العراق: وساطات لإقناع الصدر بالعودة إلى الانتخابات

العراق: وساطات لإقناع الصدر بالعودة إلى الانتخابات

بعد ساعات من إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، صباح الخميس، الانسحاب من الانتخابات البرلمانية العراقية المقرر إجراؤها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والذي أعقبه قرار آخر بإنهاء عمل “الهيئة السياسية” في التيار، بدأت أطراف سياسية فاعلة في البلاد وساطات لدفع الصدر للعدول عن قراره. وتأتي هذه الوساطات بعدما أدى قرار الصدر خلال الساعات الماضية إلى دفع جميع مرشحي “التيار الصدري” لإعلان انسحابهم من الانتخابات، كما تم تداول صور ومقاطع فيديو تظهر عراقيين من أتباع الصدر يحرقون بطاقات التصويت الخاصة بمفوضية الانتخابات.

وأكدت مصادر رفيعة في حكومة مصطفى الكاظمي في بغداد، لـ”العربي الجديد”، أن الرئيس العراقي برهم صالح، إلى جانب الكاظمي، يقودان ضغوطاً بالتزامن مع قيادات سياسية شيعية أبرزها عمار الحكيم وحيدر العبادي، لإقناع مقتدى الصدر بالعدول عن قراره. ووفقاً للمصادر، من المرجح أن تتوجّه قيادات عراقية عدة خلال الساعات المقبلة إلى النجف للقاء الصدر، وحثه على التراجع عن خطوته الحالية بالانسحاب من الانتخابات المبكرة.

من المرجح أن تتوجّه قيادات عراقية عدة خلال الساعات المقبلة إلى النجف للقاء الصدر

من جهته، قال القيادي في تحالف “الفتح” رزاق الحيدري، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “وساطات عديدة بدأت مع مقتدى الصدر لدفعه للتراجع عن قراره ومن المرجح جداً أنها ستنجح”. وأضاف الحيدري “حسب تصوري الحالي، فالوساطات مستمرة لدفعه إلى العدول عن قراره، وقد تنجح بعد تدخّل قيادات عراقية عدة، لكن من المهم معرفة أن الصدر أراد من الخطوة إيصال رسالة للقوى السياسية بأن الوضع ينهار في العراق، والبلاد أمام مأزق خطير في كل المجالات ويمكن اعتباره إنذاراً أخيراً”. لكنه لفت في الوقت ذاته إلى أن “سيناريو تأجيل الانتخابات وارد جداً مع هذه الأوضاع، وقد يتم تأجيلها إلى إبريل/نسيان من العام المقبل وهو موعدها الطبيعي، لأن الأوضاع في العراق حالياً غير مواتية والتوترات في أشدها، وقوى سياسية ترغب بالتأجيل لمنحها فرصة أكبر لترتيب أوضاعها، كما أن هناك خشية من ألا تكون هناك مشاركة شعبية كافية في هذه الانتخابات”.

وعلّق الكاظمي على قرار انسحاب الصدر، بأنه لا يمكن تصوّر عدم مشاركة الصدريين في الانتخابات، مضيفاً على حسابه في موقع “تويتر”: “أمامنا مسؤولية تاريخية لحماية العراق بأن نصل إلى انتخابات حرة ونزيهة. التيار الصدري شريحة مهمة في المجتمع، ولا يمكن تصوّر عدم مشاركته في الانتخابات”. من جهته، دعا رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الصدر للعدول عن قراره والعمل على إيصال البلاد إلى بر الأمان، مضيفاً في بيان مقتضب أنه “في ظروف صعبة مرت على العراق كُتِبَت عبارة على الجدران (من الفلوجة إلى الكوفة هذا الوطن ما نعوفه)”.

من جهته، دعا زعيم تحالف “قوى الدولة الوطنية” عمار الحكيم، عبر “تويتر”، الصدر إلى العدول عن قراره بالانسحاب من الانتخابات. وطالبه بـ”مواصلة الجهد الوطني المشترك وعدم إخلاء الساحة من قطب جماهيري مهم وفعال فيها”. وأضاف: “العراق يمر بانعطافة أقل ما توصف بالحساسة والخطيرة، والحفاظ على الممارسة الديمقراطية وعدم الانكفاء عنها هو السبيل الأوحد لمعالجة الإخفاقات وتعزيز الإيجابيات وإنصاف الشعب المتطلع إلى نيل حقوقه المشروعة والمعطلة”.

