التدخل الروسي في سورية بعكس ما يعتقد فلاديمير بوتين لن يحمي بشار الأسد، لكنه ينهيه. إن الهجوم العسكري الجوي والبري الروسي على المعارضة ربما يساعد الأسد عسكرياً، لكنه يجعله دمية متحركة بين هيمنة القيصر الروسي والمعسكر الإيراني مع موافقة الجار الإسرائيلي. فزيارة نتانياهو روسيا قبل هذا التدخل تشير إلى تفاهم بين روسيا وإسرائيل على عدم تحرك إسرائيل ضد القوات الروسية في سورية. إن التدخل الروسي سيزيد عدد اللاجئين السوريين إلى كل أنحاء العالم. وسيساهم في المزيد من التدمير لبلد خربه رئيس تشبث بالحكم إلى أن هجر معظم شعبه وقتل أكثر من مئتي ألف منه وهو ما زال يدعي أنه يحمي الأقليات فيه. فماذا يبقى من رئيس يدعو الروس والإيرانيين إلى إنقاذ حكمه بالصواريخ والقنابل والقصف الجوي؟ وأي حل هذا الذي ستفرضه روسيا على رئيس خان بلده واستعان بالأجانب لقتل مواطنيه وتهجيرهم؟ التدخل الروسي لن ينقذ بشار، بل سينهيه صانعاً منه ما يشاء. إن التدخل الروسي إلى جانب إيران مرحلياً هو جحيم للشعب السوري وللمعارضة الباسلة ولكنه سرعان ما سيكون أيضاً جحيماً لبشار الأسد. فهو لن يتمكن بعد الآن أن يتحرك من دون القرار الروسي والإيراني. وإذا اختلف الروس والإيرانيون فسيتحول إلى مأزق أكبر.
لا شك في أن روسيا كسبت دولياً موقعاً كان فلاديمير بوتين يطمح إليه منذ سقوط الاتحاد السوفياتي ومُذ كان ضابطاً في الاستخبارات الروسية وشهد مبنى الاستخبارات الألمانية الشرقية يحترق أمامه عندما سقط جدار برلين. فروسيا بوتين تريد إبراز قوتها أمام رئيس أميركي ركز كل استراتيجيته على الخروج العسكري من العالم والتخلي عن الشرق الأوسط. وأوباما منذ بداية ولايته الأولى طمح أولاً إلى العمل على استقلالية بلده عن نفط الشرق الأوسط. ونجح في ذلك مع فورة النفط والغاز الصخري التي ظهرت بكثافة في عهده وجعلت من بلده منتجاً نفطياً كبيراً يستغني عن استيراد نفط الشرق الأوسط. أما الأولوية الأخرى فكانت إخراج قواته من العراق. فعل ذلك بفشل ذريع مسلّماً البلد إلى إيران. وبعد ذلك، عقد صفقة معها حول ملفها النووي. والآن يتحرك للدفاع عنها ورفع العقوبات ويتركها تدمر سورية وتعطل لبنان بواسطة حليفها “حزب الله” الذي يشارك في قتل الشعب السوري ويحارب إلى جانب القيصر الروسي في هذه المرحلة لقتل السوريين وتهجيرهم.
أما أوروبا فستشهد المزيد من اللاجئين مع مشاكلهم وسيزداد عبئهم. ولا يمكنهم التحرك طالما أن أوباما يكتفي بالتصريحات. لقد حذر فرنسوا هولاند من خطورة ما يجري في سورية على أوروبا. ورئيس حكومته مانويل فالز يقوم بجولة على مصر والأردن والسعودية ليعبر عن المخاوف نفسها. وعلى رغم مواقف فرنسا الجيدة بالنسبة إلى ما يجري في سورية لا يمكنها التحرك وحدها من دون تضامن أوروبي أولاً، ثم انخراط أميركي. ولكن رئاسة أوباما كانت الأسوأ بالنسبة إلى الشرق الأوسط لأنه ترك بلداً كبيراً مثل سورية يدمر ويمزق ويبتلعه القيصر الروسي. وأوباما ينهي رئاسته من دون مبالاة بما حققه من فراغ لموقع الغرب في الشرق الأوسط. فالتدخل الروسي يزيد ألم الشعب السوري من كثافة القصف والقتل، لكن هذا الشعب الباسل لن ينسى يوماً أن الأسد استدعى قوات أجنبية لقتله وتدميره.
لن ننسى أن اللبنانيين عانوا الكثير من احتلال نظام الأسدين والحروب التي سببها والاغتيالات التي قاموا بها بحق رؤساء ومسؤولين وصحافيين. فهذا إرث الأسدين للبنان وسورية خلال احتلال لبنان. لقد كان حافظ الأسد يردد أمام زواره الفرنسيين الذين كانوا يطالبونه بسحب قواته من لبنان، أن السوريين واللبنانيين شعب واحد وأن كثراً من السوريين مرتبطون عائلياً باللبنانيين والوجود السوري ليس احتلالاً. أما بشار فقد اعتبر أن «الوطن ليس لمن يسكن فيه ولمن يحمل جوازه أو جنسيته، بل لمن يدافع عنه». بشار الأسد سيكون نيرون سورية في حين أن أحد الأحرار علق أن نيرون هو بمثابة بائع زهور بالمقارنة مع بشار الأسد.
رنده تقي الدين
صحيفة الحياة اللندنية