الباحثة شذى خليل*
تواجه مجموعة “إيفرغراند” العقارية الصينية، كبرى الشركات العقارية في العالم، انهياراً يثير الذعر في الأسواق والبورصات العالمية، وزجها تحت ديون ضخمة تقارب 305 مليارات دولار، وتعثرها عن سداد مليارات مستحقة عليها للبنوك والدائنين.
ويعد قطاع العقارات محركاً مهماً للاقتصاد الصيني، وإعلان إفلاس هذه المجموعة الكبرى سيكون له وقع كبير على العملاق الآسيوي الذي يكافح للخروج من أزمات أخرى منها تداعيات جائحة كورونا وضخامة الديون والتفاوت الطبقي وتركز الثروة والفقر، وهي التحديات التي تواجه حكومة الرئيس شي جين بينغ والحزب الشيوعي الصيني.
حيث خسر أغنى 500 شخص في العالم ما مجموعه 135 مليار دولار في 20 سبتمبر/أيلول، مع تضرر أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم بسبب مخاوف بشأن عملاق العقارات الصيني المثقل بالديون “إيفرغراند”.
ما هي ايفرغراندي؟
هي واحدة من أكبر مطوري العقارات في الصين، الشركة جزء من Global 500 مما يعني أنها أيضًا واحدة من أكبر الشركات في العالم من حيث الإيرادات، ومدرجة في هونغ كونغ ومقرها في مدينة شنتشن جنوبي الصين، توظف حوالي 200000 شخص، كما أنها تساعد بشكل غير مباشر في الحفاظ على أكثر من 3.8 مليون وظيفة كل عام.
أسس المجموعة الملياردير الصيني شو جياين، المعروف أيضًا باسم هوي كا يان بالكانتونية، والذي كان في يوم من الأيام أغنى رجل في البلاد.
صنعت Evergrande اسمها في العقارات السكنية – فهي تفتخر بأنها “تمتلك أكثر من 1300 مشروع في أكثر من 280 مدينة” في جميع أنحاء الصين – لكن اهتماماتها تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك.
إليك ما تحتاج لمعرفته حولEvergrande، وكيف وصلت إلى ما هي عليه الآن.
خارج الإسكان، استثمرت المجموعة في السيارات الكهربائية والألعاب الرياضية والمتنزهات. حتى أنها تمتلك نشاطًا تجاريًا للأطعمة والمشروبات، وتبيع المياه المعبأة في زجاجات، ومحال البقالة، ومنتجات الألبان وغيرها من السلع في جميع أنحاء الصين.
في عام 2010، اشترت الشركة فريق كرة قدم ، والذي يعرف الآن باسم Guangzhou Evergrande. قام هذا الفريق منذ ذلك الحين ببناء ما يُعتقد أنه أكبر مدرسة لكرة القدم في العالم، بتكلفة 185 مليون دولار إلى Evergrande.
تواصل Guangzhou Evergrande الوصول إلى أرقام قياسية جديدة: إنها تعمل حاليًا على إنشاء أكبر ملعب لكرة القدم في العالم، على افتراض أن البناء سيكتمل العام المقبل كما هو متوقع. تم تصميم الموقع الذي تبلغ تكلفته 1.7 مليار دولار على شكل زهرة لوتس عملاقة، وسيكون في النهاية قادرًا على استيعاب 100000 متفرج.
وقال مؤسس ورئيس مجلس إدارة “إيفرغراند” شو جيايين إنّ أسهم شركته انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ عقد. وبلغت ثروته ذروة 42 مليار دولار في 2017، وانهارت إلى 7.3 مليارات دولار.
تم تأجيج المخاوف بشأن عدوى مالية محتملة في أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم بعد أزمة السيولة التي أبلغت عنها المجموعة الصينية والقمع التنظيمي على سوق العقارات في البلاد، وفق “بلومبيرغ”. كان الانهيار في الأسواق في جميع أنحاء العالم أيضًا رد فعل على تحذير وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من كارثة اقتصادية إذا فشل المشرعون في رفع سقف الديون الأميركية. وهوى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.7 في المائة، وهو أكبر هبوط منذ مايو/ أيار.
