أخذت الانتخابات الإيرانية الأخيرة اهتماما واسعا من قبل جميع الأوساط السياسة المهتمة بالشأن الإيراني لما لها من أهمية ومكانة بارزة في طبيعة الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وتابع مركز الروابط للدراسات الإستراتيجية والسياسية وقائع و نتائج هذه الانتخابات ورأى انها اتت في ظروف حرجة مر بها النظام الإيراني وعايش أحداثها من خلال الجولات الستة التي كانت تمثل الحوار في العاصمة النمساوية فيينا بين الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة (٤+١) للوصول إلى اتفاق جديد حول البرنامج النووي الإيراني سعى فيها المفاوض الإيراني إلى محاولة معالجة الأزمات الخانقة التي أصابت الاقتصاد الإيراني واثرت عليه بعد وصول نسبة الركود فيه إلى٨٠% مع فقدان العملة الإيرانية لثلثي قيمتها وتعاظم البطالة في المجتمع الإيراني بنسبة ٤٢%وزيادة التضخم إلى ٦٣% وانخفاض في صادرات النفط من ٢٥٠٠ مليون برميل إلى ٥٠٠ ألف برميل يوميا ثم عزلة دولية ومالية في التعاملات التجارية والاقتصادية.
امتدت الرؤية الإيرانية في محاولتها لتأجيل جلسات الحوار وعدم الإعلان عن موعد الجلسة السابعة لحد الان رغم الجهود الأوربية التي تبذل في سبيل استعادة الحوار ،لأن النظام الإيراني يرى أن تأجيل الحوار قد يفضي إلى إقناع الإدارة الأمريكية برفع كامل العقوبات المفروضة على ايران ومنها السياسية التي تتعلق ببعض الشخصيات الإيرانية ومنها المرشد الأعلى علي خامنئي وعدد من قيادات الحرس الثوري الإيراني.
جاءت نتائج الانتخابات الإيرانية لتؤكد عزوف الشعوب الإيرانية في الذهاب إلى مراكز الاقتراع وتبين سياسة التوازن الاجتماعي بين القوى السياسية القريبة من مراكز القرار السياسي حيث حرص النظام على هندسة الأوضاع بما يؤدي إلى توازن ميداني حقيقي يعكس حقيقة العلاقات بين جميع التيارات السياسية داخل أروقة النظام الحاكم والكل يسعى إلى الالتزام بتوجهات المرشد خامنئي التي اوصلت (ابراهيم رئيسي ) إلى مقعد الرئاسة الإيرانية وازاحة الشخصيات المؤثرة من تيار الإصلاحيين بعد انسحاب العديد منهم من سباق الانتخابات التي جرت في حزيران ٢٠٢١ و فشل محاولاتهم في إثبات وجودهم على الميدان بسبب التأثيرات التي عمل عليها السياسيون الإيرانيون القريبون من دائرة المرشد والالتزام بتوجيهاته لهم في حديثه عن طبيعة الانتخابات وسير الاتجاهات فيها بقوله (أن مجال السياسة والسلطة مثل تسلق الجبال ومن الضروري اتخاذ خطوات بطيئة وثابتة وإزالة العوائق واحد تلو الآخر بصبر ) ،وهذا ما التزم به الرئيس الإيراني الجديد ابراهيم رئيسي بتاكيده أن حكومته التي ستشكل ستعتمد أولويات واضحة في متابعة سير المفاوضات مع الخلفاء الأوربيين والولايات المتحدة الأمريكية وأنها سوف لا ترهن مصير البلاد بها ،أي أنها سوف لا تقف حائلا أمام مواجهة التحديات الاخرى والعمل باتجاه مخارج حقيقية توصل إلى اتفاق يحفظ للنظام الايراني مكانته وإعادة تأثيره الإقليمي والدولي.
رغم جميع المحاولات التي قامت بها الإدارة الأمريكية تجاه النظام الإيراني باتباعها سياسة العقوبات الاقتصادية وابعاد المجتمع الدولي عن التعامل مع النظام وإيجاد فواصل كبيرة تعيق حركة ومحاولات طهران للعودة لممارسة دورها الإقليمي والدولي لكن جميع هذه الوسائل والإجراءات لم تتمكن من تغيير سلوك النظام الإيراني بسبب سياسة التعنت وإظهار القوة التي حرصت القيادات السياسية والعسكرية على التصريح بها عليها.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية