قلما تجد من يعرف دهاليز السياسة الدولية ويفهم مكوناتها وتوازناتها وقادر على أن يفك طلاسمها ويجيد ربط خيوطها وتحليل أبعادها، لكن عندما تجلس إلى الدكتور عبد المنعم المشاط وتستمع إليه تجد كل ذلك ممكنًا بل وترى العلاقات الدولية وكأنك تشاهد تحركاتها أمامك.
صحيح أن التخصص الأصيل للدكتور المشاط هو الأمن القومى ومتعمق فى الشئون الامريكية لكن علمه وخبرته مكناه من أن يتجاوز هذا الملف ليصبح خبيرًا فى السياسة الدولية بكل أبعادها وتطوراتها بل وقادرًا على قراءة المستقبل برؤية عقلانية.
كثيرًا ما كنت أحتاج إلى فهم لبعض القضايا الدولية والصراعات والتحالفات التى تحيط بمنطقتنا فلم أجد أفضل منه شارحًا وموضحًا تفاصيلها وتعقيداتها والأهم أنه يفعل ذلك بحب ورغبة فى نقل الخبرة.
الدكتور المشاط أحد الأساتذة الذين ساهموا فى وضع منهج الأمن القومى فى مصر والمنطقة العربية وأحد أهم أساتذة العلاقات الدولية فى العالم العربى.
لكنه مع كل هذه الشهرة والتاريخ العلمى يفخر دائمًا بأنه أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة ويعتز بأنه أحد أفراد اللواء 16 مشاه ميكانيكا الذى ينتمى إليه والذى أحدث خسائر ضخمة ومؤثرة فى الجانب الإسرائيلى حيث كانت كتيبته هى الموجة الأولى للهجوم على العدو بعد الضربة الجوية لذا عندما تنصت إلى الدكتور المشاط فى حديثه عن نصر أكتوبر المجيد تشعر بالعزة والفخر والزهو وهو يشرح كيف كانت عبقرية الجندى المصرى وكيف كان التخطيط والتجهيز لهذه الحرب التى يعتبرها من ثمار عبقرية الإنسان المصرى الذى يقهر المستحيل بالعزيمة والعمل والاجتهاد ودائما ما يقول لشباب مصر عليكم بالوقوف بجوار بلدكم لأنكم أنتم الحاضر والمستقبل.
تربطنى بالدكتور المشاط علاقة من نوع خاص حيث تعرفت عليه منذ سنوات وتحديدا عقب ٢٥ يناير ٢٠١١ وأسجل هذه الشهادة للتاريخ أنه كان فى غاية القلق أثناء هذه الاحداث المؤلمة التى تعرض لها الوطن وكان حريصًا على أن يلبى دعوتى الدائمة للظهور فى برنامج صباح الخير يا مصر حرصًا منه على أن يشرح ويوجه ويقوم بدوره الوطنى فى رفع الوعى لدى المواطن المصرى ملبيًا لنداء الوطن، وأتذكر أنه بعد إحدى الحلقات أصيب بكسر وظل لفترة ملازمًا منزله ولكنه رغم ذلك لم يبخل علينا يومًا بمشاركاته ومداخلاته التليفونية شارحًا ومحللًا كل الاحداث، وأثناء ثورة ٣٠ يونيو المجيدة كان معنا لحظة بلحظة وكأنه شاب يرى المستقبل ويصر على التخلص من ظلام الجماعة الارهابية.
لدى الدكتور المشاط قدرة لافتة يلمسها كل من يتحاور معه فهو مبدع فى تبسيط المفاهيم السياسية بأسلوب سهل رشيد وطريقة فريدة يفهمها العامة بعيدًا عن المصطلحات السياسية المعقدة وله من الانتاج العلمى العديد من الكتب المهمة منها على سبيل المثال مفاهيم الامن القومى وقاموس المفاهيم السياسية والتربية المدنية وعملية التحول الديمقراطى فى مصر ودليل الديمقراطية، وكلها مؤلفات نحن فى حاجة ماسة إليها الآن فى ظل دولة تواجه حربا فكرية وثقافية وإعلامية والتحدى الحقيقى عند كل أستاذ أن يقوم بدوره لرفع الوعى ونقل الخبرة وشرح التحديات والتهديدات والمخاطر التى تتعرض لها الدولة المصرية وهو ما يقوم به أستاذنا الجليل الدكتور عيد المنعم المشاط الذى كلما سألته عن سر اصراره على القيام بهذا الدور تأتينى اجابته الحاسمة، طالما ما زلت قادرًا على أن أكون مقاتلًا فى سبيل الوطن فلا يمكن أن أُبقى سلاحى أبدًا.
أيمن عدلي
صحيفة الوفد