عانى مطورو العقارات في هونغ كونغ من خسائر فادحة في مؤشر هانغ سنغ. فقد مليارديرات العقارات لي شاو كي ويانغ هويان ولي كا شينغ وهنري تشنغ أكثر من 6 مليارات دولار مجتمعين.
يتخوف المستثمرون الدوليون من تكرار تفاقم أزمة “إيفرغراند” مثل ما حدث مع مصرف “ليمان براذرز” الأميركي خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، وسط تحذيرات من تمدد المشكلات إلى القطاع العقاري والمصرفي الصيني برمته، وما لذلك من تداعيات على هبوط الطلب الصيني يطاول المنتجات التي تعد جزءاً من الصناعة العقارية.
السداد الجزئي للديون
أعلنت “إيفرغراند”، أنها ستسدد فوائد على جزء صغير من دينها، بعد التوصل إلى اتفاق مع قسم من حاملي السندات، وقالت الشركة، في بيان موجه إلى بورصة شنغن في جنوبي الصين، إنّ أحد فروعها “هنيغدا ريل إستايت” أجرى مفاوضات بشأن خطة لتسديد الفوائد على سندات تستحق في 2025.
وكان من المفترض أن تسدد “إيفرغراند”، قبل أيام، استحقاقاً بقيمة 232 مليون يوان (30,5 مليون يورو) من الديون تستحق على هذه السندات بنسبة 5,8% التي تقتصر على سوق السندات الداخلية، وسيكون أمامها مهلة سماح قدرها ثلاثون يوماً لتأمين الاستحقاق قبل أن تعد متعثرة في السداد.
ماذا لو تعثرت في السداد او اعلان الافلاس ماذا سيحصل للاقتصاد العالمي، قال بعض المستشارين في مجال الاستثمارات في سنغافورة، إنّ إعلان التسديد الجزئي “سيساعد، ويؤمل أنه يحدّ بعض الشيء من تقلبات الأسواق وتراجعها”، لكن لكي تعود الثقة فعلاً، على السوق أن ترى احتمالات بإعادة هيكلة إيفرغراند.
اما بالنسبة الى أمريكا وتأثيرها بالأزمة فقد قال رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي المركزي الأميركي، إنّ مشاكل ديون العملاق العقاري الصيني “إيفرغراند” يبدو أنها تخص الصين إلى حد كبير، وإنه لا يرى نظيراً لها في قطاع الشركات في الولايات المتحدة، وقال إنّ تخلّف شركات أميركية عن سداد التزاماتها المالية، احتمال منخفض جداً في الوقت الحالي.
وأضاف أنه لا يوجد انكشاف مباشر كبير للشركات الأميركية على مشاكل “إيفرغراند”، لكن يوجد قلق بأنها قد تؤثر بقنوات الثقة العالمية.
في الختام انها أزمة ديون ومما يعمقها هو التراجع المتواصل لأسعار أسهمها، والتي فقدت بالمتوسط 85% من قيمتها خلال الشهور القليلة الماضية، بينما يتم تداول سنداتها بخصم عميق مماثل، ومن إجمالي الديون المستحقة على المجموعة، مبلغ 240 مليار يوان (37.3 مليار دولار) مستحقة في غضون عام واحد.
وأبلغت المجموعة عن ربح صاف بقيمة 1.4 مليار دولار في النصف الأول 2021، لكنها تقول إن المبيعات بدأت تضعف لأن أنباء أزمة السيولة تجعل المشترين المحتملين متوترين.
في المقابل، لم يبلغ المطورون الرئيسيون الآخرون في صناعة العقارات داخل الصين عن مشاكل مماثلة، لكن المئات من شركات التطوير الأصغر أغلقت أبوابها، منذ أن بدأ المنظمون في 2017 في تشديد الرقابة على أساليب جمع الأموال مثل بيع الشقق قبل بدء البناء.
ويُنظر إلى العقارات السكنية في الصين على أنها لا تشكل خطرا كبيرا على النظام المالي، لأن معظم الشقق تباع نقدا لا على شكل رهون عقارية.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية