تحافظ كل من مصر وتركيا على شعرة معاوية في إدارة ملف العلاقات المشتركة بينهما، فكلما اقتربت القاهرة من قطعها تحركت أنقرة بما يمنع ذلك، وكلما سعت الثانية لشدها أرختها الأولى، فبعد حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن عدم خروج بلاده من ليبيا أشاد وزير الخارجية المصري سامح شكري بتضييق أنقرة على إعلام الإخوان مؤخرا.
وقال في تصريح لقناة “القاهرة والناس” المصرية مساء السبت إن “قرار منع الهاربين والإخوان من الظهور على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي يتسق مع قواعد القانون الدولي، وهي خطوة إذا استقرت واستمرت ستؤدي إلى تطبيع العلاقات واستمرار الاتصالات بين الجانبين على مستويات مختلفة لوضع إطار علاقات واستئنافها”.
تمضي العلاقات بين القاهرة وأنقرة في مجالي الشد والجذب من دون الإعلان رسميا عن وفاة فكرة التقارب التي بزغت مع بداية هذا العام من جانب تركيا
وتوقعت جهات كثيرة أن المباحثات التي بدأت أمنية ثم سياسية بين مصر وتركيا وصلت إلى طريق مسدود، لاسيما بعد تأكيدات أردوغان الجمعة على بقاء القوات التركية في ليبيا والاستمرار في التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط. وبنت تلك الجهات توقعاتها على أن وجود تركيا في ليبيا وتماديها في شرق المتوسط يمثلان هاجسا مصريا كبيرا يصل إلى حد تهديد الأمن القومي.
واعتبر سامح شكري أن عودة العلاقات الطيبة بين مصر وتركيا “لها تأثير على مجريات الأحداث في ليبيا، لأن الشأن الليبي له تأثير على الأمن القومي المصري”.
ورجح الخبير في شؤون الحركات المسلحة والإرهاب الدولي منير أديب أن تكون تصريحات شكري كلامًا دبلوماسيًا من قبيل الإطراء لخطوة أنقرة منع الإعلاميين الموالين للإخوان من الظهور، ولا تعكس الرضا على خطوات تركيا المتثاقلة وأن هدفها الحفاظ على شعرة معاوية.
وأوضح لـ”العرب” أن هناك محاولات تقارب نظري، لكن خطوات تركيا على الأرض غير كافية وغير مطمئنة، حيث تكتفي بإبلاغ الإعلاميين الموالين للإخوان بشأن وقف بث برامجهم، بينما ثمة مواقف لمسؤولين أتراك تمنع القاهرة من التخلي عن حذرها.
منير أديب: خطوات تركيا على الأرض غير كافية وغير مطمئنة
وحدد منير أديب ملفّين مهمين إذا حدثت فيهما تطورات فعلية يصبح تحقيق التقارب وتشجيع القاهرة على الصعود بالتفاهمات إلى مستوى أعلى ممكنًا، وهما ملف إخراج القوات التركية والمرتزقة من ليبيا، وملف تسليم المطلوبين المدانين المقيمين في تركيا إلى القضاء المصري.
وأشار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في يونيو الماضي إلى وجود تقارب جديد في العلاقات مع القاهرة، ملمحا إلى عقد اجتماع مع نظيره المصري وإعادة السفراء بشكل متبادل الفترة المقبلة.
وقللت الحكومة المصرية من أهمية ذلك التصريح، ونفت عقد اجتماع قريب بين وزيري الخارجية في حينه أو زيارة وفد مصري إلى أنقرة كان من المفترض أن يقوم بها عقب محادثات دبلوماسية جرت في القاهرة يومي 5 و6 مايو.
