يبدو أن الارتفاع الأخير في الإرادة السياسية الدولية لإنهاء الحرب في اليمن قد أسهم في ازدياد الحوثيين جرأة حول موقفهم التفاوضي. وبذلك، سوف يرث فريق المبعوث الجديد إلى اليمن حالة تبدو مستعصية على الحل -وقد يتمكّن من إعادة تفسير مهمته بطرق تتيح البدء بتحركات جديدة، لكن إعادة ترتيب قطع اللغز بما يكفي لإبرام اتفاق سريع تبدو غير مرجحة.
* *
مع الإعلان عن إرسال مبعوث خاص جديد للأمم المتحدة إلى اليمن قريباً، يبدو إحلال السلام في البلاد بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى. فبعد ست سنوات ونصف على قيام المتمردين الحوثيين بطرد الحكومة من العاصمة، أدت إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم إلى تشريد آلاف النازحين وسقوط آلاف القتلى، والعديد منهم بسبب نقص الغذاء أو الرعاية الطبية. ويبدو أن الارتفاع الأخير في الإرادة السياسية الدولية لإنهاء الحرب، المصمم لدفع الأطراف أقرب إلى السلام، قد أسهم بدلاً من ذلك في ازدياد الحوثيين جرأة حول موقفهم التفاوضي. حتى أن تدخل سلطنة عُمان، الذي دعت إليه قوى خارجية منذ فترة طويلة، لم يُسفر عن النتائج الفورية التي كان البعض يأمل في تحقيقها بشكل غير واقعي. وبالتالي، سيرث فريق المبعوث الجديد حالة تبدو مستعصية على الحل، وقد يتمكّن من إعادة تفسير مهمته بطرق تتيح تحركات جديدة، لكن إعادة تركيب قطع الأحجية بما يكفي لإبرام اتفاق سريع تبدو غير مرجحة.
ولا تشكل الخطوة العمانية والإرادة السياسية الدولية العاملين الوحيدين اللذين تغيّرا في العام الماضي. فقد تحوّل السياق العام في اليمن -حيث كثف الحوثيون قتالهم في مأرب وزادوا من وتيرة هجماتهم بالصواريخ والطائرات المسيّرة على الأراضي السعودية؛ وقدمت الرياض تنازلات غير مسبوقة لإنهاء الحرب؛ وعيّنت الولايات المتحدة مبعوثاً جديداً خاصاً بها لحشد الدعم الإقليمي للتوصل إلى حل. وفي غضون ذلك، بقيت مختلف القوات المعادية للحوثيين في البلاد منقسمة بسبب الخلافات الداخلية، وعاجزة عن التوحّد سياسياً أو عسكرياً ضد عدوها المشترك.
كان تكثيف النشاط حول مأرب هو الذي أدّى إلى حد كبير إلى تحفيز المجتمع الدولي على السعي إلى إحلال السلام في البلد. وقد واجه الحوثيون صعوبات أكبر في الاستيلاء على المحافظة، والتي فاقت توقعاتهم مع وقوع إصابات كبيرة في صفوفهم وفقاً لبعض التقارير، لكن العديد من المراقبين يخشون من أنهم قد يتمكنون في النهاية من اجتياحها. وتكتسي محافظة مأرب أهمية خاصة لأنها المعقل الرئيسي الأخير لـ”الجيش الوطني اليمني” في شمالي اليمن، وموطن للكثير من ثروة البلاد من الموارد، وبوابة محتملة إلى الجنوب، حيث يمكن للحوثيين استغلال الخلافات بين الحكومة و”المجلس الانتقالي الجنوبي” بشكل مباشر. ونتيجةً لذلك، يعتقد الكثيرون أن سقوط مأرب سيشكّل نقطة اللاعودة في الصراع الدائر.
من هذا المنطلق، قدّمت المملكة العربية السعودية تنازلات كبيرة مثل تخفيف القيود على ميناء الحديدة، وفتح مطار صنعاء لبعض الوجهات. ومع ذلك، لم يتزحزح الحوثيون، ربما بهدف الاستفادة من الرغبة الواضحة للمجتمع الدولي في التوصل إلى اتفاق سريع يحقق لهم المزيد من المكاسب مقابل عدم تكبّدهم تكاليف كبيرة. وعلى سبيل المثال، رسم الحوثيون إطاراً إنسانياً لقضايا الميناء والمطار بهدف فصلها عن مناقشات وقف إطلاق النار، معتبرين أنه لا ينبغي عليهم التنازل كثيراً -إذا كان هنالك أي شيء- من أجل التمكّن من فتح هذين المرفقين.
