نجامينا – نعت فرنسا “الصديق الشجاع” الرئيس التشادي إدريس ديبي الذي قتل في جبهة القتال ضد تحالف غير واضح المعالم من معارضين ومتطرفين دون أن تتحرك باريس للتصدي له كما حدث في مرات سابقة.
وتحركت قوات وصفت بأنها متمردة من جنوب ليبيا وتقدمت لتصل إلى حافات العاصمة نجامينا وهددت الرئيس على مدى أيام دون أن تتصدى لها المقاتلات الفرنسية التي تتخذ من تشاد قاعدة إقليمية في مواجهة الحركات الإسلامية في منطقة الساحل.
وقال الجيش التشادي الثلاثاء إن ديبي، الذي حكم البلاد لأكثر من 30 عاما، لقي حتفه أثناء تفقده القوات على جبهة القتال مع المتمردين الشماليين، وذلك بعد يوم من إعلانه فائزا في انتخابات رئاسية كانت ستمنحه فترة سادسة في السلطة.
وأعلن المتحدث باسم الجيش عظيم برمينداو أجونا في بث تلفزيوني أن مجلسا انتقاليا يضم مجموعة من كبار ضباط الجيش اختار الجنرال محمد كاكا، ابن ديبي، رئيسا مؤقتا للبلاد.
ووصل ديبي (68 عاما) إلى السلطة في تمرد عام 1990، وهو أحد أكثر الرؤساء الأفارقة بقاء في السلطة، ونجا من عدة محاولات انقلاب وتمرد.
وتمثل وفاته انتكاسة لفرنسا التي اتخذت من العاصمة التشادية نجامينا مقرا لعملية “برخان” لمكافحة المتشددين الإسلاميين في منطقة الساحل، والتي تضم أكثر من خمسة آلاف عنصر، ولا تزال إلى الآن غارقة في وحل المواجهات في مالي.
وتساءل متابعون للشأن التشادي عن دلالات تأخر فرنسا في حماية ديبي ومنع قتله، وهو الحليف التاريخي لها، فيما كانت طائراتها في الماضي تراقب الحدود وتهاجم أي هدف يقترب من تشاد، حيث مصالحها الحيوية، معتبرين أن سلبية الموقف الفرنسي تجاه ديبي سيكون لها تأثير على صورة فرنسا وعلاقاتها في المنطقة التي تسيطر عليها الفوضى وسرعة تغيير التحالفات.
وعاصر ديبي خمسة رؤساء فرنسيين هم: إيمانويل ماكرون، وفرانسوا هولاند، ونيكولا ساركوزي، وجاك شيراك، وفرانسوا ميتران.
ويقول المتابعون إن قتل ديبي سيعطي دفعة قوية للمتشددين الذين وضعوا المنطقة الجغرافية الحرجة بين ليبيا ومصر والسودان كهدف إستراتيجي لهم، مستفيدين من رخاوة الوضع في ليبيا ومن ترسانة الأسلحة التي حصلوا عليها في فترة ما بعد سقوط العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.
وكان ديبي أرسل في فيفري الماضي 1200 جندي إلى المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو لتخفيف الضغوط على فرنسا العالقة في منطقة الساحل والتي باتت تخطط لتقليص تواجدها العسكري والدفع بدول المنطقة إلى المشاركة بأكثر قوة في المعارك مع المتشددين الإسلاميين الذين باتوا أكثرة قدرة على المناورة وتحقيق المكاسب الميدانية.
لكنه عاد ليلفت الأنظار إليه حين قال منذ أسبوع إن بلده لن يشارك من الآن فصاعدا في عمليات عسكرية خارج الحدود، في خطوة قال مراقبون إنها تظهر وجود توتر بين ديبي وجهات فاعلة في الحرب على الإرهاب قد تكون بينها فرنسا، وأن هذا قد يفسر غياب تدخل فرنسي ناجع وحاسم لنجدته خلال وجوده على الجبهة.
وقال ديبي في كلمة بثتها وسائل الإعلام المحلية “شعرت تشاد أنها تقاتل بوكو حرام بمفردها منذ أن أطلقنا هذه العملية، مات جنودنا في بحيرة تشاد والساحل. واعتبارا من اليوم (11 أبريل الحالي) لن يشارك أي جندي تشادي في أي عملية عسكرية خارجية”.
ويضغط المتشددون من جهات مختلفة داخل أفريقيا لإسقاطها في دائرة الفوضى وجر القوات المحلية إلى معارك استنزاف مستفيدين من تعدد الخصائص الجغرافية. ويقول الخبراء إن هذه الخطة تستهدف تشتيت جهود الدول الكبرى التي ترفع لواء مواجهة المتشددين.
واقتحم جهاديون يشتبه في أنهم من تنظيم داعش في غرب أفريقيا قاعدة عسكرية في شمال شرق نيجيريا قبل أن يقصفهم سلاح الجو الذي أعلن الاثنين قتل “قادة رئيسيين” في الجماعة.
وفي الأسبوع الماضي نفذ التنظيم سلسلة هجمات دامية على داماساك، وهي مدينة إستراتيجية على حدود بحيرة تشاد، ما دفع جميع عمال الإغاثة إلى مغادرة المدينة وأجبر أكثر من 65 ألف شخص على الفرار.
ويشهد شمال شرق نيجيريا صراعا دمويا منذ 2009 وهجمات تشنها جماعة بوكو حرام الإسلامية، وأوقع النزاع نحو 36 ألف قتيل وتسبب بنزوح مليوني شخص.
وحسب نشرة “مؤشر الإرهاب العالمي” التي نشرت في نوفمبر الماضي نقل تنظيم الدولة الإسلامية “مركز ثقله” من منطقة الشرق الأوسط إلى القارة الأفريقية، حيث شهدت منطقة الساحل هذا العام زيادة في أعمال القتل بنسبة 67 في المئة مقارنة بالعام الفائت.
وجاء في النشرة أن “نمو الجماعات المرتبطة بتنظيم داعش في منطقة الساحل أدى إلى تصاعد وتيرة الأعمال الإرهابية في العديد من بلدان المنطقة”.
وتقع سبع دول من الدول العشر التي شهدت تصاعدا في الأعمال الإرهابية في جنوب الصحراء الكبرى، وهي بوركينا فاسو وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والنيجر والكاميرون وإثيوبيا.
العرب