بغداد – تجددت الاثنين الدعوات إلى الأطراف السياسية في العراق للحوار لحل الأزمة في البلاد بعد عام على الانتخابات التشريعية، في وقت يؤكد الإطار التنسيقي الذي يشكل المظلة الجامعة للقوى الموالية أن “تحالف إدارة الدولة” تحرك للتفاهم مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بشأن تشكيل الحكومة، مشيرا إلى أن البرلمان سيعقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية الأربعاء المقبل.
وأجرى العراق انتخابات تشريعية مبكرة في العاشر من أكتوبر 2021، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي خرجت رفضا لفساد الطبقة السياسية وتدهور البنية التحتية في خريف العام 2019.
لكن على بعد عام من ذلك، ما زالت الأحزاب السياسية نفسها تهيمن على السلطة في البلاد. وعلى الرغم من المفاوضات اللامتناهية فيما بينها، فشلت أطراف الأزمة في التوصل إلى اتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتسمية رئيس جديد للوزراء.
وجدد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الاثنين، دعوته لمختلف أحزاب وقوى البلاد إلى “الاحتكام لمنطق الحوار العاقل الهادئ والبنّاء لحلّ الأزمة السياسية”.
وشدد الكاظمي في بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية على ضرورة “الدفع بحلول وطنية شاملة تعزز الديمقراطية، وتدعم ركائز الاستقرار والازدهار”.
وقال “في مثل هذا اليوم من العام الماضي أنجز أهم بند في البرنامج الحكومي، إذ أجريت انتخابات تشريعية مبكرة اتسمت بالنزاهة والمهنية بشهادة الأمم المتحدة وجميع المراقبين”.
وأوضح أن “هذه الانتخابات المبكرة جاءت تلبية لمطالب الشعب، ودعوة المرجعية الرشيدة إلى الاستجابة لها، والمشاركة فيها”.
وأضاف “لقد أثبتت ظروف عام على تجربة الانتخابات أن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع يجب أن يرتبط بإيمان كل القوى السياسية المشاركة فيها بالمبادئ الديمقراطية، وممارسة العمل السياسي وفق سياقها الثقافي وقيمها”.
وتابع “كل ذلك بهدف تكريس تهدئة واستقرار يحتاجهما الوطن، ومن أجل التأسيس لثقافة سياسية تعتمد القيم الديمقراطية، وتنبذ العنف والاستبداد في عراقنا الحبيب، الذي عانى ما عاناه، لأجل الوصول إلى ديمقراطيته الحالية”.
وحذرت بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” في بيانها الاثنين من أن العراق لم يعد أمامه “الكثير من الوقت، لاسيما أن الأزمة التي طال أمدها تنذر بالمزيد من عدم الاستقرار، والأحداث الأخيرة دليل على ذلك”، في إشارة إلى المواجهات المسلحة التي شهدها العراق في أغسطس الماضي وخلال الأسبوع الماضي في البصرة.
كما حثّت الجهات الفاعلة كافة الانخراط في حوار دون شروط مسبقة، ودعت ساسة البلاد إلى “الاتفاق بشكل جماعي على النتائج الرئيسة من خلال تقديم تنازلات تعيد التأكيد على هدفهم المعلن، وهو تلبية احتياجات الشعب العراقي وتشكيل حكومة ذات صلاحيات كاملة وفاعلة”.
وأضافت أن “إقرار ميزانية 2023 قبل نهاية العام يمثل أمرا ملحا”.
وتأتي هذه الدعوات فيما يعيش العراق منذ العام الماضي على وقع أزمة سياسية محتدمة بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وبين الإطار التنسيقي، الذي يضم ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالي، وتحالف الفتح، وفصائل أخرى موالية لإيران، حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس جديد أو تشكيل حكومة.
ويدعو مقتدى الصدر إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، فيما يطالب الإطار التنسيقي بتشكيل حكومة جديدة قبل التوجه لإجراء انتخابات.
وبلغ التوتر ذروته في التاسع والعشرين من أغسطس عندما وقعت مواجهات مسلحة بين أنصار مقتدى الصدر من جهة، وقوات من الجيش والحشد الشعبي من جهة أخرى، قتل خلالها أكثر من 30 من عناصر التيار الصدري.
وكان الكاظمي قد عقد عدة جولات حوارية داعيا كافة الأفرقاء إلى المشاركة فيها، إلا أن الصدر تمنع، مؤكدا أنه لن يجلس مع “فاسدين” وفق وصفه، ليعود لاحقا ويعلن استعداده للمشاركة في جلسة حوار بشرط أن تكون علنية.
فشل العملية السياسية يدفع الخصوم للاقتتال
وأكد الإطار التنسيقي الأحد تحرك “ائتلاف إدارة الدولة” للتفاهم مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لكنه أشار إلى وجود سقف زمني محدود للمضي بتشكيل الحكومة.
و”ائتلاف إدارة الدولة” تحالف جديد جرى تشكيله في الآونة الأخيرة ويضم الإطار التنسيقي والحزبين الكرديين الرئيسيين (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي) وتحالفي العزم والسيادة السنيين.
ونقلت وكالة شفق نيوز عن القيادي في الإطار رئيس كتلة سند أحمد الأسدي، قوله إن “هناك اجتماعات مستمرة ودورية لقيادة ائتلاف إدارة الدولة، وتشكيل الحكومة الجديدة دون التيار الصدري لا يتعلق بقدرة الائتلاف من عدمها”.
وأشار إلى أن “إرادة جميع القوى هي أن تمضي الحكومة بالتفاهم، والجميع يسعى للتفاهم مع التيار الصدري، لتشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن لكل أمر سقفا زمنيا محدودا”.
وعلى الرغم من كافة التحذيرات السياسية السابقة من مغبة استبعاد أي مكون سياسي في العراق، أكد مدير المكتب الإعلامي لرئيس ائتلاف دولة القانون في العراق هشام الركابي أن مجلس النواب سيعقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية الأربعاء المقبل.
كما أوضح أن المشاركين في اجتماع لتحالف إدارة الدولة توصلوا إلى اتفاق مبدئي على عقد جلسة برلمانية لاختيار الرئيس المقبل، بحسب ما نقلت شبكة روداو الكردية العراقية مساء الأحد.
ولا يزال الحزبان الكرديان منقسمين على حسم مرشحهما لرئاسة الجمهورية، والذي جرى العرف السياسي في البلاد، بعد الغزو الأميركي عام 2003، أن يكون المنصب من حصّة القوى الكردية.
ويصر الحزب الديمقراطي الكردستاني على أن يكون المنصب من حصته، في ضوء النتائج الانتخابية في الإقليم، والتي حصد فيها المرتبة الأولى، بينما يصر الاتحاد الوطني في السليمانية على تجديد ولاية الرئيس الحالي برهم صالح.
وتطرح قوى الإطار التنسيقي فكرة دخول القوى الكردية بمرشحين اثنين، وتكون الغلبة بالأصوات البرلمانية لا التوافق، وهو ما يرفضه مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، على اعتبار أن الإطار التنسيقي سيصوت لصالح مرشح حليفه التقليدي، الاتحاد الوطني الكردستاني.
ويرى مراقبون أن عدم اتفاق الحزبين الكرديين على آلية لاختيار رئيس للجمهورية سيبقي اتفاق تشكيل ائتلاف إدارة الدولة معلقا، وهو الأمر الذي لا يخدم العراق، الذي يكمل الاثنين عامه الأول منذ إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة، دون حكومة جديدة.
العرب