يواجه العراق أزمة مياه شديدة بفعل نقص الأمطار، ولكن أيضا بسبب سياسات تركيا وإيران التي فاقمت الأزمة، بينما يحاول مسؤولون إنعاش أنهار مثل سيروان، مشيرين إلى أن ضعف التدفقات من بلدي المنبع، (تركيا وإيران)، يفاقم مشكلات محلية مثل التسرب وقدم خطوط الأنابيب والسحب غير القانوني من التدفقات.
وكان يُفترض أن تُثير بغداد هذا الملف خلال القمة الإقليمية الأخيرة التي شاركت فيها أنقرة وطهران، لكن العراق تفادى هذا الأمر مفضلا الجنوح إلى الدبلوماسية، وتوسيع التنسيق والتشاور مع دولتي المنبع.
وتبني طهران وأنقرة سدودا كبيرة لحل مشكلات نقص المياه لديهما، كما أن التعاون الإقليمي بشأن هذه المسألة متفاوت، في حين قال المسؤولون العراقيون أن سد داريان عبر الحدود في إيران يحوِّل مسار أجزاء من نهر سيروان إلى داخل الأراضي الإيرانية مرة أخرى عن طريق نفق طوله 48 كيلومترا. ولم يعلق المسؤولون الإيرانيون على هذه الأخبار. وقالت طهران أن السد ما يزال في طور الإنشاء.
ويقول سكان قرى عراقية إنهم يشعرون بتأثير نقص تدفقات المياه من إيران منذ عامين، ويشكون من أن هذا النقص كان له أثر قاس على المجتمعات المقيمة عند المصب، خاصة في سنوات الجفاف التي تزداد تواتراً.
وكانت أزمة المياه في العراق قد تشكلت منذ نحو 20 عاما، حيث جعلت البنية الأساسية المتقادمة والسياسات قصيرة الأجل بغداد عرضة لتداعيات التغير المناخي ونقص تدفقات المياه من إيران وتركيا، التي تشكل مصدراً لنحو 70 في المائة من مياه نهري دجلة والفرات.
وقال عون ذياب، المتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية، أن التدفقات من إيران وتركيا انخفضت، اعتبارا من حزيران (يونيو) إلى النصف، في الوقت الذي التزمت فيه الخارجية التركية الصمت.
ويقول مسؤولون عراقيون أن المفاوضات مع تركيا بشأن كمية المياه الذي ستسمح الأخيرة بوصوله للعراق صعبة، لكنها جارية على الأقل. وفي المقابل، لا يجري العراق أي محادثات بشأن المياه مع إيران التي تعاقدت في الثلاثين عاما الماضية على بناء 600 سد على الأقل في البلاد.
وقال نبيل موسى، بينما يشير إلى مجرى نهر جفت مياهه: “كان يوجد نهر حيث نقف الآن”. والسبب في رأي موسى، الناشط في مجال حماية البيئة، يكمن في انحسار مياه نهر سيروان الذي كان هادرا ذات يوم، لكنه تحول إلى مجرى صغير هادئ وراء الحدود مع إيران التي يقول إنها تتحكم في مياه النهر كلها.
وقال صياد السمك، أحمد محمود، من قرية إمام زامني حيث يجف النهر وحيث غادر أغلب سكان القرية المكونين من 70 أسرة وأُغلقت المدرسة الابتدائية: “لقد توقفت عن الصيد منذ عامين… إذا استمر الحال على ما هو عليه، فسوف نضطر إلى المغادرة نحن أيضا”.
وينبع نهر سيروان من إيران، ويمر على امتداد حدودها مع العراق قبل أن يتدفق داخل منطقة كردستان العراقية المتمتعة بحكم شبه ذاتي، ثم ينحرف جنوبا ليلتقي بنهر دجلة. وقد أصبح النهر الذي كان ممتلئا ذات يوم مرقطا بأعمدة قياس تظهر المناسيب التي كانت تصل إليها مياهه في السابق.
وعندما اجتاحت موجة حرّ المنطقة التي تعاني من الجفاف مسبقاً في تموز (يوليو)، قال العراق أن الوضع في محافظة ديالى، حيث يقع مصب النهر، سوف يزداد سوءا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع إيران التي تنبع منها أيضاً نحو 18 في المائة من مياه نهر دجلة، حول سبل اقتسام “الضرر” من نقص تدفقات المياه.
وفي محاولة للتكيف، قلّصت بغداد مساحات الزراعة الصيفية في ديالى في مناطق الري ومناطق الزراعة المعتمدة على الأمطار على حد سواء إلى 30 في المائة من المساحة التي كانت عليها العام الماضي، وعمدت إلى حفر الآبار لدعم المزارعين المتضررين.
وأشار مسؤول بارز بوزارة الخارجية الإيرانية لدى سؤاله عن المزاعم العراقية بأن طهران تحجم عن بحث أزمة المياه، إلى أن الجفاف في بلده “تسبب في انقطاعات للكهرباء واحتجاجات”، مضيفا أنه في ظل تشكيل حكومة جديدة في إيران في الآونة الأخيرة، فإن تحديد المواعد لعقد اجتماعات لبحث هذه المسألة سوف يستغرق وقتا.
وأضاف: “ولكن يتعين علي التأكيد على أنه بسبب أزمة المياه، ستكون تلبية احتياجاتنا المحلية على رأس أولوياتنا تليها احتياجات جيراننا”.
وقال موسى، الناشط في مجال حماية البيئة، أن إيران تتيح أحيانا تدفق المياه إلى العراق، “لكننا لا نعرف مسبقا متى يأتي التدفق أو ماذا سيكون حجمه”.
وسعى مسؤولو المياه في العراق في حزيران (يونيو) -دون طائل- إلى عقد اجتماع مع طهران لبحث نقص المياه وطلب معلومات عن إستراتيجية إدارة الموارد المائية في إيران.
وقال ذياب: “إننا نحصل على المعلومات من صور الأقمار الصناعية عن أوضاع السدود وأحجام المخزونات، سواء في تركيا أو في إيران، لكننا نفضل الحصول عليها عبر القنوات الدبلوماسية”.
وفي القمة التي انعقدت في بغداد يوم 28 آب (أغسطس)، بحثت دول من الشرق الأوسط، منها إيران، قضايا التعاون الإقليمي، لكن مسألة سياسات المياه لم تصل المياه إلى جدول أعمال القمة.
وقال دبلوماسي عراقي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه ليس مخولاً بالتحدث إلى الإعلام: “لقد تجنبنا الخوض في القضايا الخلافية مثل قضية المياه”.
الغد