ويثير انسحاب الصدر من الانتخابات المبكرة مخاوف كثيرة من أن تؤدي لتأجيلها، خصوصاً بعد انسحاب أطراف مدنية عديدة خلال الفترة الأخيرة، علماً أن الصدر كان قد أكد في وقت سابق من إبريل/ نيسان الماضي عزمه الحصول على رئاسة الحكومة المقبلة من أجل ما قال إنه “تحقيق الإصلاح وإبعاد المفسدين”. يُذكر أن “التيار الصدري” ظل محافظاً طوال السنوات الماضية على ما لا يقل عن 30 في المائة من عدد مقاعد القوى السياسية العربية الشيعية في جنوب ووسط العراق وبغداد في البرلمان.وتعليقاً على ذلك، ذكر سياسي بارز في بغداد ضمن تحالف “النصر”، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، لـ”العربي الجديد”، أن انسحاب الصدر سيخلّ بالتوازن الانتخابي في مناطق جنوب ووسط العراق وبغداد وقد تستفيد منه القوى التابعة لتحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري و”دولة القانون” بزعامة نوري المالكي. واعتبر أن عودة الصدريين قد تمهد أيضاً لحراك آخر لإقناع القوى المدنية بإعلان موحد بشأن عودتها للانتخابات، مثل الحزب الشيوعي و”البيت العراقي” وحركة “نازل آخذ حقي” وغيرها من قوى “تشرين” المحسوبة على التظاهرات، وعكس ذلك فإن تأجيل الانتخابات وجعلها العام المقبل في موعدها الاعتيادي سيكون أفضل للعراق. وكشف أن “الأوضاع المرتبكة في لبنان خلال الساعات الماضية قد تبدّل خطة مقتدى الصدر التوجه إلى هناك لقضاء وقت يتخلص فيه من الضغوط والوفود الآتية إلى النجف، وهو أسلوب سبق أن اعتمده الصدر في أزمات سياسية عديدة”، من دون أن يستبعد في الوقت نفسه أن تكون عودة الصدر للمشاركة بالانتخابات في حال حدوثها مبنية على شروط سياسية معينة، من دون أن يذكرها.

انسحاب الصدر سيخلّ بالتوازن الانتخابي في مناطق جنوب ووسط العراق وبغداد

بدوره، أكد عضو تحالف “القوى العراقية” يحيى المحمدي، لـ”العربي الجديد”، أن هناك جهوداً تبذل حالياً من قبل رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان فضلاً عن رئيس الوزراء وكتل سياسية مختلفة لإقناع الصدر بالعدول عن قراره، والمشاركة في العملية السياسية، لأن الجميع مؤمن بأن الانتخابات الحل الوحيد لتجاوز المشاكل الحالية وهي ضرورة، مضيفاً أن “التيار الصدري يملك قاعدة جماهيرية واسعة ولا يمكن تجاوز هذه الكتلة في أي خطوة من خطوات بناء الدولة”، معتبراً أن سيناريو التأجيل وارد لكنه بطبيعة الحال لن يكون حلاً.

في السياق ذاته، قال الخبير القانوني العراقي، طارق حرب، إن “انسحاب الكتلة الصدرية يعني فقدان المكون الشيعي أغلبيته في البرلمان، وهذا ينصرف على جميع القرارات التي يصدرها البرلمان بأغلبية الأعضاء”. وتساءل حرب في بيان: “هل سيتم إجراء الانتخابات المبكرة أم لا؟”. وأشار إلى أن “انسحاب المرشح من المنافسة الانتخابية لا تحتاج إلى موافقة مفوضية الانتخابات لأن المفوضية ليس لديها حكم قانوني يمنحها إلزام المرشح المنسحب في السير بالعملية الانتخابية، أما سجلات المفوضية واستمارتها والمصادقة فليس فيها ما يلزم المرشح، ذلك أن الترشيح حق قرره الدستور وليس واجباً، وبإمكان أي مرشح الانسحاب ولا علاقة له بسجلات المفوضية ووضع اسمه في سجلاتها وأوراقها”.

عثمار المختار

العربي الجديد