يمكن اعتبار إقلاع الطائرات الأمريكية الأخير قبل أيام من أفغانستان (30 آب/أغسطس) وإتمام حركة طالبان سيطرتها على المطار بعد سيطرتها على العاصمة كابول ومجمل أفغانستان، إشارة بدء انتقال الحركة من حيّز الصراع الطويل مع القوى الأجنبية، والقوى الداخلية المرتبطة بها، إلى حيّز تأسيس دولتها الثانية، بعد انكسار الأولى إثر الاجتياح الأمريكي قبل عشرين عاما، انتقاما من هجمات أيلول/سبتمبر 2001 التي نفذها تنظيم «القاعدة» ورفض زعيم الحركة، الملا محمد عمر، آنذاك، تسليم زعيم التنظيم، أسامة بن لادن، وسيستغرق العالم وقتا طويلا لاستيعاب انتصار هذه الحركة التي قاتلت بقرابة 80 ألف عنصر، وبأيديولوجيا دينية متشددة، أكبر قوة عسكرية عالمية يحكمها نظام ديمقراطي ليبرالي.
رافق إجلاء المنظومة الدولية ودولها الكثيرة المشتركة في التحالف الأمريكي في أفغانستان لقوّاتها، وعشرات الآلاف من الأفغان المتعاونين معها، إحساس غامر بالمفاجأة، نتيجة الأحداث الدرامية الأخيرة التي تمثلت بالانهيار السريع جدا للجيش الأفغاني، ودخول الحركة إلى كابول، وهجوم تنظيم «الدولة» الدمويّ على المطار، وإذا كانت هذه الأحداث قد فاقمت الإحساس بالفشل الفظيع للمنظومة الغربية في إدارة أفغانستان، فإنها، من جهة أخرى، تشير إلى جسامة المهمة الملقاة على طالبان.
فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها الكبار الكثر، لم يتمكنوا من تقديم إدارة ناجحة للبلاد، رغم مئات المليارات التي صرفت على دعم النظام الأفغاني السابق وتمكينه، فماذا ستفعل حركة طالبان، التي بدأت، منذ الآن، تواجه مشاكل داخلية، عسكرية من قبيل مواجهة المعارضة في إقليم بانجشير، وسياسية، فيما يخص تشكيل الحكومة وقدرتها على تمثيل التنوع الإثني والديني، واقتصادية، في بلد كان يعتمد بشكل كبير جدا على المساعدات، وعلى تمويل المجتمع الدولي.
من الواضح أن المهمة الكبرى التي ستواجه حركة طالبان، والتي ستعطي إشارة مصداقية إلى قدرتها على حكم البلاد، وليس السيطرة العسكرية عليها فحسب، سترتبط بقدرتها على إقناع المنظومة الدولية، بما فيها القوى التي حاربتها على مدى عقدين من الزمن، بالاعتراف بحكومتها الوشيكة الولادة.
بمجرد سيطرة الحركة على كابول أعلن صندوق النقد الدولي وقف أي مساعدات أو موارد مالية لأفغانستان، رابطا ذلك بـ«اتضاح موقف المجتمع الدولي حيال الاعتراف بالحكومة في أفغانستان» وقد أوقف هذا الإعلام آخر اتفاق مالي كان وشيك التحقق للتسهيل الائتماني بقيمة 370 مليون دولار وذلك لدعم أفغانستان لتجاوز أزمة وباء كورونا.
عقدت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى اجتماعا طارئا لمناقشة الوضع الأفغاني، وكان طبيعيا أن يتركز ذلك الاجتماع على قضيتين متعاكستين: الأولى هي كيفية «الحفاظ على مكتسبات العقدين الماضيين» والثانية، ما هي العقوبات التي يمكن فرضها على الدولة الأفغانية الجديدة الناشئة في حال اتخذت قرارات ترى فيها تلك الدول نقضا جذريا لما تم التأسيس له سابقا.
تتركز مجمل هذه المسائل إذن على الطريقة التي ستشكل فيها الحكومة الأفغانية، والقرارات الأولى التي ستتخذها، وعليها سيتقرر ما يسمى «المجتمع الدولي» كيفية التعامل مع دولة طالبان الثانية.
القدس العربي