ويوحي التذبذب في إدارة ملف العلاقات بأن العقدة الرئيسية لم تنفك بعد، وأن قرار التقارب تكتيكي أكثر منه استراتيجي، ما يجعل كل خطوة إيجابية من طرف تقابلها أخرى قد لا تتناسب معها من الطرف الثاني، لكن لا أحد يريد قطع الوصل نهائيا، فكل دولة تقيس المدى الذي يمكن أن تبلغه مع الأخرى بأقل قدر من التنازلات.
وصدم تعليق ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي حول صدور أحكام قضائية بإعدام 12 من عناصر الإخوان الشهر الماضي من راقبوا تطور العلاقات، واعتبروا ما حواه من تكرار لمنظومة المفردات السلبية حيال النظام المصري رسالة بفشل الطريق الذي يمضي فيه البلدان.
وامتصت القاهرة الصدمة بالتجاهل ثم تسريب معلومات بتجميد الاتصالات المجمدة أصلا، وهو ما فرض على أنقرة أن تسارع بالتشدد في عملية التضييق على عناصر الإخوان الإعلامية والتلميح بإمكانية استبعادها خارج تركيا، لأنها لا تريد تصعيدا مع مصر في كل الملفات الخلافية دفعة واحدة، خاصة بعد تمسك أنقرة بالبقاء في ليبيا والتنقيب على طريقتها في شرق المتوسط.
وغادر عدد من عناصر تنظيم الإخوان تركيا مؤخرا بعد علمهم بعدم استبعاد قيام السلطات التركية بتسليم عدد منهم للقاهرة بهدف إعادة استئناف المحادثات بين البلدين. وتردد في وسائل إعلام مصرية أن جهات مختصة في تركيا شرعت في مراجعة الأسماء الإخوانية والسلفية المطلوبة التي جرى إبلاغ الإنتربول بها.
وربط متابعون قرار القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان إبراهيم منير بحل المكتب الإداري لشؤون التنظيم بتركيا أخيرا بخطوات أنقرة الراغبة في استمرار الاتصالات مع مصر، ومحاولة مراكمة نقاط تقلل من سوء نواياها، لأن القرار يشير إلى رسالة إيجابية جديدة للقاهرة تقف خلفها أنقرة.
لكن مراقبين للتحركات التركية استبعدوا تسليم قيادات من الصف الأول حاليا أو مغادرة جميع قيادات الإخوان، فمن المهم الاحتفاظ بهذه الورقة إلى حين دخول المحادثات مع مصر إلى عمق القضايا الخلافية، وفي هذه اللحظة يمكن توظيف قائمة المطلوبين والمقيمين والمساومة عليها.
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ”العرب” أن الحفاظ على شعرة معاوية بين البلدين جزء من جملة طلبات أميركية تسعى لاستعادة دورها في الشرق الأوسط من خلال إحداث توازن بين مصر وتركيا وتخفيف التوتر بينهما الذي يصب في صالح روسيا.
لا أحد يريد قطع الوصل نهائيا، فكل دولة تقيس المدى الذي يمكن أن تبلغه مع الأخرى بأقل قدر من التنازلات
وتمضي العلاقات بين القاهرة وأنقرة في مجالي الشد والجذب من دون الإعلان رسميا عن وفاة فكرة التقارب التي بزغت مع بداية هذا العام من جانب تركيا التي تعتبر المصالحة مع مصر مدخلا جيدا لتطبيع علاقاتها الإقليمية بعد توترها الفترة الماضية.
وتحرص القاهرة على عدم قطعها وامتصاص الصدمات والمفاجآت السياسية واحدة بعد الأخرى منذ شروعها في التجاوب مع الدعوة التركية، وترى أن مصلحتها تكمن في إنهاء الخصومة طالما توافر الحد الأدنى من التفاهم في مسألة عدم التدخل في شؤونها الداخلية، وترك الملفات الإقليمية الحرجة تنضج تدريجيا أملا في التوصل إلى مستوى يسمح بالحفاظ على مصالح كل طرف من دون منافسة حادة، أو وقوع ضرر جسيم في التوازنات التي تريدها مصر.
صحيفة العرب