وسط هذا الجمود، أرسلت سلطنة عُمان وفداً للقاء الحوثيين في صنعاء -وهي خطوة غير عادية لأن مسقط تؤدي عادة دور المُيسّر (أي تستضيف محادثات مباشرة بين الأطراف على أراضيها) لكنها تتجنب عمداً أن تكون وسيطاً. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا لجأ العُمانيون فجأة إلى الدبلوماسية المكوكية، وهو أسلوب غالباً ما يرتبط بالكويت؟ إن الفكرة القائلة إنهم رضخوا للضغوط الدولية تبدو غير محتملة، حيث تمت ممارسة مثل هذه الضغوط منذ سنوات من دون جدوى. ويبدو أنهم خلصوا على الأرجح إلى أن الحرب وصلت إلى نقطة لا يمكن تحملها، وربما يخشون أن تهدد أمنهم القومي في نهاية المطاف بصورة أكثر مباشرة.
مهما كان الدافع وراء التحرك العُماني، إلا أنه لم يسفر عن أي اتفاق. ولم يكن ذلك مفاجئاً -فلدى مسقط نوايا حسنة مع الحوثيين، لكن لديها نفوذاً دبلوماسياً ضئيلاً، ولذلك من المحتمل ألا تركز مهمة الوفد كثيراً على التوصل إلى اتفاق فوري، بل على إقامة العلاقات الضرورية في صنعاء من أجل التوصل إلى اتفاق مستقبلي. ولطالما اشتكى المفاوضون من أن الاتفاقات التي أُبرمت مع الحوثيين في مسقط تميل إلى الاندثار في صنعاء. وبالتالي، فإن معرفة طاقم الشخصيات في العاصمة التي يسيطر عليها المتمردون قد تكون فوزاً في حد ذاتها. ومع ذلك، من غير الواضح بعد كيف سيتطور هذا الدور العُماني الجديد في المستقبل وكيف سيتماشى مع المفاوضات السعودية-الحوثية.
على الرغم من هذه التطورات، يعتقد الكثير من اليمنيين أن الحوثيين غير مهتمين بالتوصل إلى اتفاق حتى مع الضغط العُماني. ويفترض آخرون أن الحوثيين يستخدمون تكتيكات التأخير لكي تتمكّن الجهة الراعية لهم، أي إيران، من استغلال قضية اليمن في المحادثات النووية الجارية في فيينا. ويجادل هذا المعسكر بأن التوصل إلى اتفاق في المرحلة الحالية لن يؤدي إلا إلى ترسيخ المكاسب العسكرية للحوثيين وتحويلها إلى مكاسب سياسية. وبدلاً من ذلك، يعتقدون أن على القوات المناهضة للحوثيين توحيد الصفوف وإخراج المتمردين من مأرب. ومع ذلك، فإن الخلافات القائمة بين تلك القوات تعني أن بعض وحداتها العسكرية فقط ستكون قريبة من جبهة مأرب ومستعدة لشنّ مثل هذه الحملة. وإضافة إلى ذلك، ما يزال “اتفاق الرياض” الذي أبرِم في العام 2019 الذي يهدف إلى وقف الاشتباكات بين الحكومة وقوات “المجلس الانتقالي الجنوبي” من دون تنفيذ إلى حد كبير، وتتصاعد التوترات مرة أخرى بشكل كبير بين هذه الفصائل.
وإلى جانب إحباط التضامن العسكري الضروري لهزيمة الحوثيين في ساحة المعركة، فقد ضَمن الافتقار إلى الوحدة أن “المناطق المحررة” في اليمن لا تتمتع بهيكلية حكم موحدة وموثوق بها وقادرة على دعم الشعب. وبالتالي، ما تزال العديد من المجتمعات في اليمن تعاني معدلات عالية من سوء التغذية والأمراض والآثار السيئة الأخرى للحرب. وتكمن أسوأ التأثيرات في الوضع الاقتصادي للبلاد، لا سيما أزمة العملة وقلة الرواتب. وعلى الرغم من توفر المواد الغذائية على رفوف متاجر البقالة، إلا أن معظم اليمنيين غير قادرين على تحمل تكلفة شرائها، وما تزال الخدمات ضعيفة أو معدومة لأن الحكومة غير قادرة على العمل بشكل كامل داخل البلاد. وفي غضون ذلك، يثير هجوم الحوثيين على مأرب مخاوف من حدوث أزمة لاجئين.
سوف ينتقل مبعوث الأمم المتحدة الحالي، مارتن غريفيث، قريباً إلى منصبه الجديد كمسؤول بارز من قبل الأمم المتحدة حيث سيُركز على القضايا الإنسانية مثل تلك التي يشهدها اليمن. ومن ناحية أخرى، يترقب العالم الإعلان عن المبعوث الجديد الذي ستتمثل مهمته بإيجاد طريق سريع لإحلال السلام في وقت لا يلوح فيه أي مسار في الأفق. ومن المرجح أن يكون هذا المسار طويلاً وشاقاً ويتطلب تجدد التركيز على إرساء الأساس لسلام مستدام.
الغد