سجل الاقتصاد الصيني نموا قياسيا هذا العام تجاوز حتى ما حققته البلاد خلال سنوات التسعينيات الذهبية، ولكن الأداء المسجل في الربع الأول من هذا العام يخفي العديد من النقائص ونقاط الضعف التي من شأنها أن تؤثر على الاقتصاد في الأشهر المقبلة.
وبحسب ما أعلنه المكتب الوطني الصيني للإحصاءات يوم الجمعة، فإن الناتج المحلي الإجمالي سجل نموا قياسيا بنسبة 18.3% في الربع الأول من هذا العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، قبل ظهور “كوفيد-19” لأول مرة في 2020، ومقارنة بالربع الأخير، فإن نسبة النمو تعد ضئيلة إذ لم تتجاوز 0.6% أي أقل من 2.6% المسجلة سابقا، كما ارتفعت مبيعات التجزئة بأكثر من الثلث في مارس/آذار مقارنة بالعام الماضي، وفقا للبيانات الشهرية.
في تقرير نشره موقع “بلومبيرغ” (Bloomberg) الأميركي، قال الكاتب دانيال موس، إن هذه الأرقام تدعم عموما التوقعات المتفائلة بشأن عام واعد للاقتصاد العالمي بعد الانكماش الكارثي الذي شهده في عام 2020.
وفي الواقع، لا يمكن إنكار حقيقة أن الانتعاش القوي للولايات المتحدة يعزز هذا التفاؤل، مع توقع نمو بنسبة 6.4% في عام 2021، مقابل 8.4% للصين، وذلك وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي.
ولكن هل تتصدر الصين حقا اقتصادات العالم من حيث نسمبة النمو الاقتصادي، وهل سيكون المستقبل ورديا كما كان يبدو قبل عقود عندما حقق الاقتصاد الصيني قفزة نوعية متجاوزا اقتصادات مجموعة السبع؟
الناتج المحلي الإجمالي سجل نموا قياسيا بنسبة 18.3% في الربع الأول من 2021 (رويترز)
التحفيز الأميركي
تشير بعض الإخفاقات إلى أن الطريق لن يكون سهلا بالنسبة للصين على عكس التوقعات، ففي الحقيقة، يُعزى جزء كبير من هذا النمو إلى زيادة الصادرات الناجمة عن التحفيز الأميركي، مع العلم أن نظام الاحتياطي الفدرالي سبق أن حذر من وفرة تلك الصادرات التي سيسعى إلى إيقافها.
ومع تمكنها من السيطرة على الوباء الآن والتعافي الاقتصادي، يمكن لبكين العودة إلى واحدة من اهتماماتها الرئيسية قبل “كوفيد-19″، ألا وهي تجنب المخاطر وتراكم الديون المفرطة الناجمة عن السياسة المالية المتساهلة.
وتحقيقا لهذه الغاية، سحب البنك المركزي الأموال من النظام المالي في الربع الأخير من العام الماضي، وتحاول السلطات الحد من تدخلها بينما تقوم بما يكفي لدعم الاقتصاد وضمان السيولة، وعلى الصين أن تكون حذرة مع تحكم بنك الاحتياطي الفدرالي والكونغرس بالنمو العالمي.
ويمثل استمرار الازدهار الذي تشهده الولايات المتحدة بشرى خير للمصدرين، وعلى رأسهم الصين، فقد قفزت الصادرات إلى الولايات المتحدة بأكثر من النصف في مارس/آذار، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ولم تكن بكين المستفيد الوحيد، ففي كوريا الجنوبية، ارتفعت الصادرات بنسبة 16.5% خلال الفترة نفسها.
والآن، بدأت مؤشرات مديري المشتريات في جميع أنحاء آسيا في التصاعد. وبغض النظر عن حدوث انتكاسة للاقتصاد العالمي، من المرجح أن يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي لسنغافورة الحد الأعلى للنسبة المتوقعة من 4% إلى 6%، حسبما أعلن عنه البنك المركزي هذا الأسبوع.
وأشار الكاتب إلى أن الرواية التي تفيد بأن الصين تقود العالم كانت مهيمنة في السنوات العشرين الماضية، مقابل تقدم الناتج المحلي الإجمالي في الغرب بشكل بطيء بنسبة 1% أو 2% سنويا، ولكن يبدو أن الولايات المتحدة تلحق بالركب أيضا، فوفقا لـ “بلومبيرغ إيكونوميكس”، فإن الولايات المتحدة قد تشهد نموا بنسبة 7.7% هذا العام، وهو رقم لم يحققه الاقتصاد الأميركي منذ عام 1984.
بالنظر إلى الكارثة التي ألحقها وباء كورونا باقتصادات العالم، سيكون من غير المنطقي عدم الترحيب بالأرقام القوية التي تحققها الصين في الربع الأول، ولكن يجب أن لا ننسى أن بكين لم تحقق هذا التعافي بمفردها.
المصدر : بلومبيرغ