تونس – تخلت واشنطن عن كل تحفظاتها السابقة ودخلت من الباب الواسع إلى المشهد الليبي لتصبح الفاعل الرئيسي فيه، وتمسك بخيوط اللعبة السياسية وتضغط لسحب المرتزقة وتوحيد المؤسسة العسكرية.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها منذ تأسيسها عقدت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة “5+5” اجتماعا وسط العاصمة طرابلس، بحضور قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال تاونسند في طرابلس والسفير الأميركي الذي يتولى كذلك مهمة المبعوث الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، وهو ما اعتبرته السفارة الأميركية “خطوة تاريخية في التقريب بين الليبيين، لاسيما في المجال الأمني”.
وأكدت السفارة أن “الولايات المتحدة ملتزمة بتسهيل التنفيذ الكامل لاتفاقية جنيف لوقف إطلاق النار، والانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية والمقاتلين، فضلاً عن التوحيد الكامل للمؤسسات العسكرية الليبية”.
أحمد معيتيق: قرار الكونغرس يمكّن واشنطن من ملاحقة معرقلي الاستقرار
وتعود أهمية الاجتماع إلى أن وفدا من القيادة العامة للجيش الذي يقوده المشير خليفة حفتر قد شارك فيه، ليكون بذلك ممثلون للرجل القوي في المنطقة الشرقية قد دخلوا طرابلس لأول مرة منذ سنوات.
ويقول مراقبون إن الاجتماع اختصر الكثير من المسافات في فهم طبيعة الدور الأميركي المتصاعد في ليبيا، فواشنطن تعود بقوة إلى ليبيا، وتقول بصوت عال إنها مصرّة على تنفيذ كافة بنود الاتفاق العسكري المبرم في الثالث والعشرين من أكتوبر 2020 والاتفاق السياسي المنبثق عن ملتقى الحوار السياسي المنعقد بتونس في نوفمبر الماضي.
وأكدت واشنطن إصرارها على تنظيم الانتخابات في موعدها المقرر للرابع والعشرين من ديسمبر القادم، وذلك من خلال قانون “استقرار ليبيا” الذي أقرّه الكونغرس بأغلبية ساحقة في الثامن والعشرين من سبتمبر 2021.
وينص القانون على أن يتم فرض عقوبات على الأشخاص الذين يساهمون في العنف في ليبيا. ويطلب من الرئيس جو بايدن معاقبة من يقوم بأفعال تهدد السلام والاستقرار في ليبيا، وكل مسؤول عن انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، أو سرقة أصول الدولة الليبية أو مواردها الطبيعية.
كما ينص على معاقبة من ينشر المرتزقة ويدعم الميليشيات وينتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة. ويدعو الولايات المتحدة إلى القيام بدور أكثر فاعلية في حل النزاع ودعم المساعدة الإنسانية والحكم الديمقراطي والمجتمع المدني والانتخابات المستقبلية، وتحسين الإدارة المالية للبنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط.
وأوضح نائب رئيس المجلس الرئاسي الأسبق لحكومة الوفاق أحمد معيتيق أن “الكونغرس الأميركي أكد دعمه لتحقيق الاستقرار في ليبيا بإقراره قانون الاستقرار”.
وأضاف معيتيق “جاءت حيثيات القرار لتؤكد على إنجاح الاستحقاق الانتخابي في نهاية ديسمبر 2021 وتوحيد المؤسسات وإتمام المصالحة الوطنية”، مشيرا إلى أن “هذا القرار يمكّن السلطات الأميركية من ملاحقة الجهات المعرقلة لتحقيق الاستقرار”.
نجوى وهيبة: الوجود العسكري الأجنبي أمر مرفوض ويجب أن ينتهي
ولم يخف رئيس مؤسسة سلفيوم للدراسات والأبحاث الليبية جمال شلوف احترازه من عقد الاجتماع في قاعدة معيتيقة في العاصمة طرابلس “التي تسيطر عليها الميليشيات”، وبتأمين من قوات الأفريكوم، على عكس الاجتماعات السابقة التي عقدت في مقر اللجنة الرئيسي في مدينة سرت، والتي كانت تؤمّن من قِبل أفراد الجيش الوطني الليبي. لكن الأهم من ذلك بالنسبة إليه هو النتائج المعلنة ولاسيما في ما يتصل بتحديد جدول زمني لإجلاء المقاتلين الأجانب عن البلاد.
ويرى محللون ليبيون أن الولايات المتحدة استطاعت كسر حاجز نفسي مهم، برعايتها لأول اجتماع للجنة العسكرية المشتركة وسط طرابلس، وهو ما يمهّد لاجتماعات أخرى في مدن غرب البلاد الذي لا يزال تحت سيطرة ميليشيات مسلحة، ويشير بوضوح إلى أن واشنطن لا ترى بديلا عن الحوار بين الفرقاء وعن توحيد المؤسسة العسكرية.
كما أن موقفها من قيادة الجيش إيجابي ولاسيما في العلاقة بالحرب على الإرهاب، وتأمين منابع الثروة، رغم مؤاخذاتها عليه حول العلاقة بالروس والتي لا تختلف كثيرا عن مؤاخذاتها سلطات طرابلس على التمسّك بالإبقاء على القوات التركية ومرتزقتها.
وقال عضو اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” عن قيادة الجيش، الفريق فرج الصوصاع إن اجتماع اللجنة في طرابلس مع المسؤولين الأميركيين كان إيجابيّا.
وأضاف في تصريحات صحافية أن الاجتماع تطرق، بشكل مباشر، إلى سحب القوات الأجنبية والمرتزقة كافة من الأراضي الليبية، وأكد على موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية نهاية العام، كاشفا عن أن حفتر أمر قبل تسليم مهامه قائدا عاما للجيش بسحب قوات عسكرية من مدينة سرت، كبادرة حسن نية لتعزيز الثقة والمضيّ قدما باتجاه حلحلة الإشكالات الأمنية.
ورحبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا باجتماع اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” في طرابلس، وأكدت البعثة في تغريدة عبر حسابها الرسمي على تويتر أن “هذا الاجتماع يعد رسالة أخرى قوية من قبل اللجنة ومؤشرا على متانة الجهود المبذولة”.
ويشير المراقبون إلى وجود تقدّم إيجابي على الصعيد الميداني، فيما بيّنت المتحدثة باسم المجلس الرئاسي نجوى وهيبة أن ذلك قد تتبعه تحركات على الأرض بشأن خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، معتبرة أن “الوجود العسكري الأجنبي سواء كان عبر مقاتلين أجانب أو مرتزقة، أو أيا كان تصنيفهم، أمر مرفوض ويجب أن ينتهي عاجلا أو آجلا”.
ولا يستثني الاتفاق العسكري والجهود الأممية والموقف الأميركي القوات التركية الموجودة في غرب ليبيا التي بات خروجها شرطا أساسيا لتوحيد المؤسسة العسكرية وتحقيق المصالحة الوطنية.
وقالت المتحدثة باسم المجلس الرئاسي إن “الحديث يجري عن تقييدات قانونية، وليس أي دوافع أخرى، بناء على مخرجات جنيف التي تمنع السلطات الحالية من تجميد اتفاقيات طويلة الأمد أبرمتها السلطات من قبل، فهذا أمر قانوني ولكن الإرادة السياسية تبحث خروج كل القوات إذا وجدت آلية متوافق عليها، وهذه المشكلة ليست مشكلة ليبية ولكن خطرها إقليمي”.
وأكدت أوساط ليبية في العاصمة طرابلس لـ”العرب” أن “الموقف الأميركي حاصر تطلعات رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة لتمديد مهامه، كما فرض عليه القبول بالجدول الزمني لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، وأن كل محاولات تحويل اتجاه مواقف واشنطن باءت بالفشل”.
ولا يستثنى من المقاتلين الأجانب، الذين تدعو واشنطن إلى إخراجهم، الأتراك كما يريد لوبي أنقرة في طرابلس، وإنما “الولايات المتحدة ستستمر في العمل على دعم التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين، وفقا لرغبات الجمهور الليبي”، كما ورد في بلاغ الأفريكوم.
العرب