التعايش بين جميع الطوائف والأعراق التي تكوّن النسيج الاجتماعي للبلاد. وأعلن رئيس الوزراء بعد لقاء بابا الفاتيكان والمرجع الشيعي علي السيستاني يومَ السادس من مارس من كل سنة يوما وطنيا للتسامح والتعايش.

لكن الإيجابية العابرة لزيارة البابا إلى العراق لا تحجب حسب المحلل السياسي سجاد جياد الباحث في مركز سانتوري فاونديشن حقيقة أنّه “لا يزال هناك زعماء طوائف يؤججون التوترات الإثنية وإيران لا تزال تتدخل بالشأن العراقي، وهناك أيضا مشكلة المجموعات المسلحة”.

وقال جياد لوكالة فرانس برس إن صورة البابا وسط أنقاض كنيسة في الموصل “تلقي الضوء على مطالب العراقيين من سلطاتهم المحلية وعلى عجز الحكومات وبطء إعادة الإعمار الذي يمنع عودة النازحين”.

تُعتبر حكومة مصطفى الكاظمي الحالية نتاج تلك الانتفاضة التي أسقطت حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، ومع ذلك ما تزال تواجه احتجاجات شعبية

واعتبر المحلل السياسي العراقي أسامة السعيدي، من جهته، أنّ “الزيارة هدفت إلى لفت النظر على المستوى الداخلي والدولي لمكانة وأهمية العراق”، مستدركا بأنّه بعد أن أدرك العالم حجم الموروث الحضاري والديني وتعدد الثقافات في العراق، وبعد أن تابع جولة البابا من أور الموقع الذي يعتقد أنه مسقط رأس النبي إبراهيم إلى النجف مقرّ المرجعية العليا لعدد كبير من المسلمين الشيعة في العالم فلا “بدّ للطبقة السياسية أن تتحمل المسؤولية في المحافظة على هذا الشعب وهذا البلد”.

ولم تنقطع على مدار السنوات الماضية الدعوات إلى الإصلاح ومحاربة الفساد في العراق لوقف مسار هدر المقدّرات المادية الضخمة للبلد، لكن الأمر بدا مستعصيا نظرا لوجود عيوب جوهرية في النظام القائم، ما يجعل دعوة رئيس الوزراء للحوار كحلّ لمشاكل البلد دعوة طوباوية إلى حدّ كبير. وقال جياد “للأسف أعتقد أننا سنسمع (بعد زيارة البابا) أخبارا كثيرة عن العراق لكنها ستكون أخبارا حزينة لا سعيدة”.

العرب